تسلّمت رئاسة الجمهورية اللبنانية من الأمانة العامة للبرلمان، الخميس، لائحة بأسماءِ النواب بحسب الكتل النيابية والنواب المستقلّين، بانتظار أن تدعو إلى استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيسِ وزراءٍ جديد يُكلَّف تشكيل الحكومة، في خطوة من المتوقع أن يُقدمَ عليها الرئيس ميشال عون الأسبوع المُقبل، بعد إتمام استحقاق انتخاب رؤساء اللجان النيابية ومقرريها المرتقب يوم الثلاثاء، علماً أن الدستور لم يقيّده بمهلة محددة للدعوة.
ويقول مصدرٌ مسؤول في قصر بعبدا الجمهوري، لـ"العربي الجديد"، إن "لا موعد محدداً بعد للدعوة إلى استشارات نيابية ملزمة، أقلّه ليس قبل انتخاب رؤساء اللجان النيابية، ومن المهم إفساح المجال أمام القوى السياسية لبحث أفكارها ودراسة قراراتها على مستوى الاسم الذي ستختاره لرئاسة الحكومة، لكن الخطوة حتماً لن تطول بالنظر إلى دقة المرحلة والأزمة الاقتصادية، التي تتطلب سرعة تحرك ووجود حكومة قادرة على القيام بمهامها بشكل طبيعي".
ومن المعروف أن الدعوة إلى الاستشارات دائماً ما كانت مرتبطة بالاتفاق المسبق بين الأحزاب السياسية، أو أقلّه غالبيتها، وتلك التي تدور في فلك "حزب الله" وحلفائه، الذين يخرقون اللعبة الديمقراطية من خلال السياسة التوافقية التي يعتمدونها مساراً أساسياً للاستحقاقات، علماً أنّ هذا الأسلوب بات مهدداً اليوم وغير محسوم السيناريوهات، بالنظر إلى التلاوين الموجودة في مجلس النواب، والأحجام غير الثابتة التي تتبدل تبعاً للاستحقاق، بالإضافة إلى التشتت الواضح الذي ظهر جلياً في انتخاب رئيس البرلمان ونائبه وهيئة مكتب المجلس، الأمر الذي يترك بالتالي باب المفاجآت مفتوحاً، تماماً كما حصل عند انتخاب نائب الرئيس نبيه بري، إلياس بو صعب، الذي ينتمي إلى تكتل "لبنان القوي" (بقيادة النائب جبران باسيل) بحصده أصواتاً غير متوقعة، بقيت في دائرة مجهولة المصدر.
وبدأت الكتل النيابية مشاوراتها واجتماعاتها لدرس الخطوات التي ستلجأ إليها على الصعيد الحكومي، سواء بالنسبة إلى الشخصية التي ستسمّيها أو شكل الحكومة الأنسب لإدارة المرحلة، مع العلم أن الأنظار اليوم مركزة من قبلها على انتخابات اللجان النيابية، التي تكتسب أهمية كبرى بالنظر إلى دورها على مستوى ملفات عدة، خصوصاً منها الاقتصادية، ربطاً بالدرجة الأولى بلجنتي المال والموازنة، والإدارة والعدل، وسط شهية مفتوحة لدى القوى السياسية، كما تتطلع إليها تلك المعارضة والتغييرية لمواجهة كل قانون من شأنه أن يضرّ بمصالح المواطنين، لا سيما منهم المودعين.
المعارضة والقوى التغييرية لتجنّب "انتكاسة" ثانية
وتسعى القوى المعارضة وتلك التغييرية لعدم الوقوع في "انتكاسة" ثانية كالتي تعرّضت لها في جلسة انتخاب رئيس البرلمان وهيئة مكتب المجلس، بحيث واصلت المنظومة الحاكمة، وضمناً حزب الله - التيار الوطني الحر - حركة أمل، احتكار المقاعد، بالإضافة إلى عجز الفريق الآخر، الذي تفاءل بنتائج الانتخابات النيابية وبضرب أكثرية حزب الله وحلفائه، عن إحداث أيِّ خرقٍ.
وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإنّ الأحزاب التي تصنّف نفسها معارضة للمنظومة تعجز حتى الساعة عن استمالة كتلة النواب التغييريين، رغم رفعها مستوى الاتصالات، ومحاولتها استغلال عدم التوافق الظاهر بينها، وطرح أسماء من خارج الكادر السياسي التقليدي لتحظى بدعم التغييريين باعتبارها مستقلة، وقطع الطريق أمام وصول مرشحي حزب الله وحلفائه، وذلك كما حصل بالدعم الذي حاز عليه النائب غسان سكاف في انتخابات نائب رئيس المجلس من معارضين ومستقلين وتغييريين، بطرحه مستقلاً رغم قربه من الحزب التقدمي الاشتراكي (بقيادة وليد جنبلاط)، وخوضه الانتخابات النيابية على لائحته.
وعلى مقلب ما يُعرَف بقوى 8 آذار، فإنَّ التوافق غائب حتى الساعة حول الشخصية التي سترشحها لرئاسة الحكومة، ففي وقت يفضّل حزب الله وحركة أمل تسمية نجيب ميقاتي مرة جديدة، ولا يمانع "تيار المردة" (بقيادة سليمان فرنجية) ذلك، لا يحبِّذ "التيار الوطني الحر" ورئيسه النائب جبران باسيل عودة ميقاتي الذي وقف بوجههم بملفاتٍ كثيرة، وآخرها فتحه النار على وزير الطاقة وليد فياض، المحسوب على التيار، بطريقة مفاجئة، وكشفه فضيحة متعلقة بالكهرباء، وذلك فور دخول حكومته مرحلة تصريف الأعمال.
ويسعى باسيل لتكون له كلمة في الحكومة الجديدة، لدورها المهم في حال عدم انتخاب رئيس جديد للبلاد مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، علماً أنه دائماً ما يُتّهم بالتعطيل، وبكونه العقبة الأساسية أمام تشكيل الحكومة من خلال شروط يفرضها على مستوى توزيع الحقائب الوزارية، وعدد المقاعد التي تدخل ضمن حصته.
في المقلب الآخر، يقول مصدرٌ قيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي، لـ"العربي الجديد"، إنّ الحزب لم يحسم موقفه بعد حول الشخصية التي يريد أن يسمّيها لرئاسة الحكومة، ولكنه لا يحبّذ أن تكون الحكومة من سياسيين، ولا يريد أن يكون ممثلاً فيها، ولكنه يريد لهذا المبدأ أن يكون مطبقاً على الجميع، وأن تكون الحكومة من خارج النادي السياسي بالكامل، نظراً لصعوبة المرحلة ودقتها، وما تتطلبه من أشخاص أصحاب اختصاص قادرين على انتشال البلد من الأزمة، وبعيدين عن جو المناكفات السياسية.
من جهة أخرى، يؤيد عضو تكتل "الجمهورية القوية" (بقيادة سمير جعجع) النائب نزيه متى مبدأ "أكثرية تحكم وأقلية تعارض"، ويقول لـ"العربي الجديد": "هناك مجموعة أقليات في مجلس النواب أفرزتها الانتخابات النيابية، يمكنها أن تشكل حكومة في حال تمكنت من تجميع نفسها ضمن أكثرية، وإذا عجزت عن ذلك، يمكن للتكتل الأكبر أن يشكل الحكومة، على أن يعارض الفريق الآخر ويمارس دوره على صعيد الرقابة والمساءلة".
ويفضِّل متى عدم الدخول في لعبة الأسماء حالياً على مستوى رئاسة الحكومة، لكنه يشدد على أهمية أن تكون الحكومة، التي تُشكَّل في الظروف الراهنة الصعبة اقتصادياً ومالياً، قادرة على الإنتاج وإيصال البلاد إلى برِّ الأمان، ليعود لبنان إلى المجتمعَيْن الدولي والعربي، مضيفاً "جربنا مختلف الحكومات والرؤساء، والبلد لم يعد يحتمل تجارب، لذلك، الأهم أن يكون الخطاب واضحاً، والمسار صحيحاً باتجاه انتشال البلد من أزماته، ونحن أيدينا مفتوحة للجميع حتى نبني البلد من جديد".
ويخشى النائب اللبناني من سيناريوهات التعطيل التي يصار إلى تداولها، ولا سيما بالنظر إلى أهمية الحكومة الجديدة في حال عدم إتمام استحقاق رئاسة الجمهورية في موعده، ووفقاً لذلك، يفضل البقاء ضمن الأطر المؤسساتية، والالتزام بالمهل والآليات الدستورية كلها بغض النظر عن النتائج، تماماً كما حصل في انتخاب رئيس البرلمان ونائبه.
بدوره، يقول النائب سجيع عطية من كتلة "إنماء عكار" التي يرأسها النائب وليد البعريني (من قدامى تيار المستقبل)، لـ"العربي الجديد"، إننا كمجموعة لم نتخذ بعد القرار، ولكن مع حكومة أقطاب فاعلة ناشطة، تتخذ القرارات بسرعة، وتكون استثنائية بمهمات استثنائية، لأن الوضع لم يعد يحتمل تنقلات بين الوكيل والأصيل والخفيّ.
ويؤكد عطية أن الدعوة إلى استشارات نيابية ملزمة يجب أن تكون اليوم قبل الغد، والإسراع بها لتشكيل حكومة تكمل مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي، للحصول على الدعم المطلوب لانتشال لبنان من أزماته، بعيداً من الجدال والنكد السياسي.
ويلفت عطية، الذي انسحب من معركة نائب رئيس البرلمان لصالح سكاف لتعزيز جبهة الأخير في مواجهة مرشح باسيل، إلى أن التجارب السابقة كلها أثبتت أن لا حكومة مستقلين مائة في المائة، والوضع لم يعد يحتمل تلاعباً وتذاكياً بالتمثيل، مشيراً إلى أن هناك قوى سياسية وصلت إلى مجلس النواب أفرزتها الانتخابات النيابية، ولها أن تتمثل في الحكومة، على أن تكون طبعاً من أصحاب الاختصاص في ملفاتها ووزاراتها، مشيراً إلى أن الانتخابات أثبتت أن البلد ما زال مقسوماً ومشرذماً حتى في صفوف التغييريين، ومن هنا أهمية السير بين النقاط، والتطلع إلى ما هو في مصلحة البلد.
ولا يمانع عطية شخصياً إعادة تكليف نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة، لما يمتلكه من خبرة وكفاءة، علماً أن المزاج السني حتى الساعة لم يفرز بعد شخصية لتولي المنصب، على حدّ تعبيره.
بدوره، يقول عضو كتلة "الوفاء والمقاومة"، التي تمثل حزب الله برلمانياً، حسين جشي، لـ"العربي الجديد"، إن الوضع لا يحتمل شدّ حبال بين الأفرقاء السياسيين، ويوجب التعاون لأن هناك قرارات أساسية يجب أن تُتخذ، ويفترض أن تكون الحكومة جامعة لأكبر عددٍ من الأفرقاء حتى "تقلّع"، مشيراً إلى أن المشكلة ليست في شكل الحكومة، سواء اختصاصيين أو سياسيين، بل في القرارات، فـ"المرحلة تقتضي قرارات سياسية على مستوى المسؤولية، متمنياً أن يكون هناك سياسيون يتحمّلون المسؤولية "لا يتسلّون" بموضوع التكنوقراط، فنحن بحاجة إلى قرارات تنقذ البلد".
وفي ردّه على محاولات قوى سياسية مواجهة حزب الله، ورفضها الجلوس معه في حكومة واحدة، من ضمنها "القوات اللبنانية"، وسعيها لتكبير حجم المعارضين، وضمنهم التغييريون، والتوافق على شخصية تتوفر فيها حظوظ الرئاسة، يأسف جشي لهذا الاتجاه، ويقول "نحن مع التغيير إن صحّ التعبير، ومع كل شيء فيه تجديد، ونحترم آراء الناس التي انتخبت ممثليها في البرلمان، ويفترض بنا جميعنا تحمّل مسؤولياتنا".
ويرى أن "التفكير لا يجب أن يكون في الإقصاء، بل في العمل معاً لنبحث عن الحلول للأزمات، والدول التي يمكن أن تساعدنا ضمن مشاريع إنقاذية، من هنا، لو كان هناك اختلاف على السياسة الداخلية، لوجب أن نكون موحدين على إنقاذ البلد وقيام الدولة".
وحول اسم الشخصية التي يفضلها حزب الله، يقول جشي إن "الأمور غير واضحة بعد، والمشكلة ليست في الشخصية، ما يهمنا التوافق والخروج من حال المناكفات التي تضرّ بالبلد، فلبنان ليس مفلساً وليس ضعيفاً، إنما المشكلة في القرارات".