أرجئت جلسة مجلس الوزراء اللبناني، التي كانت مقرّرة بعد ظهر اليوم الأربعاء لمناقشة ملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت تمهيداً للتوصل إلى مخرج قانوني في قضية المحقق العدلي القاضي طارق البيطار يجنِّب سيناريو إسقاط الحكومة والتصعيد السياسي الذي يلوِّح به وزراء "حزب الله" و"حركة أمل" و"تيار المردة".
وعلم "العربي الجديد" أن "الاتصالات بين القوى السياسية وعلى خطَّيْ رئيسي الجمهورية ميشال عون ونجيب ميقاتي لم تتوقف منذ انتهاء جلسة مجلس الوزراء أمس الثلاثاء في قصر بعبدا وتهديد وزراء "حزب الله" وحركة أمل وتيار المردة بتعليق مشاركتهم في الحكومة إذا لم يُصر إلى استبدال القاضي البيطار، وهو ما وسّع الهوّة بينهم وبين رئيس الجمهورية ودفع إلى تكليف وزير العدل هنري خوري البحث عن صيغة قانونية ترضي الأطراف وتراعي الأصول الدستورية باعتبار أن مجلس الوزراء لا يمكنه أن يتدخل بعمل المحقق العدلي".
وتبعاً للمعلومات فإنّ "ميقاتي أقرب إلى صفّ وزراء حزب الله وحركة أمل وتيار المردة، وقد بعث أكثر من رسالة غير مباشرة لتصويب التحقيقات والإجراءات لتكون أكثر توازناً، واتهم القاضي البيطار بسلك مسارات ومواقف شعبوية، وهو يقف إلى جانب دار الفتوى التي كانت أبدت انزعاجها من الادعاء على رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب، لكنه في المقابل لا يريد تشويه صورة حكومته التي أتت بعناوين إصلاحية ويتمسك ببقائها أو الظهور بموقف المتدخل بعمل القضاء".
حذر أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت في بيان اليوم من "مغبّة التفكير باستبدال القاضي أو ترهيبه مهما زاد منسوب التهديد"
واكتفى مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية بالإعلان أنه "بعد التشاور بين الرئيس عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي تقرّر تأجيل جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقرّرة بعد ظهر الأربعاء"، في حين قالت وسائل إعلام مقرّبة من ميقاتي ضمنها موقع "ليبانون 24" المحسوب عليه إنه "تم ارجاء جلسة مجلس الوزراء لموعدٍ يحدد لاحقاً بناءً لطلب ميقاتي ولمزيدٍ من التشاور إلى حين الاتفاق على صيغة قانونية بشأن المحقق العدلي".
وارتفع سعر صرف الدولار في السوق السوداء اليوم الأربعاء متجاوزاً العشرين ألف ليرة على وقع تهديدات وزراء الأحزاب السياسية التي ينتمي إليها المدعى عليهم في قضية انفجار مرفأ بيروت والذين فتحت لهم المنابر الإعلامية منذ الأمس بالتصعيد السياسي و"حراك الشارع"، فضلا عن تلويح أوساط مقرّبة من المدعى عليهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسيناريوهات منها يتخطى "تطيير الحكومة" إلى عودة الاغتيالات، علماً أن "حزب الله" الذي يحمل أمينه العام حسن نصر الله راية الحرب لم يدّع القاضي البيطار بعد على أي وزير محسوب عليه مباشرة وليس على حلفائه، لكنه بدأ يعتمد خطاباً استباقياً بأنه سيكون أول المتهمين بالانفجار وينطلق منه للادعاء بأنه مستهدف سياسياً كما حصل إبان اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.
ويقابل الانقسام السياسي الداخلي انقسام طائفي تعوّل عليه المنظومة التقليدية لتعزيز نظرية الفتنة المذهبية واشتعال الشارع اللبناني، إذ يدعو البطريرك الماروني بشارة الراعي باستمرار لعدم التدخل في عمل القضاء ويعبّر عن استيائه من ترهيب القاضي البيطار، فلحقت به سهام الانتقادات من كلمة نصر الله المسائية الممزوجة برسائل إلى أكثر من جهة من ضمنها بكركي، في حين أن مواقف دار الفتوى والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى واضحة ضدّ القاضي البيطار.
وحذر أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت في بيان اليوم من "مغبّة التفكير باستبدال القاضي أو ترهيبه مهما زاد منسوب التهديد"، داعين السلطة السياسية إلى كف أيديها عن القضاء، كما طالبوا مجلس الوزراء باحترام مبدأ فصل السلطات.
وتبعاً للقانون الذي يجاهر المدعى عليهم واحزابهم بالتمسّك به وبمبادئه، يقول المحامي هيثم عزو، لـ"العربي الجديد": "في الأصل القاضي سيّد ملفه.. ولكن القانون وضع طرقاً قانونية لنزع الملف من تحت يد القاضي في حال ظهور ملامح من إجراءاته يرجّح معها عدم الحكم من دون ميلٍ أو تبرِّر الارتياب المشروع بحياديته في القضية".
ويشرح "أهم هذه الطرق طلب ردّ القاضي وطلب نقل الدعوى للارتياب المشروع منه لقاضٍ آخر"، مشدداً على أنه "لا يحق للسلطة التنفيذية التدخل في عمل السلطة القضائية والتأثير على مناعتها حتى ولو كان هناك خلل في مسار العدالة بقضية موضع نظر أمام القضاء، فلا يقتضي معالجة هذا الخلل بالأطر السياسية وإنما فقط بالأطر القانونية".
ويفيد المحامي عزو في هذا السياق بأن "هناك آلية يمكن من خلالها ملاحقة القاضي في حال ثبوت عدم نزاهته أو مشروعية إجراءاته وهي اللجوء إلى التفتيش القضائي وتقديم شكوى مسلكية ضده، وهذه الشكوى قد تكون من تداعياتها إحالة القاضي على المجلس التأديبي الخاص بالقضاة والذي يلفظ أحكاماً عديدة قد تصل إلى حدّ عزل القاضي نهائياً من السلطة القضائية".
ويضيف عزو "لا يمكن بالتالي كف يد المحقق العدلي إلا إذا قبل طلب رده أو نقل الدعوى أو تنحّى من تلقاء نفسه لأن المحقق العدلي قد عيِّن في القضية بقرارٍ من وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى على ذلك، ولا يمكن حجب اختصاصه عن رؤية القضية بقرار من الحكومة التي لا شأن لها في هذا الموضوع وخاصة أن القانون حدّد آليات نزع القضية من يد أي قاضٍ وليس من بينها إمكانية ذلك بقرارٍ حكوميٍّ".