- التكتم قد يهدف لمنع التصعيد بين تل أبيب وطهران، وسط مخاوف من توسع الحرب بعد انفجارات قرب قاعدة عراقية تدعمها إيران.
- الضربة المحتملة على أصفهان تعكس استراتيجية إسرائيلية محدودة، بينما تقلل طهران من أهميتها، مما يثير تساؤلات حول التصعيد المستقبلي وزيادة الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل.
لاذ المسؤولون الأميركيون بالصمت حيال ملابسات الانفجارات التي وقعت في مدينة أصفهان الإيرانية فجر أمس الجمعة، واكتفى البيت الأبيض بالقول إنه يواصل التداول في الأمر مع إسرائيل زاعماً أنه "لا يريد التكهن" بما جرى، كما قالت المتحدثة كارين جان–بيار، وأصدر الرئيس جو بايدن تعميماً على المسؤولين بعدم إعطاء تصريحات عن الوضوع.
من جهته شدد وزير الخارجية أنتوني بلينكن (من إيطاليا) على أن واشنطن "لا علاقة لها بالعملية" رافضاً نفي أو تأكيد ما إذا كانت إسرائيل قد أبلغت الإدارة مسبقاً بالضربة، كذلك لم يصدر عن وزارته شيء، حيث لم تعقد إحاطة صحافية أمس الجمعة. وبدورها قالت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) إن الوزير لويد أوستن أجرى اتصالاً، الجمعة، بنظيره الإسرائيلي يوآف غالانت "وتحدثا بشأن غزة" ورفح فقط.
هذا التكتم التام عزز الشكوك بوجود لغز ما، خصوصاً أن الاحتلال الإسرائيلي لاذ بالصمت. وفي مثل هذا الجو تنشط التخمينات، ولو أن الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو بقيت هي الجهة المرجحة في تنفيذ الانفجارات.
ومن هذه التخمينات أن التكتم على الفاعل قد يكون القصد منه قطع الطريق على الرد لانتفاء المبرر، وبما يؤدي بالتالي إلى وقف مسلسل التراشق بين تل أبيب وطهران، ولكن هذه السردية بقيت مرتبكة وغير متماسكة، لتتعزز الصورة بوقوع انفجارات كبيرة، مساء أمس الجمعة، قرب قاعدة عراقية تعود لمجموعة مسلحة تدعمها إيران، وأُدرِج ذلك في خانة عملية أصفهان. شبه التطابق بين الاثنين معطوفاً على الصمت أدى إلى ازدياد الريبة وتجدد المخاوف من توسّع دائرة الحرب.
أحيطت القصة بالالتباس والغموض منذ البداية، فما إن انتشر خبر الانفجارات على وسائل إعلام إيرانية حتى مُرِّرَت تسريبات رسمية في واشنطن، فجر الجمعة، مفادها أن إسرائيل هي التي قامت بالعملية وأنها "أبلغت واشنطن مسبقاً" بها، وبعد وقت قليل كُذِّب التسريب ليعودوا إلى تأكيده، وعلى أساس ذلك بدأ يسود الاعتقاد بأن الضربة الإسرائيلية كانت مصممة لتكون "محدودة " وأنها قد تكون بداية الخروج من دوامة الرد والرد المضاد.
من جهتها قللت طهران "من أهمية" الضربة، ما ترك انطباعاً بأنها رأت فيها ضربة رمزية أكثر منها انتقامية. وثمة من رأى أن إسرائيل أرادتها كذلك نزولاً عند رغبة البيت الأبيض لتجنب اتساع الحرب وتقديراً لاستخدامه حق النقض "فيتو" في مجلس الأمن ضد مشروع قرار للاعتراف بدولة فلسطين.
ويرى بعض المراقبين أن الضربة كانت محسوبة وخاطفة بما يعكس عدم قدرة إسرائيل على شنّ عملية أوسع، في حين رأى آخرون، مثل الأدميرال المتقاعد جيمس ستفريدس، أنها أظهرت "قدرة على اختراق الأجواء والدفاعات الجوية الإيرانية"، لكن الاختراق لا يكفي في الحرب، وبايدن كان يدرك ذلك عندما حذر إسرائيل مسبقاً من أن واشنطن لن تشارك في أي عملية عسكرية ضد إيران.
جاءت الضربة بهذه الحدود الضيقة، حسب ما عُرف عنها حتى الآن، ما أظهر بايدن وكأنه نجح "في تبريد الرؤوس" وفرملة الوضع لمنعه من التدحرج إلى اشتباك شامل، وعزز عدم رد ايران هذا الاعتقاد، خصوصاً أن وزير خارجيتها، حسين أمير عبد اللهيان، كان قد توعّد من نيويورك قبيل ضربة أصفهان بساعات "بالرد الفوري لو قامت إسرائيل بأي عمل ضد بلاده".
تراجع إيران عن وعيدها معطوفاً على صمت واشنطن وإسرائيل، وانتقال الانفجارات إلى العراق، طرحا تساؤلات كثيرة، وضاعفا التخوف من المفاجآت ومخاطر التصعيد المتجول والمحكوم بالوصول في نهاية المطاف إلى صدام أوسع، خصوصاً أن المبادرة ما زالت بيد نتنياهو الذي لا بديل لديه غير الحروب، في وقت يزيد فيه الرئيس بايدن من تدفق السلاح إلى إسرائيل (ويعمل بايدن حالياً على تقديم مشروع إلى الكونغرس بزيادة الدعم العسكري لها بمليار دولار).
ومن المتوقع أن يصوت مجلس النواب الأميركي، السبت، على حزمة مساعدات عسكرية خارجية من ضمنها 26 مليار دولار لإسرائيل، في لحظة تقترب فيها الحكومة الاسرائيلية من أخذ القرار باجتياح رفح التي تكتفي الإدارة بمحاولة "إقناع" نتنياهو، لا ردعه، لصرف النظر عنه.