مقابل تصعيد حركة "طالبان" عملياتها للسيطرة على المزيد من المناطق الأفغانية مع قرب انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، برز في الفترة الأخيرة انتفاض عدد من القبائل في وجه مسلحي الحركة، في تحرك قوبل بترحيب من الحكومة الأفغانية، بل ودعمها، مقابل اعتبار "طالبان" ذلك مؤامرة أجنبية، وتوعدها من يعمل ضدها. وفيما تختلف القراءات لهذا التحرك، فإن تحذيرات تنطلق من خطورة توزيع السلاح الذي قد يقود إلى ارتفاع وتيرة الحرب الأهلية على غرار ما حصل في تسعينيات القرن الماضي.
وبعدما أعلنت قبائل في أقاليم عدة الوقوف في وجه مسلحي "طالبان"، توعدت الأخيرة هؤلاء، قائلة إنها لن تسمح بتكرار ما حدث في تسعينيات القرن الماضي حين ساد أمراء الحرب البلاد، واندلعت حرب أهلية، وستقوم بقمعهم مرة أخرى كما فعلت في الماضي.
توعدت "طالبان" القبائل وقالت إنها ستقوم بقمعها
وفي مقال نشرته على الموقع الرسمي "د جهاد غك" (صوت الجهاد)، باللغة الفارسية وبعنوان "أمراء الحرب وتكرار التجربة الفاشلة"، تحدثت "طالبان" عن ظاهرة خروج قبائل أفغانية ضدها حاملة السلاح، معتبرة أنّ "التقدم السريع لمسلحي الحركة واستسلام أو انضمام مئات من عناصر الأمن الأفغانية إليها، أثبت أن الشعب الأفغاني لا يقبل الاحتلال ويرفض الموالين له، وأنه لا موطئ قدم لداعمي الاحتلال في هذه البلاد".
كما جاء في جزء من المقال أنه "مع بدء الانسحاب النهائي للقوات الأجنبية، بدأت المديريات الأفغانية تسقط في يد طالبان من دون مقاومة أو مقاومة طفيفة، واستطاعت الحركة أن تسيطر على قرابة 100 مديرية، وهذا يشير إلى أن الحكومة الأفغانية، التي شُكّلت بقوة وأموال الغرب، لا تمثل الشعب، وأنها شُكلت من قبل بعض الوجوه التي لها انتماءات غربية وآخرون هم أمراء الحرب"، وفق المقال. وحول الجيش الأفغاني، أتى في مقال "طالبان" أنه "ليس قوة وطنية تمثل الشعب، بل هو عبارة عن مليشيات شكّلها الأميركيون، والآن هو على وشك الاضمحلال بعد خروج القوات الأجنبية، ومن هنا لجأت الحكومة الأفغانية مرة أخرى إلى أمراء الحرب الفاشلين، الذين رفعوا لواء الحرب ضد طالبان باسم المقاومة الشعبية، لكنهم في حقيقة الأمر يقودون مؤامرة أجنبية من أجل إشعال حرب أهلية في البلاد".
في المقابل، رأت الحكومة الأفغانية أنّ خروج أبناء القبائل إلى جبهات القتال "ليس إلا انتفاضة شعبية في وجه ما تمارسه الحركة من عنف في حق الأفغان". وفي هذا الصدد، قال مستشار الأمن القومي الأفغاني حمد الله محب، في حوار له مع التلفزيون الوطني، يوم السبت الماضي، إن "الشعب الأفغاني كان يظنّ أن الحركة قد تغيّرت كثيراً خلال العقدين الماضيين، ولكنها لم تتغيّر، فعندما سيطرت على بعض المديريات لجأت إلى تفجير مبانيها، وتدمير المحتويات، ما يشير إلى أنّ الهدف تدمير النظام والقضاء عليه، لذا انتفض الشعب، والآن نرى مئات المسلحين في كل جبهات القتال يقفون في وجه طالبان، ومن أجل الدفاع عن النظام الحالي".
آرين: تحرّك الشعب ووقوفه في وجه طالبان، يحصل بتخطيط من الحكومة
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية طارق آرين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "تحرّك الشعب ووقوفه في وجه طالبان، يحصل بتخطيط من الحكومة، التي لديها آلية للمضي قدماً في تحريك الشعب من أجل مواجهة طالبان"، مؤكداً أن "الحركة الشعبية الأخيرة يقودها القادة الجهاديون وزعماء القبائل الذين لهم نفوذ في مناطقهم، وهؤلاء لهم تنسيق مع أجهزة الأمن الأفغانية".
وكان وزير الدفاع الأفغاني، الجنرال بسم الله محمدي (القائد الجهادي السابق وأحد رموز جبهة الشمال التي قاومت طالبان قبل مجيء القوات الأميركية إلى أفغانستان)، قد دعا القبائل إلى التحرك ضد "طالبان"، قائلاً في تصريح له أخيراً، إن "الحكومة الأفغانية مصممة على مساعدة ودعم القبائل من ناحية العتاد والسلاح، لتقف إلى جانب الجيش الأفغاني ضد مسلحي الحركة". فيما أكدت وزارة الدفاع الأفغانية، في بيان لها أخيراً، أنها وزعت السلاح على المسلحين القبليين لمقاومة "طالبان".
ومن أبرز رموز القبائل وقادة الجهاد السابقين الذين نظّموا رجالهم حتى الآن الجنرال عطاء محمد نور، الأمين العام للجمعية الإسلامية وحاكم إقليم بلخ سابقاً، وهو يعد من قادة الجهاد الذين لهم قوة ونفوذ في شمال أفغانستان. وهناك أيضاً أمان الله كذر، وهو من قادة الجهاد السابقين، وله نفوذ في إقليمي كابيسا وبروان في شمال العاصمة كابول، فضلاً عن أحمد مسعود، نجل القائد الجهادي الشهير أحمد شاه مسعود، وحضرت علي، وهو زعيم قبيلة بشاي في شرق البلاد. وكان زعيم القبائل الأزبكية وهو نائب الرئيس الأفغاني سابقاً، الجنرال عبد الرشيد دوستم، قد أعلن الحرب على "طالبان" سابقاً، وهو يتزعم العرقية الأزبكية، ومعروف أنه مدعوم من قبل تركيا وله نفوذ في أقاليم عدة في الشمال.
أما المناطق والأقاليم التي شهدت حتى الآن تحركات للقبائل في وجه المسلحين، و"طالبان" تحديداً، فهي: جوزجان، وننجرهار، ولغمان، وکابیسا، وبروان، وبلخ، وفاریاب، وتخار، وبغلان، وهرات، وزابل، وخوست، وسمنغان، والتي يوجد في بعضها نفوذ لأمراء الحرب ولقادة الجهاد. كما أنه في بعض هذه الأقاليم، مثل خوست في الجنوب وبغلان في الشمال، توحّدت بعض القبائل وأعلنت الحرب على "طالبان".
وانقسمت الأحزاب السياسية في البلاد حيال الخطوة. وكان زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار قد عارض الأمر منذ البداية، وأكد قبل شهرين تقريباً أنّه "في شمال البلاد يتم توزيع السلاح على المسلحين الخارجين عن القانون"، معتبراً ذلك "خطوة خطيرة قد تمهد لاندلاع حرب أهلية بعد خروج القوات الأجنبية من أفغانستان". بدوره، قال أحد قادة الحزب، عضو البرلمان عن إقليم بلخ الشمالي غول رحمن همدرد، نجل القائد الجهادي جمعة خان همدرد، إن "توزيع السلاح خطوة خطيرة، لا سيما أن الحكومة لا تملك أرقام الأسلحة وليست لديها آلية معينة لفعل ذلك"، مؤكداً في تصريح صحافي له أخيراً، أن "دعم القوات المسلحة أمر جيّد، ولكن ليس بهذه الطريقة".
في المقابل، أكد زعيم الجمعية الإسلامية، وزير الخارجية السابق صلاح الدين رباني، خلال لقائه بوزير الدفاع الأفغاني الجنرال بسم الله محمدي، في 26 يونيو/ حزيران الحالي، أن "الجمعية الإسلامية وأنصارها يؤيدون الحركة الشعبية لتثبيت الأمن في أفغانستان"، مطالباً الحكومة بـ"التخطيط والبرمجة للحراك الشعبي ضد المسلحين ودعم قوات الأمن الأفغانية".
وزيري: توزيع السلاح لا بد أن يكون وفق برنامج منظم ومنضبط
من جهة أخرى، هناك من أمسك العصا من الوسط، ومن هؤلاء رئيس مجلس الشيوخ الأفغاني فضل الهادي مسلم يار، الذي قال في بيان له قبل أيام، إنه "يعارض تشكيل مليشيات خارج إطار القانون، أياً كان الهدف من وراء ذلك"، لكنه يدعم ما وصفه بـ"تحرك الشعب وانتفاضته من أجل دعم القوات المسلحة". وشدد على أن "ما حصل من تحريك الشعب للدفاع عن سيادة الدولة في شمال البلاد وجنوبها، أمر مرحب به، شرط ألا يؤدي ذلك إلى تشكيل مليشيات خارجة عن القانون".
وفي تعليق على القضية، قال المتحدث السابق باسم وزارة الدفاع، المحلل الأمني الجنرال دولت وزيري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الحركة الشعبية الأخيرة هي في صالح الحكومة، شرط أن تكون وفق التخطيط ووفق آلية معينة، كي لا تكون لها نتائج سلبية"، مؤكداً أن "توزيع السلاح لا بد أن يكون وفق برنامج منظم ومنضبط، وإلا فإن تلك المليشيات ستقاتل بعضها بعضاً، ما قد يؤدي إلى حرب أهلية على غرار ما حصل في تسعينيات القرن الماضي".
وحول دوافع تحرك أبناء الشعب في بعض المناطق ضد "طالبان"، قال الأكاديمي والباحث السياسي عطاء الحق، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "عدم صول المفاوضات الأفغانية الأفغانية إلى أي نتيجة، علاوة على تعامل الحركة إبان حكومتها مع المواطنين بالشدة والعنف، هي أسباب تدفع الشعب الأفغاني لمنع استيلاء طالبان على الحكم بقوة السلاح، ولكن الجميع يرغبون في إنجاح عملية السلام وأن تكون الحركة جزءاً من العملية السياسية".