أعلن رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، اليوم الثلاثاء، أن دعوته إلى الحوار التي وجّهها إلى القوى السياسية، لفتح باب الحلّ الرئاسي، باتت غير موجودة، في ظلّ رفض المعارضين لحلفه السياسي تلبيتها.
وبالتزامن مع تصريح بري، دعا الموفد الرئاسي الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان، في حديثه مع وكالة "فرانس برس"، المسؤولين اللبنانيين إلى إيجاد خيار ثالث لحلّ أزمة الرئاسة، مشيراً إلى الدول الخمس المعنية بملف لبنان (أي قطر والسعودية وفرنسا ومصر والولايات المتحدة الأميركية)، ومتسائلاً عن جدوى مواصلة دعمها المالي.
وتأتي تصريحات المسؤولين بينما تقترب الأزمة الرئاسية في لبنان من عامها الأول، وسط غياب أي مؤشرات جدية للحلّ، رغم المساعي الخارجية التي تُبذل، والتي عجزت عن إحداث خرق للجمود على وقع الصراع السياسي الحادّ في البلاد، كان آخرها مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي، التي أصبحت آيلة إلى السقوط.
ولم تنل ملاقاة لودريان لدعوة بري الحوارية قبول الأطراف السياسية المعارضة في لبنان، رغم أنه حاول الابتعاد عن التسمية، والتركيز على أساس التشاور بين الفرق السياسية بشتى أشكاله لتقريب وجهات النظر، وحلّ الأزمة الرئاسية.
واستنتج المعارضون من لقائهم الأخير مع الموفد الرئاسي الفرنسي، خلال جولته في بيروت قبل نحو أسبوعين، أنه أصبح على قناعة بأن البحث عن مرشح ثالث بات مطلوباً، أي التوافق على اسم غير رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، المدعوم من "حزب الله" وفريقه السياسي، ووزير المال السابق جهاد أزعور، المدعوم من القوى المعارضة، علماً أن الاسم الأكثر تداولاً في هذه الفترة، عند الحديث عن مرشح ثالث، هو قائد الجيش العماد جوزاف عون.
ويلقى عون تأييداً لافتاً خارجياً، كما أنه مقبول من أطراف لبنانية، منها معارضة، بيد أنه غير قادر حتى اللحظة على تأمين توافق غالبية القوى السياسية، الذي يمنحه 86 صوتاً في البرلمان، لفوزه في الرئاسة، في ظلّ معارضة له من جانب رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، واستمرار حزب الله وبري برفضهما التخلّي عن فرنجية، وتذرعهما بعدم إمكانية انتخاب قائد الجيش، باعتبار أن ذلك يحتاج إلى تعديل دستوري، وهو أمر غير وارد.
وقال بري في حديث لصحيفة "الجمهورية" المحلية، اليوم الثلاثاء: "لقد أديتُ قسطي للعُلى، وطرحت مبادرة الحوار، ورفضوها، ولم يعد لديّ شيء، وليتفضّل من رفضوها أن يقدّموا لنا بديلاً عنها، فهل يملكونه؟".
وأشار بري إلى أن هذه المبادرة كانت تشكل الفرصة الثمينة لتجاوز الأزمة، لا بل كانت تشكل المعبر الأسهل لانتخاب رئيس للجمهورية، قائلاً إنهّ "من خلالها فتح باب الحل الرئاسي، وحدّد طريق الخلاص فأقفلوه، معرباً عن خشيته من أن هناك من لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية، بل وأكثر من ذلك، لا يريد للأزمة أن تنتهي".
كذلك، قال رئيس البرلمان اللبناني إنه من "المؤسف أن هناك من يتعمّد قطع كل طرق الحلّ الداخلي، وإن بقينا على هذا المنوال، فلا أرى في الأفق أي انفراجات".
وفي 31 أغسطس/ آب الماضي، دعا بري القوى السياسية "للمرة الأخيرة" إلى حوار في سبتمبر/ أيلول، لمدة سبعة أيام، ثم الذهاب إلى جلسات متتالية لانتخاب رئيس للجمهورية، في خطوة استبق فيها الزيارة الثالثة للموفد الرئاسي الفرنسي، وزيارة أيضاً قام بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت، مطلع هذا الشهر، تزامناً مع زيارة أخرى لمستشار الرئيس الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي، آموس هوكشتاين.
ورفضت القوى المعارضة لحزب الله وحلفه السياسي، خصوصاً حزب "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، وحزب "الكتائب اللبنانية" برئاسة النائب سامي الجميل، ونواب من "قوى التغيير" ومستقلين، تلبية دعوة بري، واعتبارها غير دستورية، وتهدف إلى المناورة، في ظلّ تمسكّ بري والحزب بمرشحهما سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ورفضهما البحث بأي اسم آخر.
وقال مصدر مقرّب من بري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مبادرة رئيس البرلمان لم تسقط بشكل نهائي، وهي جُمِّدت، فعندما يقرّر المعارضون التحاور، سيحصل ذلك، لأن لا طريق آخر سوى الحوار لانتخاب رئيس للجمهورية، إذ لا أحد يملك 86 صوتاً لإيصال مرشحه، وبكل الأحوال، فإن الرئيس بري ينتظر أن يطرح المعارضون البدائل".
وأشار المصدر إلى أن "حديث بري أتى بعدما أعطى الفرق السياسيين حوالي الشهر لقبول دعوته واستطلع جميع الآراء، وتبين له أن مجموعة من النواب لا تريد تلبيتها، علماً أن البعض وافق في البداية عليها ثم انتقل للمناورة ووضع الشروط، منهم التيار الوطني الحر"، لافتاً إلى أن "المطلوب لعقد الحوار تلبيته من القسم الأكبر من النواب، والمكونات السياسية، فلا رئيس بلا توافق".
وعلّق رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، على كلام بري، قائلاً في بيان: "لا لم تؤد بعد قسطك للعُلى"، مشيراً إلى أن الحوار الذي دعا إليه بري هو إمعان في مزيد من إضاعة الوقت، واستمرار الشغور الرئاسي، كما أن تحويل الحوار إلى ممرّ إلزامي للانتخاب يشكّل انقلاباً على الدستور.
وفي معرض ردّه على دعوة بري القوى المعارضة لطرح البديل، قال جعجع إن الحلّ يكون بالدعوة إلى جلسات بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس.
من جهته، قال باسيل بعد لقائه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، اليوم الثلاثاء، إنّ "لا حلّ لموضوع الرئاسة إلا بالتفاهم والشراكة المتوازنة، وهذا ما يتطلّب بطبيعة الحال حواراً ونحن لم نكن يوماً إلّا مع الحوار، لكن نعرف أن الحوار يجب أن يكون مجدياً".
وأضاف: "أكدنا للمفتي وتوافقنا معه على أن للحوار ظروفاً كي لا نقول شروطاً حتى ينجح، ومنها (...) تشاور ثنائي وثلاثي وأيضاً جماعي للوصول إلى انتخاب رئيس وفق خطوط عريضة متفق عليها بين اللبنانيين".
في السياق ذاته، قال النائب ياسين ياسين، من النواب المعارضين، لـ"العربي الجديد"، إنّ مبادرة بري لم تكن جدية، بل كانت مضيعة للوقت، ورسالة للخارج خصوصاً بالتزامن مع وجود الموفدين الإيراني والأميركي، يظهر من خلالها بأنه مسهّل وليس بمعرقل للانتخابات الرئاسية في لبنان، كما أن الحوار الذي دعا اليه غير دستوري، ويعتريه شوائب قانونية، من هنا إصرارنا على عقد دورات متتالية لانتخاب رئيس للجمهورية.
ولفت ياسين إلى أن لودريان حاول التسويق لمبادرة بري، وهو ما حصل في أول لقاء عقده ضمن جولته وكان مع رئيس البرلمان، وعندما قابلناه في السفارة السعودية، قلنا له أن ذلك مناقض للدستور ولبيان اللجنة الخماسية (التي تضم قطر، السعودية، فرنسا، أميركا، ومصر)، والذي تطرق إلى مواصفات الرئيس، ضمنها أن يكون جامعاً ويتسم بالنزاهة والقدرة على توحيد البلاد، وينفذ إصلاحات اقتصادية مهمة، ويلتزم تطبيق القرارات الدولية، مشيراً إلى أن لودريان غرّد خارج سرب ما اتفقت عليه الدول الخمس.
من ناحية ثانية، ورغم الحراك الخارجي، استبعد ياسين أن يتم الذهاب إلى انتخاب رئيس قبل شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وذلك حتى تتضح نتائج عمليات التنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9 بالمياه الإقليمية اللبنانية، وما إذا كان هناك حقل تجاري. كما اعتبر أنه ليس هناك مرشح صاحب حظ أكثر من غيره بالوصول إلى الرئاسة، سواء قائد الجيش أو غيره، لأن أي مرشح يحتاج إلى 86 صوتاً للفوز، ولا اسم حتى اللحظة قادر على تأمين هذا العدد.
وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، نبّه في تصريح له عقب الاجتماع الثاني للمجموعة الخماسية بشأن لبنان، في العاصمة القطرية الدوحة، في يوليو/تموز الماضي، إلى أن بيان المجموعة وجه رسالة تحذير عامة لجميع الأطراف اللبنانية بعدم عرقلة الجهود التي تبذل لتأثيرها المباشر على مستقبل لبنان وازدهاره واستقراره، وأكد على الدعم المستمرّ للبنان في حالة التوصل إلى توافق.
وأكد أن استضافة الدوحة للاجتماع الثاني للمجموعة الخماسية بشأن لبنان يأتي حرصاً منها على تحسين الوضع السياسي والاقتصادي في هذا البلد، ووقوفها الدائم مع الشعب اللبناني في جميع المنعطفات التي مرّ بها.