تنتظر رئيس البرلمان العراقي الجديد محمود المشهداني، جملة من القوانين المعطّلة جراء الخلافات السياسية من جهة، وضعف الأداء النيابي الذي تأثر بغياب الرئيس السابق لمجلس النواب محمد الحلبوسي، الذي أقيل على خلفية إدانته بـ"التزوير"، من جهة أخرى. وعلى الرغم من الاندفاع الذي تتحدث عنه قوى سياسية تساند المشهداني تكليفه الجديد، إلا أن جميع المؤشرات تدل على صعوبة تمرير القوانين الخلافية الضخمة، وترحيلها إلى الدورة المقبلة، لاعتبارات سياسية وأخرى مرتبطة بالوضع الإقليمي وعدم التفاهم داخل المكونات السياسية إزاء مشاريع بعض القوانين.
المشهداني... رئيس البرلمان العراقي الجديد
وانتُخب المشهداني رئيساً لمجلس النواب العراقي بعد نحو عام من شغور المنصب، وحصد 182 صوتاً مقابل 42 صوتاً لمنافسه سالم العيساوي الذي تنافس معه على رئاسة المجلس. وعقب فوزه، تعهد المشهداني بالعمل كفريق متجانس لتشريع القوانين في البرلمان، من دون ذكر أي القوانين إلحاحاً بالنسبة للشعب العراقي أو المطالبات البرلمانية، لكن أكثر ما يجري الحديث عنه، يتمثل في مشروعين اثنين، وهما العفو العام وتعديل قانون الأحوال الشخصية. وحظي المشهداني بدعمٍ كبير من تحالف "قوى الإطار التنسيقي"، من ناحية تجميع الأصوات الخاصة بانتخابه. لكن وفق مصدر سياسي من داخل "الإطار التنسيقي"، فإن "المشهداني لن يكون منسجماً مع الضغوط التي ستمارس عليه من قادة الإطار في تمرير بعض المشاريع، وتحديداً قانون الأحوال الشخصية، وسيصطدم مع القوى الداعمة له، خلال المرحلة المقبلة بشأن قانون العفو العام، الذي كان أساس الاتفاق بين حزب تقدم الذي يتزعمه محمد الحلبوسي، والمشهداني مقابل القبول به كرئيس مجلس النواب".
معين الكاظمي: نسعى إلى إقرار حزمة من القوانين المعطلة
وأضاف المصدر، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الخلافات ستدبّ في جسد التحالفات المتفقة مع المشهداني، بسبب الخلاف الذي سيظهر قريباً بشأن مشاريع القوانين الموجودة حاليا في البرلمان"، موضحاً أن "المشهداني غير منسجم مع حكومة محمد شياع السوداني، لكنه يحظى بدعمٍ حزبي وسياسي كبير، قد يظهر في صيغة تمرير القوانين التي تطالب بها القوى السياسية، لكن سيستمر إهمال القوانين المعطلة منذ أكثر من عقد". وجاء في أول بيان للمشهداني بعد فوزه بمنصب رئيس البرلمان، أن "حجم أدائنا التشريعي والرقابي في المرحلة القادمة سيزداد بسبب عدد القوانين الموجودة في اللجان النيابية والتي سنمضي لتشريعها، مع أهمية التنسيق مع كافة مؤسسات الدولة لتفعيل تلك القوانين والوقوف على المشاكل والعراقيل التي تحول دون تنفيذها وإيجاد الحلول الناجعة لها... وأنا من خلال مسيرتي البرلمانية وعبر التجربة المكتسبة أدركت أمراً غاية في الأهمية هو أن الاختلاف وليس الخلاف في الآراء ووجهات النظر بين الكتل السياسية أمر مهم، وسيصب عاجلاً أم آجلاً في مصلحة كل مقترحات ومشاريع القوانين التي سينبري مجلس النواب لتشريعها".
ودعمت القوى السياسية الحليفة لإيران المشهداني، وأبرزها "دولة القانون" و"عصائب أهل الحق" بزعامة نوري المالكي وقيس الخزعلي، فضلاً عن حزب "تقدم" عن العرب السنّة، في عملية اقتراع سرية جرت الخميس الماضي، في مبنى وسط بغداد وشاركت فيها القوى العربية السنّية والكردية. وبالتصويت على المشهداني (74 عاماً) لرئاسة البرلمان العراقي تكون قد طُويت أزمة شغور رئاسة البرلمان المتواصلة منذ نحو عام.
في السياق، قال عضو البرلمان العراقي عن "الإطار التنسيقي"، معين الكاظمي، إن "الأحزاب السياسية جميعها أدركت آثار تأخر حسم منصب رئيس البرلمان الذي مر بأزمة استمرت نحو عام"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "محمود المشهداني فاز بالتصويت، وهذا يشرح الارتياح السياسي خلال التصويت، لكن يبقى الأداء هو النتيجة الحتمية للاتفاقات السياسية، وأن أي إخفاق في الأداء البرلماني يعني أن الأحزاب أخطأت في حساباتها وتوقعاتها، ونحن نعرف أن الشعب العراقي ينتظر تشريعات". وأضاف الكاظمي، أن "مشاريع ومسودات القوانين كثيرة في البرلمان، تنتظر النظر والقراءات والتصويت عليها، ولا بد من الإسراع في إقرار القوانين الهامة والعاجلة، وعدم الاستمرار في تعطيل مصالح العراقيين"، مؤكداً أن "المزاج السياسي له دور على سير القوانين بكل تأكيد، وهذا هو العمل السياسي، لكن في كل الأحوال نسعى إلى إقرار حزمة من القوانين المعطلة".
170 قانوناً معطلاً
وسبق أن كشفت اللجنة القانونية في البرلمان العراقي عن وجود 170 قانوناً معطلاً من الدورات البرلمانية السابقة، ويعود هذا التعطيل من ناحية الإقرار أو التعديل لغياب التوافق السياسي بشأن الكثير منها، كقوانين الموازنة، وتعديل رواتب الموظفين، وقانون النفط والغاز، والتجنيد الإلزامي، وجرائم المعلوماتية، وغيرها. ووفقاً لعضو اللجنة القانونية البرلمانية، النائب أوميد أحمد، فإن "اللجان البرلمانية تناقش في الوقت الحالي 170 قانوناً مؤجلاً من الدورات السابقة، وهي عازمة على تمرير تلك القوانين خلال الدورة البرلمانية الحالية"، مبيناً في تصريح لوكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع)، أن "مجلس النواب يحاول تمرير القوانين المهمة التي تمس حياة المواطنين، ومن بينها قانون الخدمة المدنية وقانون العشوائيات، وقانون الرعاية الاجتماعية والقوانين الأخرى".
علاء مصطفى: من أوصل المشهداني إلى رئاسة البرلمان هما نوري المالكي ومحمد الحلبوسي
من جهته، أشار عضو البرلمان هادي السلامي، إلى أن "البرلمان العراقي يتكون من كتل سياسية، بمعنى أن هذه الكتل لديها الإمكانية في السيطرة والتحكم في تمرير القوانين، والذي سيطر على عمله طوال الدورات البرلمانية، وهناك شكل من أشكال الاتفاقات التي تشرح أحياناً، تمرير قانون مقابل تمرير قانون آخر، ويندرج هذا الأمر ضمن الاتفاقات السياسية"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "البرلمان لا بد أن يكون ممثلاً عن الشعب، وليس للأحزاب، بالتالي فإن الفترة المقبلة أمام هذا التحدي، وتمرير القوانين الهامة بالنسبة للعراقيين".
بدوره، رأى أستاذ الإعلام السياسي في جامعة بغداد علاء مصطفى، أن "انتخاب محمود المشهداني فتح المجال لإغلاق مرحلة سياسية كانت سمتُها الأبرز هي عدم التوازن بين الرئاسات، والمقصود هنا أن رئاسة الحكومة كانت تسيطر على المشهد بالكامل، بما فيه دور البرلمان، بالتالي فإن وجود رئيس للبرلمان سيقلل من سيطرة الحكومة على البرلمان". وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "من أوصل المشهداني إلى رئاسة البرلمان هما نوري المالكي ومحمد الحلبوسي، وهما لديهما خلافات مع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، لذلك فإن الدور الرقابي سيكون أكبر في المرحلة المقبلة، وسنشهد استجواب بعض الوزراء، كما أن التعديل الوزاري سيتم من خلال البرلمان وليس الحكومة، لكن بعض التشريعات ومشاريع القوانين قد يتم ترحيلها إلى الدورة المقبلة، لأن البرلمان قد ينشغل في المرحلة المقبلة بإعداد قانون انتخابات جديد".