ترتفع وتيرة التهديدات الإسرائيلية بالتصعيد العسكري في لبنان، إذا لم تنجح التسوية الدبلوماسية الدولية بإبعاد "حزب الله" في جنوب لبنان إلى ما وراء نهر الليطاني، وذلك في إطار شروط وضعها الاحتلال، يستند فيها إلى القرار الأممي 1701، الذي يؤكد الجانب اللبناني الرسمي تطبيقه، شرط التزام إسرائيل بمندرجاته.
وترتكز الشروط الإسرائيلية لوقف إطلاق النار على إبعاد قوات "حزب الله" 6 أميال عن الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، بما يسمح بعودة آلاف المستوطنين إلى المستوطنات التي أخليت بفعل المواجهات الدائرة منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، غداة عملية "طوفان الأقصى"، وذلك في وقتٍ تؤكد أوساط "حزب الله" لـ"العربي الجديد" عدم تبلغها بأي شروط، وأنها بكلّ الأحوال لن تنصاع إليها.
وعلى الرغم من الضغط الفرنسي، كما الأميركي، للتوصل إلى تسوية دبلوماسية في جنوب لبنان شعارها تطبيق القرار 1701 الذي أنهى الأعمال القتالية بين "حزب الله" وإسرائيل عام 2006، غير أن احتمالات الحرب الشاملة تبقى قائمة، على وقع ارتفاع حدّة المواجهات على جبهة جنوب لبنان وعدم نضوج أي حلّ قريب، وهو ما لمحت اليه وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا خلال زيارتها بيروت أمس الاثنين، بإشارتها إلى أن على الجميع تنفيذ القرار 1701، ما يسمح بوقف التصعيد، لكننا بعيدون عن ذلك.
حزب الله: لسنا معنيين بالشروط الإسرائيلية
في الإطار، يقول عضو كتلة "حزب الله" البرلمانية "الوفاء للمقاومة" النائب رامي أبو حمدان، لـ"العربي الجديد"، إن "الإسرائيلي أولاً ليس بموقع إملاء الشروط علينا، ونحن لسنا معنيين بها، ولم يطرحها علينا أحد بشكل جدّي أو رسمي، ولا أجد يجرؤ على ذلك أصلاً".
ويضيف أبو حمدان "ثانياً، إن ما يطرحه الإسرائيلي هو تحت عنوان أمن الاحتلال، وليس حلّاً لمشكلة أو ردّ الحق لأصحابه، لأن لنا حقوقاً، فضلاً عن أننا في سياق معركة تقوم على مساندة أهلنا في غزة، بينما العدو يحاول أن يفصل ويجزّئ الجبهات حتى يستفرد بأهلنا في فلسطين"، معتبراً أن الموضوع يُطرح من بوابة استطلاعات الرأي لدرس ردود الفعل، لكنّ السقف الذي يتحدث به الاحتلال غير منطقي كلياً، إذ يحاول أن يلعب بالساحة اللبنانية، وبفئة لبنانية حاضرة بقوّة و"مثبتة البلد على قدميه" بالاستحقاق الأخير بمواجهة غزة.
ويشدد أبو حمدان على أن "غزة غير مفصولة عن جبهة لبنان، ومشروع الإسرائيلي في لبنان قائم بمنأى عمّا يجري في فلسطين، لكن التوقيت لديه مختلف"، لافتاً إلى أن "المقاومة ليست فقط بسلاحها، بل ببيئتها وأهلها الذين هم نفسهم أهل جنوب لبنان، لذلك فإن طرح العدو لا مكان له على الإطلاق وليس قابلاً للنقاش".
وعمّا يحكى عن نشر قوات أميركية من الجهة الفلسطينية المحتلة، وفرنسية من جهة جنوب لبنان مساندة للجيش اللبناني، يعتبر أبو حمدان ذلك تنفيذاً لما يريده الإسرائيلي فقط، ولا يعود على لبنان بأي فائدة، مشدداً على أننا "متمسّكون بقاعدة الشعب، الجيش، والمقاومة حتى النهاية، والموقف الرسمي اللبناني لا يقرأ إلا هذه المعادلة".
ويردف أبو حمدان "نحن لا نريد من الفرنسي والأميركي، الذي هو شريك بقتل أهلنا في غزة وما يجري في جنوب لبنان، أن يأتي ويتشاطر ويملي علينا ما هو في مصلحة لبنان، نحن أدرى بمصلحة لبنان، أما الدبلوماسية الكاذبة التي تتعاطى بمعايير مزدوجة فلا مكان لدينا للنقاش بها".
في المقابل، يشدد على أن "هذا لا يعني أننا لسنا مهتمّين بتحصيل حقوقنا واستعادة الأراضي المحتلة، فضلاً عن رفع الضيم عن أهلنا في فلسطين، إذ إننا متمسّكون بذلك، ونفتح المجال لأي نقاش موضوعي حقيقي لا يلغي عنصر القوة الذي نحن فيه".
خبراء عسكريون: إسرائيل تتجاهل انتهاكاتها واعتداءاتها على لبنان
من جهته، يقول العميد المتقاعد الدكتور عادل مشموشي لـ"العربي الجديد"، إنّ "إسرائيل تسعى اليوم لوقف الأعمال القتالية على ما تسمّيه الجبهة الشمالية، لتتفرغ إلى حرب الإبادة والتهجير القسري في غزة، وهي تفصل هذه الأحداث عمّا يحصل في القطاع، بينما تعتبر المقاومة أن جبهة جنوب لبنان مترابطة ارتباطاً وثيقاً بالحرب الإسرائيلية على القطاع، وتهدف إلى إشغال أكبر قدر من قوات العدو على هذه الجبهة".
تبعاً لذلك، يشير مشموشي إلى أن "إسرائيل تتناسى أن توتر جبهتها مع لبنان، جاء كردة فعل على حربها الشعواء على غزة، وبالتالي، فإنّ وقف هذه الحرب يؤدي حتماً إلى وقف النشاط القتالي على جبهة جنوب لبنان".
ويلفت العميد المتقاعد إلى أن إسرائيل يهمّها إبعاد هواجس القتال من الجبهة الشمالية، وبالتالي حماية المستوطنين، لذلك تطالب بإخلاء "حزب الله" للمنطقة الممتدة ما بين الحدود اللبنانية الفلسطينية إلى ما بعد نهر الليطاني، وتشترط سحب قوات الرضوان (قوات النخبة في حزب الله) إلى ما بعد مجرى نهر الليطاني "الحاصباني"، وتشترط كذلك عدم ترميم الحزب للمراكز التي تدعي إسرائيل أنها دمّرتها.
ويشير مشموشي إلى أن هذه المقاربة تعتمدها إسرائيل للقول إنه بالإمكان تلافي الحرب على لبنان، في وقتٍ تتجاهل هي انتهاكاتها شبه اليومية للأجواء اللبنانية، والتي تعتمدها منطلقاً لتنفيذ اعتداءاتها على سورية، بغض النظر عن الجهات التي تستهدفها، كما تتجاهل استهدافها للمدنيين وفي طليعتهم الصحافيون، لإخفاء معالم ما ترتكبه من جرائم حرب، كما استهدافها للأماكن السكنية وهدم المنازل المأهولة على سكانها لإرهاب السكان، ودفعهم لإخلاء قراهم في الجنوب.
ويرى مشموشي أنه "يجب أن تكون في صدارة المطالب اللبنانية، المطالبة بوقف مختلف أشكال الانتهاكات الإسرائيلية جوّاً وبحراً وبرّاً". ويضيف "في حال إصرار إسرائيل على تراجع مقاتلي "حزب الله" إلى مسافة ما، يجب أن يقابل ذلك بتراجع لجيش الاحتلال بالقدر ذاته، كما الالتزام خلال الأعمال القتالية بعدم استهداف الأماكن السكنية، ولا المدنيين، وحصرها بين القوى المقاتلة، كما التأكيد على أحقية لبنان في الدفاع عمّا تبقى من أراضيه المحتلة لحين انسحاب إسرائيل منها إلى الحدود اللبنانية الفلسطينية، وفق وثائق الأمم المتحدة".
بدوره، يقول رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد المتقاعد هشام جابر، لـ"العربي الجديد"، إن حزب الله لن ينصاع للشروط الإسرائيلية ولبنان لن يقبل بها.
ويلفت جابر إلى أن الإسرائيلي يريد منطقة عازلة في جنوب الليطاني، وقد حملت وزيرة الخارجية الفرنسية رسالة مفادها إمّا الحرب أو القبول بالشروط الإسرائيلية، مشدداً على أن لبنان يجب ألا يقبل بها إطلاقاً.
ويشير جابر إلى أن لبنان مع تطبيق القرار الأممي 1701، شرط التزام إسرائيل به، باعتبارها الجهة التي تقوم بخرقه منذ عام 2006، إضافة إلى معالجة النقاط الـ13 الخلافية على الحدود، وانسحاب إسرائيل من شمال الغجر، مع إقامة برنامج زمني للانسحاب من مزارع شبعا، قائلاً: "عندها يمكن أن يقبل حزب الله بالتراجع أميالاً عن الحدود، مقابل ضمانات دولية بألا تخرق إسرائيل القرار".
من ناحية ثانية، يعتبر جابر أن خطر الحرب لا يزال قائماً على مستوى لبنان، إذ إن إسرائيل تحاول أن تستدرج حزب الله إلى مواجهة واسعة، يكون هو البادئ بها، لكن الحزب حتى الساعة لا يزال يضبط نفسه وأعصابه، ولن يقع في هذا الفخ، لأن هناك مسؤولية كبيرة ستترتب عليه عندها، إقليمياً ودولياً، وتجاه الشعب اللبناني، باعتبار أن المواجه ليس كالمدافع، مشيراً إلى أن الخطر يبقى، في حال لم تنجح إسرائيل باستدراج الحزب، أن تبدأ هي الحرب، وتورّط أميركا بالحرب الواسعة، علماً أن أميركا وإيران، وهما اللاعبان الأكبر في لبنان، ليسا مع الحرب، لكن الإسرائيلي أظهر في غزة أنه يتصرّف لوحده، ويورّط الآخرين.