شهد مقرّ الرئاسة اللبنانية، اليوم الإثنين، مناقشات مكثفة لدراسة ووضع الملاحظات وتحديد الموقف من المقترح الخطي الذي أرسله الوسيط الأميركي لـترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل، عاموس هوكشتاين، إلى الرؤساء الثلاثة، عبر سفيرة الولايات المتحدة دوروثي شيا، أول من أمس السبت.
وبعد اجتماعٍ أوّل عقدته لجنة تقنية – مدنية – عسكرية برئاسة الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا الجمهوري، تبعه اجتماع ثلاثي ضمّ إلى جانب عون رئيسي حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والبرلمان نبيه بري، وضع لبنان بعض الملاحظات والتعديلات على مسودة العرض الأميركي من دون البوح بتفاصيلها، وسيرسلها عبر تقرير نهائيٍّ في أقرب وقتٍ إلى الوسيط الأميركي، من ثم يُبنى الموقف اللبناني النهائي انطلاقاً من الجواب الأخير.
وأكد ميقاتي بعد الاجتماع الثلاثي أن "الأمور متجهة على الطريق الصحيح بشأن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل"، مشدداً على أن "موقف الجميع في لبنان موحّد بشأن هذا الاتفاق، وذلك من أجل مصلحة البلد".
وقال ميقاتي: "لقد كانت لي وللرئيس بري بعض الملاحظات، واللجنة التقنية أخذت بها كاملة، وسيكون لنا رد سيُرسل إلى الوسيط الأميركي ضمن هذا السياق كاملاً"، مؤكداً أن "كافة المسلمات والأمور الأساسية تامة ضمن الاتفاق، ومتجهة على الطريق الصحيح".
من جهته، أعلن نائب رئيس البرلمان اللبناني إلياس بو صعب أن "الموقف اللبناني النهائي لن يكون اليوم"، مشيراً إلى أن "هناك ملاحظات وضعت من قبل فريق العمل جُمِعَت في تقرير سيرسل إلى الوسيط الأميركي، وفيه طلب التعديلات والملاحظات على عرضه وعلى أبعد حدّ غداً يرسَل إليه، والموقف النهائي سيكون بعد جوابه على الملاحظات، وطبعاً بعد عرضه التعديلات على الفريق الآخر".
وأضاف بو صعب: "العمل سيكون ليل نهار مع الوسيط الأميركي وبوتيرة سريعة، ونأمل أن نحصل على الجواب النهائي منه قبل انتهاء الأسبوع الجاري، وعلى ضوئه، يخرج الموقف اللبناني الموحّد سواء أكان سلباً أم ايجاباً".
وقال بو صعب إنه في حال أخذ بالملاحظات كما اتفق عليها لبنان، فستكون الأمور سريعة على صعيد الاتفاق، ونتحدث هنا عن أيام وليس أسابيع، لافتاً إلى أن "الشياطين دائماً ما تكمن في التفاصيل، واليوم الشياطين باتت صغيرة ونأمل تخطيها"، مشدداً على أن موقف لبنان الموحد مكمن قوّة أساسي، وسيكون القرار النهائي متخذا من قبل الرؤساء الثلاثة عند تسلم لبنان الجواب الأميركي الأخير.
كذلك، أكد نائب رئيس البرلمان اللبناني أن لا إحداثيات لمعرفة أين ينتهي حقل قانا، إنما الثروة الموجودة في الحقل سيحصل لبنان على حصّته كاملة منها.
ولم يعلّق بو صعب على الكلام حول الاستفادة الإسرائيلية من حقل قانا، مكتفياً بالقول: "أفضل عدم الدخول في بنود الاتفاق، ولكن لبنان حصل على كامل حقوقه في حقل قانا".
وكرّر بو صعب تشديده على أن "الملاحظات لو لم تكن مهمة وتجب كتابتها وإرسالها، لكنّا غضضنا النظر عنها".
وتحدث عن المعادلة الذهبية التي سارت عليها المفاوضات حتى نتيجة اليوم، والتي تكمن في أنه "لا يمكن القول نريد أن ننتصر ونأخذ كل شيء وحدنا والفريق الآخر يكون خاسرًا، ولا نقبل أن يأخذ الفريق الآخر من حقوقنا"، مدافعاً كذلك عن الوسيط الأميركي ودوره "ساعياً لإعطاء الحق لأصحابه".
وسارع المسؤولون اللبنانيون فور تسلّم المقترح الأميركي إلى الإدلاء بتصريحات متفائلة، تعزز سيناريو الوصول إلى "خواتيم سعيدة"، بعدما أكدوا أنه يحاكي طلبات لبنان ومسلّماته. وكان التصريح الأبرز قد جاء على لسان بري وميقاتي بإشاعة إيجابية العرض، في حين كان لافتاً ميل الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله إلى الأجواء نفسها، وحديثه عن الآفاق الجديدة التي سيفتحها الاتفاق ووقوفه خلف الدولة اللبنانية بموقفها، في إشارة خضراء إلى "التبنّي"، علماً أنّ السفيرة الأميركية كانت استبقت كل المواقف بكشفها أن الأمور "تبدو إيجابية جداً".
وكان مصدر في قصر بعبدا أكد لـ"العربي الجديد"، قبيل الاجتماعين، أن "اللجنة ستدرس المقترح الأميركي، وقد تضع بعض التعديلات عليه، لكنها لن تغيّر مسار العرض، إلا إذا وجدت عند البحث ثغرات كبيرة ومناورات. أما الإعلان عن موقف لبنان النهائي، فقد يتم اليوم أو في وقتٍ لاحق، تبعاً لنتائج اليوم، كما ستجرى مناقشة كيفية التوقيع على الاتفاق إذا ما تمّ، وسط إصرار لبناني حتى هذه اللحظة بأن تشهد طاولة الناقورة في جنوب لبنان على هذا الحدث، بحضور أميركي وأممي، والتي كانت انطلقت منها المفاوضات التقنية غير المباشرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2020".
ولفت المصدر إلى أن "المقترح الأميركي سيُبحث من قبل مدنيين وتقنيين وعسكريين، لدرسه من مختلف جوانبه، والخرائط والإحداثيات، وحتى الساعة هناك تفاؤل بأن المسودة تحاكي مطالب لبنان، خصوصاً لناحية اعتماد الخط 23، ومنحه حقل قانا النفطي، والسماح له ببدء عمليات التنقيب في الحقول اللبنانية، كما وبدء شركة توتال الفرنسية بأعمال التنقيب أيضاً، مع إعطاء ضمانات لها كانت طلبتها في وقتٍ سابق، لا سيما على المستوى الأمني، وهناك مشاورات مكثفة مع الجانب الفرنسي في هذا الإطار، مع فصل الترسيم البحري عن ذاك البري، وهو موقفٌ يصرّ عليه لبنان".
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية نشرت ليلاً بعض الخطوط العريضة لمقترح هوكشتاين، لافتةً إلى مصادقة رئيس الحكومة الإسرائيلية يئير لبيد ووزير الأمن بني غانتس على المقترح.
وأوردت قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية "كان 11"، نقلاً عن مصدر سياسي كبير في إحاطته للصحافيين، بنود الاتفاق الأساسية، منها رسم خط الحدود البحرية بمعظمه اعتماداً على الخط 23، الأمر الذي يبقي غالبية المساحة المتنازع عليها تحت السيطرة اللبنانية، بالإضافة إلى الكيلومترات الخمسة الأولى لخط الحدود من نقطة الشاطئ، استناداً إلى خط العوامات الإسرائيلي الواقع شمال الخط 23، علماً أن هذا الخط فرضته إسرائيل بشكل أُحادي، وتعتبره أمراً جوهرياً ومهماً على الصعيد الأمني. كذلك، سيكون حقل كاريش تحت سيطرة إسرائيلية كاملة.
"رابح رابح"
ويقول الرئيس السابق للوفد اللبناني المفاوض حول الحدود البحرية، اللواء عبد الرحمن شحيتلي، لـ"العربي الجديد"، إن "مجرد تصريح الرؤساء الثلاثة بأن لبنان نال ما طلبه يعني أن الجانب الأميركي نجح في إنهاء النزاع على استخراج الغاز بين لبنان وإسرائيل، أما القول باتفاق ترسيم حدود، فهنا علينا أن ننتظر خطوات الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية".
ويشدد شحيتلي على أن الاتفاق إذا ما وضع ضمن خانة "رابح رابح"، فإن له إيجابياته، خصوصاً على مستوى إزالة الفيتو الخارجي، الذي كان موضوعاً على استثمار لبنان حقوله النفطية.
ويلفت اللواء إلى أن "إسرائيل اقترحت الخط 1، لكن لبنان لم يرضَ به، وكان قد اقترح بداية الخط 29 الذي اعترضت عليه إسرائيل، وبغض النظر عن مصداقية الخط 29 وعدم مصداقية الخط 1، تبقى المسألة في أنه إذا لم يتفق الطرفان على خط معين، فلا يمكن لأي خط أن يرقى إلى مستوى أن يكون خطاً حدودياً. من هذا المنطلق، إن أي خط معلن لا يحظى بموافقة الطرفين لا يعني أنه أصبح حدوداً"، مشيراً: "إننا سننتظر عملية إقرار التوافق، فهل سيتم إخراجه بحدود نهائية بحرية أو بخط أزرق جديد على طريقة عام 2000، يُحترم من قبل الطرفين إلى حين التوصل إلى اتفاق نهائي حدودي".
ويعتبر شحيتلي أنه فور الإعلان عن الاتفاق "سوف تبدأ شركة توتال الفرنسية عملها"، وبرأيه فإن "هذا لن يتأخر كثيراً، بين عام وعامين كأبعد تقدير، عندها يمكن للبنان أن يقول إنه أصبح مصدراً للغاز"، على حد تعبيره.
ويؤكد شحيتلي أن "المشكلة لم تكن تقتصر على حقل قانا، بل إن لبنان لم يُسمَح له بالاستفادة من كامل حقوله في مياهه، منها مثلاً حقول (9، 8، 10، 6، 7، 5، 4، 3، 2)، علماً أن الحقل رقم 4 كان جاهزاً للاستخراج بعد الاستكشاف، بانتظار معطيات شركة توتال، في حين كانت الهيئة الناظمة للنفط في لبنان قدّرت أن يكون الحقل رقم 9 واعداً، من هنا يمكن القول إن الاتفاق كان "رابحاً رابحاً وإيجابياً".
مواقف معارضة
في مقابل التصريحات الإيجابية الصادرة عن الرؤساء الثلاثة، ومحاولتهم تسجيل إنجاز للبنان، ولا سيما من جانب عون، قبيل أيام قليلة على انتهاء ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، برزت مواقف معترضة على المقترح الأميركي والمسار اللبناني المنوي سلكه.
وقال النائب عن كتلة التغييريين، ملحم خلف، إن "ما نسمع عنه تهليلاً عن ترسيم الحدود البحرية جنوباً لا يرتكز على أي سند قانوني أو مرتكز تقني، فالمعيار المعتمد اعتباطي وغير قانوني، ويرتب نتائج وخيمة على نهائية الترسيم البحري مع قبرص، والمنتظر مع سورية، وعلى ما تبقى من ترسيم بري مع فلسطين المحتلة"، لافتاً إلى أن "ما صحّ خارج القانون هنا، ارتقبوه هناك".
ما نسمع عنه تهليلاً عن ترسيم الحدود البحرية جنوباً،لا يرتكز على أي سند قانوني او مرتكز تقني.فالمعيار المعتمد اعتباطي غير قانوني،ويُرتب نتائج وخيمة على نهائية الترسيم البحري مع قبرص والمنتظر مع سوريا وعلى ما تبقى من ترسيم بري مع فلسطين المحتلة. ما صح خارج القانون هنا ارتقبوه هناك! pic.twitter.com/rYO8H59XR3
— Melhem Khalaf (@MelhemKhalaf) October 2, 2022
من جهته، قال النائب وضاح صادق إنه "ليس هناك أي انتصار في ترسيم الحدود، أصحاب القرار تخلّوا عن حق لبنان منذ سنوات، واليوم أعطينا العدو كل ما طالب به، ومضى كل من باع حدودنا البحرية في محاولة ادعاء الانتصار"، مشيراً إلى أن "الترسيم أصبح مقبولاً لأنهم أوصلونا إلى انهيار اقتصادي ومالي جعلنا نتخلى عن السيادة مقابل أبسط مقومات الحياة".
ليس هناك اي انتصار في #ترسيم_الحدود.
— Waddah Sadek - وضاح صادق (@WaddahSadek) October 2, 2022
أصحاب القرار تخلّوا عن حق #لبنان منذ سنوات واليوم اعطينا العدو كل ما طالب به ومضى كل من باع حدودنا البحرية في محاولة ادعاء الانتصار.
الترسيم أصبح مقبولًا لأنهم أوصلونا الى انهيارٍ اقتصادي ومالي جعلنا نتخلى عن السيادة مقابل أبسط مقومات الحياة. pic.twitter.com/XmUt0CSAxQ