يغادر الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بيروت، اليوم الجمعة، بعد جولة رابعة وصفت بالـ"استطلاعية" والتقى فيها المسؤولين اللبنانيين، من دون أن تحمل أي أفكار جديدة أو مبادرة جدية قادرة على إحداث خرقٍ في جدار أزمة الشغور الرئاسي.
وكرّر لودريان خلال لقاءاته التي بدأها أول من أمس الأربعاء مع الجهات الفاعلة السياسية الطروحات والنصائح نفسها خصوصاً لناحية حث الأفرقاء السياسيين على ضرورة التوافق على رئيسٍ للجمهورية، من دون أن يدخل في لعبة الأسماء، ومن ثم تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات تقوم بالإصلاحات المطلوبة دولياً، بحيث يتصدّر استقرار المؤسسات في البلد سلّم الأولويات.
اللهجة الأشدّ من حيث التنبيهات والتحذيرات حملها لودريان إلى المسؤولين اللبنانيين على مستوى الملفين الأمني والعسكري، إذ شدد على ضرورة الحفاظ على الاستقرار في الجنوب اللبناني ونأي لبنان بنفسه عن حرب غزة، وتطبيق القرار الدولي رقم 1701 (صادر عام 2006، ويدعو إلى وقف كامل العمليات القتالية في لبنان)، وذلك بهدف تجنّب أي تصعيدٍ في المرحلة المقبلة.
وتوقف لودريان أيضاً عند خطورة امتداد الشغور الرئاسي إلى قيادة الجيش ملمحاً لضرورة التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون (تنتهي ولايته في يناير/كانون الثاني المقبل)، ولا سيما في ظلّ الظروف الدقيقة التي يمرّ بها لبنان، وقد لمس تأييداً سياسياً لبنانياً لهذه الخطوة، باستثناء رفض قاطع من جانب رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، الذي يعارض التمديد، الأمر الذي جعل اللقاء بينه والموفد الرئاسي الفرنسي متشنّجاً وقصيراً للغاية.
وكان لودريان التقى قائد الجيش اللبناني، وأكد له استمرار دعم بلاده المطلق للمؤسسة العسكرية، في وقتٍ قال مصدرٌ دبلوماسي فرنسي لـ"العربي الجديد"، إن "فرنسا تنوّه كثيراً بالدور الذي يقوم به الجيش اللبناني، وتشدد على ضرورة إبعاد المؤسسة العسكرية عن الخلافات السياسية وعدم إدخالها دائرة الشغور، وتؤكد ضرورة استمرار التعاون بين الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) للحفاظ على الاستقرار في الجنوب".
في السياق، قال عضو كتلة "التنمية والتحرير" (يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري)، النائب أشرف بيضون، إن زيارة لودريان كانت في طابعها العام "استطلاعية"، وحملت حثاً للأفرقاء السياسيين على ضرورة التوافق لانتخاب رئيس للجمهورية.
ولفت بيضون لـ"العربي الجديد"، إلى أن "لودريان حثّ على التوافق فهناك تسويات قد تكون آتية في ظلّ المفاوضات الإقليمية، وللأسف فإن بعض القوى في لبنان اعتادت على انتظار التطورات في المنطقة للبناء عليها، في حين أن الأزمة داخلية وحلّها يكون بالتوافق والحوار، وإذا لم نتمكّن من التوافق، فإنّ التبعات ستكون سلبية وتتخطى مسألة الرئاسة كموقع".
وشدد على أننا "ككتلة برلمانية، نقف خلف الرئيس بري، ونجدّد التذكير دائماً بأننا دعاة للتوافق والتشاور والحوار، ويجب اليوم الدفع لحل الأزمة الرئاسية العالقة في عنق الزجاجة، الأمر الذي يحتاج إلى توافق والتماس الوحدة الوطنية التي شهدناها منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي سواء إلى جانب المقاومة والدفاع عن الأرض أو لجهة وحدة الرؤية والموقف تجاه إدانة جرائم العدو الإسرائيلي والمجازر والإبادة الجماعية التي يرتكبها في غزة".
وأضاف: "لسنا الجهة المعطّلة للملف الرئاسي، فليطرح كل طرف مرشحه الجدي، ولنعيد إحياء مبادرة الرئيس بري للحوار خلال سبعة أيام قبل الدعوة إلى جلسة لانتخاب رئيس".
وفي وقتٍ اعتبر بيضون أن بقاء المؤسسة العسكرية بلا قائد "جريمة بحق الوطن"، شدد على أن المعبر الأساسي لأي استحقاق هو التوافق.
من ناحية ثانية، شدد بيضون على أن "العدو الإسرائيلي لا يلتزم بالقرارات الدولية منها القرار 1701، ويواصل منذ عام 2006 الاعتداء على هذا القرار". وقال: "على الخارج أن ينظر إلى الممارسات الإسرائيلية، فإسرائيل هو كيان صهيوني، مغتصب، محتل، معتد، ولا يزال يحتل مزارع شبعا رغم أنها أرض لبنانية بكل المواثيق الدولية، وبدورنا لن نقف متفرّجين على أي اعتداء يطاول أرضنا".
من جهته، قال مصدرٌ نيابيٌّ في "حزب الله" لـ"العربي الجديد"، إن "لودريان التقى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، وسمع منه كلاماً واضحاً بأنّ الطرف الذي عليه أن يلتزم بالقرارات الدولية هو العدو الإسرائيلي".
وأضاف المصدر أن "لودريان سمع أيضاً تأكيداً بأن حزب الله لا يريد حرباً لكنه في الوقت نفسه لن يتفرج على الجرائم والاعتداءات التي يرتكبها العدو الإسرائيلي، لذلك فإن أي اعتداء سيلقى الردّ المناسب، وأي تطور في لبنان مرتبط بممارسات العدو في غزة والجنوب اللبناني".
في المقابل، قالت أوساط نيابية معارضة لـ"حزب الله"، التقت لودريان، لـ"العربي الجديد"، إن "الموفد الرئاسي الفرنسي لم يحمل أي جديد، لكنه كرّر أهمية الحوار بين القوى السياسية والتوافق لانتخاب رئيس، من دون أن يطرح أي أسماء، مؤيداً البحث عن مرشح ثالث يلتقي عليه النواب".
ولفتت الأوساط إلى أن "التلاقي ضروري بين النواب لانتخاب رئيس، ولكن على الفريق الآخر، أي حزب الله وحلفائه أن يكفّوا عن تعطيل الاستحقاق، والتمسّك بمرشح دون غيره، لا ولن يلقى قبولاً عند القوى المعارضة"، مشددة على أنّ "المرحلة الراهنة تتطلب التوحّد وعرض مرشحين جامعين يحظيان بثقة محلية وخارجية والذهاب بهما إلى الجلسة لترك اللعبة الديمقراطية تأخذ مجراها".
واعتبرت الأوساط النيابية نفسها، أن "التمديد لقائد الجيش ضروري خصوصاً أننا لسنا قادرين على تعيين قائد جديد في ظلّ الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، كذلك على لبنان تطبيق القرار 1701 وجميع القرارات الدولية، وأن يكون قرار الحرب والسلم بيده لا بيد حزب الله، وأن يضع السلاح بيد الجيش اللبناني".