انتخابات كردستان العراق: معركة كسر عظم بين حزبي البارزاني والطالباني

20 أكتوبر 2024
من الدعاية الانتخابية بأحد شوارع دهوك، 13 أكتوبر 2024 (إسماعيل عدنان/Getty)
+ الخط -

يتوجه قرابة أربعة ملايين ناخب في إقليم كردستان العراق شمالي البلاد، اليوم الأحد، إلى صناديق الاقتراع لانتخاب البرلمان الجديد الذي سينتج منه اختيار رئيس للإقليم خلفاً لنيجيرفان البارزاني ورئيس للحكومة خلفاً لمسرور البارزاني، في انتخابات تسودها حالة ترقب واسعة، إذ ستُجرى للمرة الأولى تحت إشراف بغداد من خلال المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. انتخابات كردستان العراق التي تجرى في نسختها السادسة في الإقليم، الذي تشّكل دستورياً داخل العراق عقب الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، ويضم المحافظات ذات الغالبية الكردية المحاذية لإيران وتركيا (أربيل ودهوك والسليمانية)، سيتمخض عنها اختيار 100 نائب يتولون بدورهم اختيار رئيس جديد للإقليم والحكومة، وذلك وفقاً لمبدأ الأغلبية العددية.

ارتفاع وتيرة التنافس في انتخابات كردستان العراق

ويرفع ذلك من وتيرة التنافس الانتخابي بين مختلف قوى الإقليم السياسية، وخصوصاً الحزبين التقليديين، "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود البارزاني، و"الاتحاد الكردستاني" بزعامة بافل الطالباني، إذ يمتلك الأول قاعدة شعبية واسعة في دهوك وأربيل، بينما يمتلك الثاني شعبية في مدينة السليمانية وضواحيها، بوصفها معاقل تقليدية للحزب.

سلام الجاف: سيحافظ حزب البارزاني على أغلبيته المريحة في البرلمان

ويتنافس 1191 مرشحاً على الظفر بالمقاعد الـ100 في برلمان الإقليم، ويمثلون بالمجمل 136 قائمة انتخابية، بينما يتمتع 3.8 ملايين مواطن في إقليم كردستان العراق بحق التصويت. وسيكون هناك 1400 مركز اقتراع بمختلف أنحاء الإقليم، فيما تتصدر أربيل بكونها الأكثر كثافة سكانياً بواقع مليون وربع المليون ناخب، تليها السليمانية ثم دهوك. ويظهر واضحاً عدد المرشحين من الأقليات الدينية والقومية، المشاركين بالانتخابات بشكل منفرد أو مع الأحزاب الرئيسة، إذ تجاوز عدد المرشحين المسيحيين والتركمان والصابئة عتبة المائة مرشح. وبسبب أنشطة حزب العمال الكردستاني، سيتعين على عشرات آلاف الناخبين العراقيين الأكراد الاقتراع في مناطق نزوحهم، إذ توجد أكثر من 400 قرية خالية السكان غالبيتها حدودية مع تركيا، بسبب المعارك التي تشهدها منذ عامين وأكثر بين مسلحي الحزب التركي المعارض والقوات التركية من الجانب الثاني.

وتتصدر ملفات مرتبات الموظفين المتعثرة والوضع المعيشي حملات الأحزاب ووعودهم، بينما يحضر أيضاً ملفا إيران وتركيا والمشاكل الأمنية المتواصلة من جهة حزب العمال الكردستاني الذي ينشط داخل الإقليم، والجماعات الكردية الإيرانية المعارضة التي تنشط هي الأخرى في مناطق حدودية عراقية بالإقليم.  وينص قانون الانتخابات في كردستان العراق على تسمية رئيس الإقليم الجديد، وتشكيل الحكومة من قبل الكتلة التي تحصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان خلال الانتخابات التي تشرف عليها مفوضية الانتخابات العراقية الاتحادية في بغداد، وتراقبها بعثة الأمم المتحدة.

وبسبب أزمات داخلية عصفت في الإقليم، تقرر تأجيل انتخابات كردستان العراق أكثر من مرة منذ عام 2022، فيما سيدخل الخصمان الرئيسيان، الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني في انتخابات "كسر عظم"، وفقاً لتوصيف المراقب السياسي المختص بشؤون الإقليم، سلام الجاف، متوقعاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن يحافظ الحزب الديمقراطي الكردستاني على تقدمه، بسبب تشتت وخلافات عديدة داخل الحزب الغريم له، والذي لا يبدو بحال جيد داخل حزبه بسبب اتهامات سوء إدارته.

بالمقابل، تبرز حركة الجيل الجديد، بقيادة شاسوار عبد الواحد، التي تقدم نفسها كتيار مدني معارض للحزبين الرئيسين وتُركز على فكرة ولادة طبقة سياسية جديدة، ومحاربة الفساد في إقليم كردستان العراق، إلى جانب حزب التغيير، بزعامة نوشيروان مصطفى، وهو قيادي منشق عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني. كما تظهر جبهة الشعب، بقيادة لاهور شيخ جنكي المُنشق هو الآخر عن "الاتحاد الوطني الكردستاني". كما يحضر الإسلاميون الأكراد، من خلال "الاتحاد الإسلامي الكردستاني" بقيادة صلاح الدين محمد بهاء الدين، وجماعة العدل الكردستاني بقيادة علي بابير، وجبهة الموقف بقيادة البرلماني السابق علي حمة صالح. وتُركز القوى المتنافسة الرئيسة، على ثلاثية تحسين الدخل ومعالجة البطالة، وتوفير الخدمات وأبرزها الصحة والتعليم، في خطابها للجمهور، وهي التفاصيل ذاتها التي رُفعت في انتخابات الإقليم السابقة عام 2018. 

منذ عام 1992 حين خرجت المحافظات الكردية الثلاث عن سيطرة بغداد عقب حرب الخليج الثانية عام 1991، وما تلته من عقوبات مجلس الأمن الدولي على بغداد، يسيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني على المشهد السياسي والتنفيذي بالإقليم، رغم دخول الإقليم بحرب واقتتال دام عدة سنوات بين هذا الحزب وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، كانت بالمجمل صراعاً على النفوذ داخل المناطق الكردية. ووفقاً للدستور العراقي النافذ منذ عام 2005، فإن حكومة إقليم كردستان العراق تمتلك صلاحيات إدارية وتنفيذية واسعة بمعزل عن بغداد، والتي منحها الدستور إدارة الشؤون السيادية للدولة العراقية، وفقاً لنظام الفيدرالية الذي أقره دستور 2005 بعد عامين من الغزو الأميركي للعراق.

الرهان على الشباب والخدمات

ويدير الحزب الديمقراطي الكردستاني، عملياً، حكومة الإقليم منذ عام 2003، لكن ذلك لم يساعد في خضوع السليمانية التي يحكمها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بالكامل لإرادة أربيل أو حكومته التي يقودها حزب البارزاني، وسط استمرار الخلافات السياسية والأمنية، وتعذر اندماج جناحي قوات البيشمركة التابعة للحزبين، رغم جهود أميركية وأوروبية بذلت سابقاً في هذا الإطار.

ويواجه "الاتحاد الوطني الكردستاني" في السليمانية، أزمات داخلية عديدة، أبرزها الانشقاقات لقيادات الحزب ورفقاء والده (جلال الطالباني)، إلى جانب تراجع شعبيته السياسية بين فئات الشباب الطامحين للتغيير بوجوه جديدة. بالمقابل فإن "الديمقراطي الكردستاني" نجح إلى حد كبير في تقديم قيادات شبابية جديدة في صفوف الحزب بعضهم من طبقات كادحة وشعبية في أربيل ودهوك وشقلاوة، مع تجديد واسع في خطابه.

ويراهن حزب البارزاني على التقدم الكبير في مجال البنى التحتية من شق الطرق وإنشاء الجسور والمستشفيات ودور الرعاية التي نفذها مسرور البارزاني، نجل مسعود البارزاني خلال توليه الحكومة الحالية، في كسب أصوات الناخبين بالقرى والمناطق النائية بالإقليم، وتحديداُ تلك القريبة من الحدود مع إيران وتركيا.

نشوان حلبجي: الإقليم بحاجة لقيادات جديدة وغير مُجرّبة

والأسبوع الماضي، هزّت الإقليم، فضيحة تسريب صوتي يظهر بافل الطالباني المُقرب من أحزاب وفصائل شيعية مسلحة في بغداد، يتحدث عن "التنسيق مع بغداد"، بشأن نتائج انتخابات كردستان العراق. وتضمن التسريب الصوتي، والذي نشرته وسائل إعلام كردية في الإقليم، ما يُلمّح إلى نيات للتزوير وكسب الأصوات بشكل غير شرعي، لكن لم تُعلّق عليه لغاية الآن مفوضية الانتخابات التي أكدت في أكثر من مناسبة رصانة إجراءات الانتخابات بما فيها المراقبة داخل محطات الاقتراع. وبالنسبة لبغداد، فإن غالبية القوى السياسية الفاعلة تلتزم الصمت حيال موقفها من الأحزاب الكردية المتنافسة وإمكانية وصول أي منهم لحكم أربيل. وقد يبدو ذلك خياراً مناسباً لها، خصوصاً أن التفاهمات التي نتجت منها تشكيل حكومة محمد شياع السوداني في بغداد، عام 2022، كانت قائمة على فكرة إدارة ملف العلاقة بين بغداد وأربيل، بعيداً عن القوى السياسية الفاعلة.

المحافظة على الأغلبية

تمخضت آخر انتخابات في إقليم كردستان العراق عام 2018، عن فوز الحزب الديمقراطي الكردستاني بأغلبية مريحة، بواقع 45 مقعداً من أصل 111 مقعداً تمثل مجموع مقاعد برلمان الإقليم حينها، بينما حصل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني على 21 مقعداً. وتوزعت المقاعد المتبقية على حركة التغيير التي حصلت على 12 مقعداً، وثمانية مقاعد لحركة الجيل الجديد، وسبعة مقاعد للجماعة الإسلامية، بينما حصل الحزب الشيوعي الكردستاني وكتل أخرى على ما بين مقعد وخمسة مقاعد.

ويقول الخبير بالشأن الكردي العراقي سلام الجاف، لـ"العربي الجديد"، إن الانتخابات الحالية "كسر عظم بين مختلف الأحزاب"، معتبراً أن من يخسر فيها "لن يكون له مستقبل جيد في المشهد السياسي". ويتوقع أن "يحافظ حزب البارزاني على أغلبيته المريحة في الانتخابات، بعد نجاحه في كسب الأقليات لصالحه، وغالبية أصوات المدن الحدودية التي أوصل لها الخدمات، إلى جانب أصوات قوات الأمن التي يبلغ تعدادها أكثر من ربع مليون شخص". ويرى أن "ضعف حزب الطالباني ومجمل خصوم البارزاني، يعتبر عاملا مهما في ترجيح كفته بهذه الانتخابات"، واصفاً الشارع الكردي بأنه "غير مقتنع بتولي الطالباني أو أي من أفراد حزبه حكومة الإقليم، لعدم ثقته بقدرتهم سياسياً". وأوضح أن الحزب "هو أقرب لتشكيل قبلي أو عشائري من كونه حزباً قادراً على ممارسة السياسية وحكم الإقليم معنا"، عازياً نجاح الإقليم أخيراً في بناء علاقات مع دول عربية وخليجية على وجه التحديد إلى  "فهم أربيل لطبيعة ومعادلات المنطقة السياسية".

لكن الناشط في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني نشوان حلبجي، يقول لـ"العربي الجديد"، إن "الإقليم بحاجة إلى قيادات جديدة وغير مُجرّبة"، معتبراً أن حزبه سيشارك "في تحالفات مهمة بعد الانتخابات داخل البرلمان لمنع احتكار الحزب الديمقراطي الكردستاني القرار بمفرده"، في إشارة إلى سيناريو خسارتهم بالانتخابات. ويرى أن ثقل حزبه "ليس بعدد ما سيحصل عليه من مقاعد في هذه الانتخابات".

المساهمون