فيتو روسي يفشل قراراً أممياً لوقف القتال وحماية المدنيين في السودان

18 نوفمبر 2024
مسلحون موالون للجيش السوداني في مدينة القضارف، 28 يوليو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

أفشل فيتو روسي تبني مجلس الأمن في نيويورك اليوم الاثنين قراراً يدعو أطراف النزاع في السودان إلى وقف الأعمال العدائية على الفور والانخراط في حوار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل وسريع وآمن ومستدام عبر خطوط النزاع والحدود دون عوائق. وحصل مشروع القرار، الذي صاغته المملكة المتحدة وسيراليون، على تأييد 14 دولة (يحتاج أي قرار لتبنيه إلى تسعة أصوات) شريطة ألا تستخدم أي من الدولة دائمة العضوية فيتو ضده، وهو ما حدث اليوم مما أفشل المجلس بتبني القرار.

وخلال الجلسة وجه وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، الذي ترأسُ بلاده مجلس الأمن في دورة الشهر الحالي، انتقادات شديدة اللهجة لروسيا بسبب استخدامها حق النقض (الفيتو). وقال لامي "لأكثر من 18 شهراً يعاني المدنيون في السودان عنفاً لا يمكن تخيله، بما في ذلك اختطاف الأطفال والعنف الجنسي ومهاجمة العاملين في المجال الإنساني والكره الإثني وعرقلة دخول المساعدات والهجوم على المدارس والمستشفيات وقوافل المساعدات... هذه المعاناة تشكل وصمة عار على ضميرنا الجماعي".

وأضاف وزير الخارجية البريطاني الذي ترأس الجلسة "استخدام روسيا للفيتو هو عار ويظهر حقيقتها. وعار على الرئيس (الروسي فلاديمير) بوتين لشنه حرباً على أوكرانيا، والعار عليه لاستخدام مرتزقته لزيادة النزاعات في أفريقيا". وتساءل موجهاً حديثه لمندوب روسيا "ممثل روسيا الذي يجلس وينظر إلى هاتفه النقال... كم عدد المدنيين السودانيين الذين يجب أن يقتلوا والنساء اللواتي يغتصبن والأطفال الذين يقتلوا قبل أن يتصرف الاتحاد الروسي". ووصف الفيتو الروسي بـ"القذر".

ويخوض الجيش السوداني قتالاً ضد قوات الدعم السريع منذ منتصف إبريل/نيسان 2023، في صراع دام خلّف حتى اليوم نحو 18 ألفاً و800 قتيل وقرابة عشرة ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة. وتتصاعد دعوات أممية ودولية لإنهاء هذه الحرب، بما يجنب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18.

روسيا: القرار فيه رؤية خاطئة

من جهته وصف نائب المندوب الروسي، ديمتري بوليانسكي، تصريحات الوزير البريطاني بأنها "تظهر وجه الاستعمار الجديد في المملكة المتحدة"، مضيفاً "صوّت الاتحاد الروسي ضد مشروع القرار بشأن السودان، على الرغم من اتفاقنا مع جميع الأعضاء على ضرورة التوصل إلى حل سريع، ونعتقد أن الطريقة الأفضل لتحقيق ذلك هو أن تتوصل الأطراف المتحاربة لاتفاق وقف إطلاق نار ودور المجلس هو مساعدتهم على تحقيق ذلك... ولكن يجب ألا يفرض مجلس الأمن على السلطات السودانية من خلال قرارته ما تريده بعض الدول الأعضاء، وبطريقة استعمارية، حول ما تريد أن تكون عليه صورة الدولة ومستقبلها".

واتهم بوليانسكي بريطانيا بالرغبة "في تسجيل نقاط لدى الجاليات السودانية والناخبين في المملكة المتحدة"، وقال إن الإشكالية في مشروع القرار بالنسبة لبلاده تكمن في "أن فيه رؤية خاطئة حول من يتحمل المسؤولية لحماية المدنيين في السودان والرقابة والسيطرة على الحدود في البلاد، ومن يجب أن يتخذ القرار بشأن نشر قوات في السودان، ومع من يجب التعامل في التصدي للتحديات".

وأضاف "نحن واضحون بأن الحكومة السودانية هي التي يجب أن تلعب هذا الدور، وحصرياً". وادعى المندوب الروسي أن بريطانيا، أثناء التفاوض على القرار "بذلت جهوداً كبيرة لحذف كل إشارة للسلطات الشرعية في السودان، وهذا موقف غير مقبول، خاصة أن ممثلي السودان في المنظمات الدولية، ويشاركون في توزيع المساعدات الإنسانية ويسعى السودانيون للحماية في المناطق الخاصة بالحكومة".

وقال إن بلاده ترفض كذلك "ما ورد في نص القرار حول استخدام آليات المساءلة الخارجية لضمان المساءلة عن الانتهاكات، مثل محكمة العدل الدولية التي أظهرت أنها لا تتحلى بالكفاءة للمساءلة حول ما يحدث في السودان ومناطق أخرى. النظام القضائي الوطني يجب أن يكون من صلاحيات الحكومة السودانية حصرياً". وتطرق إلى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس حول سبل الحماية وآليات المراقبة الذي صدر الشهر الماضي حول السودان، وقال "لقد قال تقريره إنه، ومن أجل نشر قوات دولية في البلاد، فإن الظروف غير مواتية بعد، ونريد الإضافة أنه يجب أن يكون تفاهم بين الدول في المنطقة حول وقف إطلاق النار وكيف يجب وقف إطلاق النار ويجب أن ينبع من القيادة السودانية".

نص مشروع القرار بشأن السودان

ومن أبرز ما جاء في نص المشروع إدانته "الهجوم المستمر الذي تشنه قوات الدعم السريع في الفاشر، ويطالب قوات الدعم السريع بوقف جميع هجماتها ضد المدنيين في دارفور وولاية الجزيرة وولاية سنار وأماكن أخرى في السودان على الفور، ويدعو أطراف النزاع إلى وقف الأعمال العدائية فوراً والانخراط بحسن نية في حوار للاتفاق على خطوات للتهدئة بهدف الوصول إلى اتفاق عاجل لوقف إطلاق النار على الصعيد الوطني".

وطالب المشروع "القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع باحترام وتنفيذ التزاماتها الواردة في إعلان جدة بشأن الالتزام بحماية المدنيين في السودان بالكامل". كما طالب أطراف النزاع بالامتثال مباشرةً لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، وقانون حقوق الإنسان حسب الاقتضاء. ودعا أطراف النزاع كذلك إلى ضمان حماية الأهداف المدنية والامتناع عن استهدافها بما فيها المستشفيات والمرافق الطبية الأخرى والمدارس وأماكن العبادة والمرافق الإنسانية والعاملون في المجال الإنساني والطبي.

كما دعا "الأطراف إلى اتخاذ خطوات عاجلة لوقف العنف الجنسي المرتبط بالصراع ومنعه وضمان عدم استخدامه أداة حرب وتحسين الحماية ووصول الناجين إلى الخدمات". وطلب مشروع القرار من "الأمين العام للأمم المتحدة، وبالتشاور مع مجلس السيادة الانتقالي السوداني وأطراف أخرى في الصراع، والاتحاد الأفريقي، أن يضع مقترحاً لآلية تسهل تنفيذ التزامات إعلان جدة"، على أن يقدم الأمين العام تحديثاً مكتوباً بشأن الخطوات العملية لدعم جهود الوساطة، بما في ذلك وقف الأعمال العدائية محلياً وتدابير خفض التصعيد، وتنفيذ التزامات إعلان جدة وتطوير آلية الامتثال، قبل الإحاطة القادمة حول السودان لمجلس الأمن الدولي بموجب القرار 2715 (2023).

وتضمن المشروع، الذي لم يتم تبنيه، دعوة "أطراف النزاع إلى الدخول في حوار بحسن نية، والاتفاق على هدن إنسانية وترتيبات مستدامة، لضمان المرور الآمن للمدنيين وتسليم المساعدات الإنسانية الكافية، وإصلاح البنية التحتية المدنية والخدمات الأساسية لضمان قدرة المدنيين على الوصول إلى الخدمات الطارئة والأساسية". ونص على الترحيب "بجهود الوساطة التي يبذلها المبعوث الشخصي للأمين العام إلى السودان، رمطان لعمامرة للمساعدة في تعزيز السلام وعملية سياسية شاملة بقيادة وملكية سودانية، تعكس تطلعات الشعب السوداني (...) بالإضافة إلى الاستمرار في التواصل والتنسيق مع الاتحاد الأفريقي وأصحاب المصلحة الرئيسيين الآخرين".

ونص على تشجيع الأمين العام للأمم المتحدة من أجل تكثيف التخطيط بغية تقديم الدعم اللازم والمستدام لأي اتفاق لوقف إطلاق النار بمجرد التوصل له. وهذا يشمل رصداً وتحققاً من أي اتفاق. ويشجعه على مواصلة التشاور، في هذا الصدد، مع الاتحاد الأفريقي وأطراف النزاع. ورحب المشروع بقرار "جميع الأطراف المعنية السماح بالعمليات الجوية الإنسانية في جنوب كردفان وقرار مجلس السيادة الانتقالي السوداني بفتح معابر إضافية وكذلك السماح باستمرار فتح معبر أدري الحدودي بناءً على الاتفاق والتنسيق المسبقين لمجلس السيادة الانتقالي السوداني، ويدعوهم لإبقائها مفتوحة.

كما "كرر دعواته جميع أطراف النزاع للعمل في شراكة وثيقة مع وكالات الأمم المتحدة والأطراف الأخرى الفاعلة في المجال الإنساني، بما في ذلك المنظمات المحلية، لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، وحث على انسحاب المقاتلين لتمكين الأنشطة الزراعية طوال موسم الزراعة لتجنب المزيد من تفاقم انعدام الأمن الغذائي الحاد". وشجع المشروع المجتمع الدولي على تقديم الدعم اللازم فوراً لتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية اللازمة لمنع المزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية وتوفير المزيد من التمويل والدعم للمبادرات المختلفة بما فيها المحلية. وحث على اتخاذ خطوات ملموسة لضمان محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي... وإجراء التحقيقات بطريقة مستقلة وشفافة ونزيهة.

ودعا المشروع "جميع الدول الأعضاء إلى الامتناع عن التدخل الخارجي الذي يؤجج الصراع وعدم الاستقرار، وبدلاً من ذلك دعا إلى دعم جهود الوساطة من أجل تحقيق سلام دائم، وذكّر جميع أطراف الصراع والدول الأعضاء التي تُسهّل نقل الأسلحة والمواد العسكرية إلى دارفور بالتزاماتها بالامتثال لتدابير حظر الأسلحة المنصوص عليها في الفقرتين 7 و8 من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1556 (2004)، وأكد من جديد أن أولئك الذين ينتهكون حظر الأسلحة قد يخضعون لتدابير مستهدفة وفقاً للفقرة 3 (ج) من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1591 (2005)."