يضرب البرلمان اللبناني يوم غدٍ الخميس موعداً جديداً مع جلسات انتخاب رئيسٍ للبلاد، وسط توقعات بأن تخرج بالنتيجة نفسها لناحية تمديد الشغور، لكن بسيناريو مختلف يحتوي على رسائل سياسية ستوجّه بالدرجة الأولى من "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل لحليفه "حزب الله"، ردّاً على ما يعتبره "طعنة وزارية" تلقّاها من الحليف، التي من شأنها أن تشكل ضربة مؤثرة لتفاهم الثنائي المتصدّع منذ فترة.
ويدرس "التيار" تسمية مرشح رئاسي ليخرج من عباءة الورقة البيضاء التي يرتديها إلى جانب "حزب الله" والفريق السياسي الحليف، في ردِّ فعلٍ على مشاركة وزراء "حزب الله" في الجلسة الوزارية، يوم الاثنين، ورفضهم ملاقاة الرئيس السابق ميشال عون وباسيل في ندائهما المقاطعة، لا بل وضع الحزب ثقله لتأمين نصاب الثلثين (ما يزيد على 16 وزيراً من أصل 24)، فكان الخرق من جانب وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال جورج بوشكيان، الذي فُصِل من كتلة "النواب الأرمن" بعد خروجه عن القرار الحزبي.
ويرفض "التيار" إعلان اسم المرشح الذي يسير به يوم غد الخميس، باعتبار أن القرار لم يتخذ بعد، وأن هناك قائمة بالشخصيات قيد الدراسة، لكن أوساطه السياسية تلوّح بأن من بين السيناريوهات، تسمية بعض نواب كتلتهما البرلمانية لمرشح الأحزاب المعارضة النائب ميشال معوض، كرسالة لحزب الله الذي يصنّفه بمرشح التحدّي، ومحاولة تأمين نصاب الدورة الثانية، لكن من دون إتمام الانتخاب.
وكان أحد نواب التكتل، إلياس بو صعب، قد تفرّد سابقاً بترشيح وزير الداخلية الأسبق زياد بارود، الذي تردّد أنه بين الأسماء التي قد يدعمها التيار، بيد أنّ من المستبعد السير به في جلسة الغد بشكل جامع ورسميّ.
باسيل يشنّ هجوماً على حزب الله
وأطلق باسيل، أمس الثلاثاء، سلسلة مواقف اعتُبرت الأعنف تجاه حليفه الأساسي "حزب الله" والتفاهم القائم بينهما منذ عام 2006، وقد أتى على وقع ارتفاع أصوات مناصري "التيار" المنادية بفكّ الارتباط، لعدم جدوى استمراريته بعد تصرّف الحزب الذي وضعوه في خانة "الغدر"، عدا عن تفضيله ترشيح سليمان فرنجية، رئيس "تيار المردة" للرئاسة، وتمسّكه به رغم الرفض العوني، كما وغياب التلاقي في الكثير من الاستحقاقات.
وقال باسيل، أمس الثلاثاء، إنه "لا شرعية لأي سلطة تناقض العيش المشترك، ولا قيمة ولا قيامة لأي تفاهم وطني يناقض الشراكة الوطنية".
وإذ ذكّر باسيل حليفه بمحطات كثيرة وقف فيها إلى جانبه، اتهمه و"حركة أمل" (يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري) بتعطيل جلسات مجلس الوزراء في أكثر من مناسبة، منها ربطاً بملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت، كما تعطيل اليوم جلسات انتخاب رئيس للجمهورية، غامزاً من قناة ضغوطات تُمارس عليه للسير بفرنجية.
ومن مواقف رئيس "التيار" التي صرح بها، أمس الثلاثاء، أن الشراكة عندما تنكسر تصبح عرجاء، مشيراً إلى أنه "إذا كان أحد يظن أنه يضغط علينا في الموضوع الرئاسي، نقول له إنه لن يجدي ذلك، وهذا الأمر يؤدي إلى تصلب أكثر". في حين وجه رسالة مبطنة بأن وجوده أساسي، ومن المعادلات الأساسية في البلاد، كما هو السلاح بالنسبة إلى حزب الله.
وقال إنه قد "حصل اتفاق مسبق على جلسة الاثنين، ولو لم يحصل ذلك، لما تجرأ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على الدعوة"، مشيراً إلى أن "مشكلتنا ليست معه، بل مع مشغليه"، قاصداً بذلك الثنائي، حزب الله وحركة أمل بالدرجة الأولى.
ولفت باسيل إلى أن "مشكلتنا مع الصادقين الذين نكثوا بالاتفاق والوعد والضمانة، وهذه ليست المرة الأولى، أقله في الفترة الأخيرة، من انتخاب المنتشرين والانتخابات بحد ذاتها إلى الحكومة"، مضيفاً: "مش ماشي الحال أبداً، ويجب البدء جدياً باللامركزية الموسعة".
وعلى وقع كلام باسيل، بدأ نواب التيار يرفعون من منسوب هجومهم على "حزب الله"، ويكشفون في تصريحاتهم أن الثنائي حزب الله وحركة أمل يرفض النقاش إلا باسم فرنجية حتى الساعة، وهو ما صدر على لسان نائب التيار أسعد درغام، علماً أن حزب الله، بعكس حركة أمل، لا يجاهر علناً بموقفه بدعم فرنجية.
تكتل باسيل سيسمي مرشحاً للرئاسة
ويؤكد درغام لـ"العربي الجديد"، أن تكتل التيار سيشارك في جلسة غد الخميس، وهو يتمسّك بموقفه لناحية أن مجلس النواب لا ينعقد إلّا لغاية انتخاب الرئيس وتشريع الضرورة، مشيراً إلى أن الاتجاه غداً لتسمية مرشح رئاسي، إذ لا يمكننا الاستمرار في التصويت بورقة بيضاء.
من جانبه، فضّل عضو كتلة "حزب الله" البرلمانية، النائب حسين جشي، عدم التعليق على كلام باسيل، لكنه لا يرى أن كل ما قاله موجّه للحزب، مستبعداً حصول أي مفاجآت في جلسة الخميس، "فالجو في البلاد لا يزال هو نفسه، والتفاهم حول رئيس للجمهورية غائب"، مؤكداً أن الاتجاه حتى الساعة للسير بالورقة البيضاء.
وعمّا يتردّد عن خروج تيار باسيل من نادي المصوتين بالورقة البيضاء، قال جشي إن "القرار قراره، صحيح هناك تحالف، لكن ذلك لا يلغي خصوصيات كل فريق، فنحن لسنا طرفاً واحداً"، مشيراً في سياق العلاقة بين الطرفين إلى أنه لا يرى مؤشرات يمكن الوقوف عندها للقول إنها تخرب التفاهم، لافتاً إلى أنه بحسب معلوماته، التواصل قائم ودائم بين الحزب والتيار.
كذلك، أشار جشي إلى أن حزب الله لا يفرض أي مرشح، أو يمارس ضغوطاً في هذا السياق، بل يعمل بالنقاش والحوار، معتبراً أن مشاركة وزراء حزب الله في جلسة الاثنين أتت من بوابة إرادة نابعة من قناعاتنا بأن هناك بنوداً كانت تستوجب قراراً حكومياً لأهميتها وضرورتها، لكونها تتصل بمشاكل الناس، فكما هناك تشريع الضرورة، هناك اجتماع الضرورة.
ووضع جشي الحديث عن ترشيح حزب الله لفرنجية بخانة التسريب الإعلامي، "فنحن لم نعلن ذلك، وحرصاء على التفاهم، ولن نطرح أي اسم من بوابة الاستفزاز أو من منبع أن نخلق اصطفافات في البلاد على غرار من يرشح معوض، من هنا التزامنا الورقة البيضاء".
مواجهة باسيل مع حزب الله شكلية
بدوره، يرى الكاتب السياسي علي الأمين، أن "العلاقة بين التيار وحزب الله وثيقة ووجودية بالنسبة إلى باسيل، لا يمكنه الخروج منها، والمتحكم بها حزب الله، الذي من الطبيعي أن يتيح هامشاً لباسيل ليعبّر عنه ويظهره بأنه لديه كتلة نيابية وازنة (رغم أن للحزب الدور الأساسي بتعزيزها وحجمها القائم)، وطامحٌ إلى أن يكون بموقع رئيس الجمهورية، أو أقله صاحب القرار الأساسي بتسمية الرئيس".
وبتقدير الأمين، فإن باسيل لم يتجاوز الخطوط الحمراء، ولم يُظهر سواء هو أو تكتله النيابي في أي وقتٍ على صعيد المسار السياسي أي نوع من الاستعداد أو الجرأة، ليتخذ موقفاً بإنهاء التفاهم، إذ إنه بالأساس لن يستطيع التحكم بكتلته، و"ستنفرط" في حال حصول ذلك، لذلك لا مصلحة لديه بالذهاب بعيداً، وهو يعلم حدود التصعيد، ولن يتخطاها.
ويستبعد الأمين تسجيل أي مفاجآت قد تقلب الموازين غداً، معتبراً أن أي خطوة من باسيل، بما فيها السير بمعوض قد تقتصر على جلسة الغد، وتبقى في إطار المواجهة الشكلية مع حزب الله، الهدف الأساسي منها، إحداث عصبية مسيحية سياسية بشكل تبقيه متمسكاً بكتلته، وبالتالي، قد يمارس باسيل ألاعيب سياسية، تظهر كأنها لمواجهة حزب الله، بيد أن غايتها ترسيخ وضعيته كطامح ليكون زعيماً مسيحياً فاعلاً ومؤثراً وقادراً على أن يرث عون، ويكون مقنعاً لجمهوره ونواب تكتله.
كذلك، يرى الكاتب السياسي اللبناني أن حزب الله يبحث عن صفقة رئاسية مع الخارج، ويريد رئيساً قادراً على حمل حزب الله على أكتافه، وباسيل ليس الشخص صاحب هذه المواصفات، وكذلك ربما فرنجية، من هنا لا يعلن دعمه، وقد لا يكون مصراً عليه، ويفضل رئيساً في الشكل بعيداً منه وفي الجوهر والعمق تتوافر فيه المواصفات التي يريدها، ويكون موقّعاً معه دفتر شروط ضمنياً.
وفي معرض تعليقه على عدم ملاقاة حزب الله للتيار في المقاطعة الوزارية، يعتبر الأمين أن المرحلة والمتطلبات اختلفت، فحزب الله يريد رئيساً يحمله على أكتافه لا العكس، فالحزب استنفد تجربة عون، وباسيل بمثابة امتداد له، وانتهت هذه التجربة، من هنا لم يخض معه هذه المعركة.
تجدر الإشارة إلى أن أكثرية الأحزاب "المسيحية" التي رفضت انعقاد مجلس الوزراء بظل هيئة الحكومة الراهنة كتصريف أعمال، وعدم وجود رئيس للجمهورية، أبدت تخوفها من الدعوة إلى مزيدٍ من الجلسات بما يضرب صلاحيات الرئاسة الاولى، ويرسي مفهوم الفراغ الرئاسي.
وعجز البرلمان اللبناني في جلسة الخميس الماضي، وهي الثامنة له، عن انتخاب خلف للرئيس ميشال عون، الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقد صوّت حزب الله وحلفاؤه بالورقة البيضاء، وقد حازت 52 صوتاً من أصل 111 مقترعاً، فيما حاز معوض مرشح الأحزاب المعارضة وبعض نواب تكتل التغييريين ومستقلّين، 37 صوتاً، ليصار بعدها إلى تطيير نصاب الدورة الثانية.