قاآني يخفق باحتواء أزمة شبكة التنصت في العراق: التحالفات مهددة

19 سبتمبر 2024
(من اليمين) المالكي والسوداني والخزعلي في بغداد، 3 مايو 2024 (Getty)
+ الخط -

 تستمر التحقيقات القضائية مع المتورطين في فضيحة شبكة التنصت في العراق التي يُتهم الموظف في رئاسة الوزراء العراقية محمد جوحي، بتزعمها، مُخلّفة وراءها أزمة سياسية فاقمت معها أزمة الثقة بين الأحزاب والحكومة من جهة، والحكومة والأجهزة القضائية من جهة ثانية، متسببة باحتدام سياسي وإعلامي وقضائي غير مسبوق تشنه الأحزاب الشريكة في حكم البلاد، ضد حكومة محمد شياع السوداني. وبدت الأزمة مستعصية، مع معلومات جديدة بشأن إخفاق قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني، الذي وصل إلى بغداد، الثلاثاء الماضي، لاحتوائها.

وتواصل "العربي الجديد"، مع ثلاثة مصادر مطلعة على الأزمة، والتي قالت إنّ قاآني لم يصل إلى نتيجة في مقابلاته التي أجراها مع رئيس منظمة بدر هادي العامري، وأمين عام حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، وسياسيين ومسؤولين آخرين، بشأن شبكة التنصت في العراق التي توجه أطراف سياسية اتهامات ارتباط الشبكة برئيس الحكومة، وهو ما لم يثبت حتى الآن.

وبينت المصادر، التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها، أن قاآني طلب التهدئة واحتواء الأزمة، "لكن بعض الأطراف من الإطار التنسيقي امتنعت عن التهدئة، واعتبرت أنّ الشبكة تجاوزت حدود العودة لإجراء توافق سياسي مع الحكومة".

وتجري التحقيقات مع المتورطين، وغالبهم موظفون في دائرة رئاسة الوزراء، وبإشراف قاضي جهاز المخابرات علي حسين جفات، وتوصلت إلى نتائج بعضها مصحوب بأدلة وتسجيلات صوتية من شأنها إدانة شخصيات حكومية، لكنها قد تأخذ وقتاً إضافياً، "كونها تمثل تحدياً كبيراً داخل النظام السياسي وقد تؤدي إلى تغيّر شكل التحالفات السياسية في المستقبل"، وفقاً للمصادر التي تحدث معها "العربي الجديد".

ويرفض زعماء الأحزاب الفاعلة في التحالف الحاكم "الإطار التنسيقي"، الحديث عن تفاصيل دقيقة بشأن التحقيقات ونتائجها، والمستمرة منذ ما يزيد عن شهر، لكنهم باتوا يعرفون أن عملية التنصت لم تكن أمنية فحسب، بل لجمع المعلومات، بضمنها معلومات شخصية وعائلية.

يرفض زعماء الأحزاب الفاعلة في التحالف الحاكم "الإطار التنسيقي" الحديث عن تفاصيل دقيقة بشأن التحقيقات ونتائجها

سياسي عراقي مُطلع على اجتماعات "الإطار التنسيقي"، في بغداد أخيراً، قال لـ"العربي الجديد"، إنّ أحد قادة التحالف البارزين، علم أنّ التنصت شمل أفراداً من عائلته، وآخر وصلت إليه تسجيلات صوتية لمكالمات هاتفية لأفراد أسرته أيضا، وبلغ حالة من العصبية إلى أن يعلن بدء معارضته للسوداني. وكشف لـ"العربي الجديد"، أنّ "زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، تقدّم بشكوى ضد السوداني بوصفه رئيساً للوزراء، يطلب فيها الحق الشخصي وفق القانون العراقي، كون الشبكة كانت تعمل من داخل مكتب رئيس الحكومة، وأنها (شبكة التنصت) وصلت إلى مراحل غير مقبولة اجتماعياً وعشائرياً أيضاً، وقد دوّن المالكي أقواله بالفعل، يوم الأحد الماضي".

ما تقوله التحقيقات عن شبكة التنصت في العراق

مصدر آخر قال إنّ التحقيقات أكدت استغلال المتورطين من الموظفين في المكتب الحكومي إمكانيات جهاز المخابرات العراقي في التنصت على شخصيات كثيرة من خلال مكالماتها الهاتفية، وأن هذه المعلومات كانت تسجل وتذهب إلى مكتب محمد جوحي، دون معرفة الدوافع لتسجيلها مع العلم أن بعضها لم يكن سياسيا، بل كان عن مواضيع متفرقة.

وحتى الآن تم اعتقال نحو 10 أشخاص متهمين بشكل رئيسي في استغلال إمكانيات الدولة للتجسس على مكالمات هاتفية لنواب برلمان وسياسيين وقضاة، دون تخويل قضائي، ولأغراض شخصية. ويخضعون لتحقيقات قضائية تحيطها سرية عالية في بغداد.

وأشار المصدر إلى أن "قاضي جهاز المخابرات علي حسين جفات، أصدر عدداً من مذكرات القبض بحق المتهمين في شبكة التنصت في العراق ممن وردت أسماؤهم على لسان الموقوفين على ذمة التحقيق، وقد جرى تنفيذ مذكرات قبض بحق بعضهم، وخلال الأيام المقبلة سيتم تنفيذ بقية المذكرات". وأكد أنّ "التحقيقات التي تجري بشكل قانوني مع المتهمين، أظهرت معلومات أمنية وسيادية، وأخرى ترتبط بقمع شرائح من المحتجين، والتجاوز على أعضاء في مجلس النواب".

هكذا بدأت قصة شبكة التنصت في العراق

وبدأت قصة شبكة التنصت في العراق بمكتب السوداني بعد توجيه الأخير بتشكيل لجنة تحقيقية بحق أحد الموظفين العاملين في مكتبه، دون الإشارة إلى اسمه، لتبنيه منشوراً مسيئاً لبعض المسؤولين وعدد من أعضاء مجلس النواب، وإصدار أمر سحب يد لحين إكمال التحقيق.

ووفق بيان حكومي، الشهر الماضي، فإنّ السوداني دعا إلى "عدم التهاون مع أي مخالفة للقانون، وهو يدعم كلّ الإجراءات القانونية بهذا الصدد". تبع ذلك، تداول صفحات داعمة للحكومة معلومات تحدّثت عن موظف في مكتب السوداني أطلق عبارات نابية وألفاظاً خادشة ضد بعض الأشخاص، لكن تبيَّن في ما بعد أنه طرف في شبكة "تنصت سياسي".

وكان النائب المستقل مصطفى سند، قد أكد في وقتٍ سابق، أنّ "محكمة تحقيق الكرخ المختصة بقضايا الإرهاب اعتقلت شبكة من القصر الحكومي لمكتب رئيس الوزراء، وعلى رأسهم محمد جوحي وعدد من الضباط والموظفين"، مضيفاً أنّ "الشبكة كانت تمارس أعمالاً غير نظيفة، منها التنصت على هواتف عدد من النواب والسياسيين (وعلى رأسها رقم هاتفي)، وكذلك تقوم الشبكة بتوجيه جيوش إلكترونية وصناعة أخبار مزيفة وانتحال صفات لسياسيين ورجال أعمال ومالكي قنوات".

أعقب ذلك، بيان من الحكومة العراقية حذرت فيه من "الحملات المضللة". وأكدت الحكومة في البيان أنها تتابع "من منطلق التزامها ومسؤولياتها القانونية الحملات المضللة التي تستهدف إعاقة عملها في مختلف المجالات، ومنها ما جرى تناوله من معلومات غير دقيقة تستبطن الغمز، وبعضها تضمن الاتهام المباشر للحكومة تجاه قضايا تخضع الآن لنظر القضاء". وأضافت أن السلطة التنفيذية تنتظر "ما سيصدر عنه (القضاء) بهذا الصدد، مع تأكيد الحكومة المستمر على الالتزام بالقانون واحترام قرارات القضاء".

وفي أول اعتراف سياسي وحزبي، قال عضو في "ائتلاف دولة القانون" الذي يتزعمه نوري المالكي، رسول أبو حسنة، إنّ "شبكة جوحي تنصتت على هواتف المالكي والنائب ياسر صخيل، وأن خيارات الإطار التنسيقي تذهب إلى إجراء انتخابات مبكرة في شهر مايو/أيار المقبل، أو منع شخصيات قد تصل إلى رئيس الوزراء من الترشح بالانتخابات القادمة"، وأنه "حتى الآن يتم التكتم داخل الإطار التنسيقي على الإجراءات القادمة".

المساهمون