تابع المعارضون لقيس سعيّد، السبت الماضي، بكل أسف، انسحاب عدد من أحزاب المعارضة من المسيرة الاحتجاجية المبرمجة في شارع بورقيبة بالعاصمة تونس بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
وكان يفترض أن تقوم أحزاب الجمهوري والتيار الديمقراطي والتكتل والعمّال والقطب بمسيرة احتجاجية مستقلة عن مظاهرة "جبهة الخلاص الوطني"، وإنما في الشارع نفسه، وهو ما اعتبر خطوة أولى نحو التقارب، إلا أن هذه الأحزاب أعلنت الجمعة تأجيل هذا التحرك من دون توضيح الأسباب.
والخلاف بين الطرفين معروف، إذ ترفض الأحزاب الخمسة أي تقارب مع حركة النهضة، إلى أن تقوم الأخيرة بمراجعات حقيقية لأخطائها، بحسب ما قاله الأمين العام للتيار الديمقراطي، غازي الشواشي لـ"العربي الجديد". ورد عليه المتحدث باسم "النهضة"، عماد الخميري، بأن الجميع مدعو للمراجعة وتقييم الأخطاء وليس "النهضة" وحدها، وهي مستعدة فعلاً لذلك.
الواضح أن المعارضة تفشل إلى غاية الآن في تجاوز الحد الأدنى من خلافاتها، ولا تقوى على ذلك وكأنها مكبّلة بسلاسل الأيديولوجيا وحسابات سياسية خاطئة تماماً وأوهام تموقع ما بعد قيس سعيّد. في حين أن الأخير يلتهم كل يوم مزيداً من الأرض، ويتقدم في مشروعه دون أن يتأثر، في الظاهر على الأقل، بصراخ المعارضة.
والأكيد أن هناك خللاً واضحاً في ترتيب الأولويات لدى المعارضة، ويُطرح السؤال بقوة: هل إن الأولوية هي إسقاط الانقلاب أم إسقاط حركة النهضة؟ السؤال الثاني، هل تستطيع هذه الأحزاب بمفردها اليوم أن تقاوم الانقلاب؟ ألا يمكن أن يلتقي الجميع اليوم على قاعدة برنامج مشترك للمقاومة، من دون أن يعني ذلك تحالفاً سياسياً، ثم تتم بعد ذلك العودة إلى التنازع السياسي؟
الحقيقة أن الأحزاب الخمسة المذكورة على أهميتها السياسية وتاريخها النضالي الكبير وتاريخ قياداتها، لا شعبية كبيرة لها في المشهد اليوم. بل إن كل المعارضة، بمن فيها "جبهة الخلاص" وكل أحزابها، لا تأثير كبيراً لها اليوم في الساحة رغم كل الجهد الذي تبذله في الشوارع، والذي سيؤتي أُكله حتماً.
فعلى من تعوّل هذه المعارضة في الواقع؟ وما هي هذه الحسابات التي ستمّكن لوحدها من إسقاط قيس سعيّد ثم تفتيت جبهة الخلاص وبعد ذلك إضعاف النهضة، ثم ليخلو لها المشهد وتتموقع فيه لوحدها؟
على المعارضة أن تعي أن استعادة الديمقراطية هي أولوية الأولويات وألا تحيد عن هذا الهدف، ويمكنها أن تقوى على خلافاتها برغم الجراحات، وبعدها لكل حادث حديث. أما هذا الإقصاء المسبق، فلن تكون نتيجته إلا الخراب للجميع.