ككل عام تقريباً، ومع حلول ذكرى اغتيال الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات "أبو عمار" (11/11/2004)، يعاد فتح ملف اغتياله بشهادات من بعض مقربيه عن كيفية الوصول إليه (بالسم)، كما أدرك هو بنفسه قبل أيام من رحيله. كيف لا، وهو الذي نشأ جيل فلسطيني على وقع قيادته لمسعى التحرر الوطني، وسط ظروف عربية ودولية شديدة التعقيد، تُوّجت في اتجاه رسمي عربي في قمة بيروت (2002)، بتخلٍ عنه محاصراً، وبدء مرحلة ما وصلنا إليه اليوم.
الشارع الفلسطيني، في الداخل والشتات، وبدون تقارير طبية ولجان تحقيق، أدرك مبكراً أهداف المستفيدين من الاغتيال، سواء كان الاحتلال الإسرائيلي، أو من تقاطعت أحلامهم في "الزعامة" مع أوهام "الحل السياسي" الأميركي الفارغ.
صحيح أن الساحة الفلسطينية قدّمت منذ 1965 أسماء قيادية كثيرة، لكنها، وعلى الرغم من القائمة الطويلة من الاغتيالات المتنقلة من فلسطين إلى أوروبا، فإنها لم تواجه ما واجهته منذ استشهاد صاحب شعار "إما الشهادة أو النصر".
عملية التفتيش في 18 سنة عن أحجية تسميم عرفات، بشهادات من كواليس حصاره، تغيّب ما ترتب على الاغتيال وأهدافه، بوقائع يعايشها الفلسطينيون منذ 2004. فلم يتغير شيء في النتائج الصفرية للمراهنات على "الوسطاء" لإنهاء الاحتلال، وحصر أغلب النقاش في خلافة الرئيس محمود عباس والسجال في بديهية الوحدة الوطنية، مع تبدّل "الوسطاء".
وفي كل مرة يُجري فيها الاحتلال انتخابات لتبادل الأدوار والكراسي، تبقى الساحة الفلسطينية بدون جواب عن واجب قيادات ما بعد أبو عمار إزاء حق الشعب الفلسطيني في إجراء انتخاباته المؤجلة. فتبقى المؤسسات، التمثيلية-التشريعية، بما فيها تلك التي هي تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، مغيّبة بمزاجية "التجريب السياسي" وشبه تفرد بالقرار، والبحث عن "المنقذ".
وفي وقت يستغل فيه الاحتلال تبدّل حكوماته (منذ اغتيال إسحاق رابين 1995) للتفلت مما يسمى بـ"حل الدولتين"، تواصل السياسة الرسمية الفلسطينية تمسكها بـ"تفاهمات" و"مراهنات" أثبتت السنوات عقمها وهدرها للجهود، وأقلها عدم الذهاب منذ سنوات طويلة إلى محاولة ترسيخ ما كان يصبو إليه عرفات في تدفيع الاحتلال ثمن احتلاله، ولو على المستوى السياسي، وتطبيق عملي للوحدة الوطنية الكفاحية، وجعل ملايين الفلسطينيين مشاركين ويختارون بأنفسهم من يخدم أهداف التحرر الوطني والاستقلال، لا توزيع المناصب وتوريثها، ولا الدوران في الحلقة المفرغة نفسها منذ 20 عاماً.