طالب لوكيير توفير الحماية للمرافق الطبية والموظفين والمرضى
عبر وينسلاند عن قلقه العميق لاحتمال شن عملية عسكرية في رفح
دعا الأمين العام لمنظمة "أطباء بلا حدود"، كريستوفر لوكيير، مجلس الأمن الدولي في نيويورك إلى إصدار قرار بوقف إطلاق نار فوري ومستدام في قطاع غزة، موجهاً انتقادات شديدة اللهجة لمجلس الأمن، وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة، لاستخدامها الفيتو ثلاث مرات ضد مشاريع قرارات تطالب بوقف إطلاق النار (ومرة رابعة كذلك ضد تعديل على القرار 2720 الذي جرى تبنيه في ديسمبر/ كانون الأول الفائت، وطالب التعديل بوقف إطلاق النار وحصل على عشرة أصوات، لكن الفيتو الأميركي حال دون إضافته).
وطالب لوكيير توفير الحماية المطلقة للمرافق الطبية والموظفين والمرضى. وجاءت إحاطته خلال اجتماع دوري لمجلس الأمن الدولي حول الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة الشهري للمجلس.
وأضاف لوكيير موجهاً كلامه للدول الأعضاء في مجلس الأمن: "في اجتماع تلو الآخر، وقرار بعد قرار، فشلت هذه الهيئة في معالجة هذا الصراع بشكل فعال... شاهدنا تأخير ومداولات من قبل أعضاء المجلس بينما يموت المدنيون. هذا الموت والدمار والنزوح القسري هو نتيجة للخيارات العسكرية والسياسية التي تتجاهل بشكل صارخ حياة المدنيين، كان من الممكن ولا يزال من الممكن، اتخاذ خيارات بشكل مختلف تمامًا".
وعبّر عن فزعه لاستخدام الولايات المتحدة للفيتو أكثر من مرة واستغلال سلطتها ضد وقف إطلاق النار. وحول مشروع القرار الأميركي الذي وزعته الولايات المتحدة وتتفاوض حوله مع الدول الأعضاء قال: "يدعو مشروع قرار جديد قدمته الولايات المتحدة ظاهرياً إلى وقف إطلاق النار في غزة. لكن هذا المشروع مضلل في أحسن الأحوال. ويجب على هذا المجلس أن يرفض أي قرار من شأنه أن يزيد من عرقلة الجهود الإنسانية على الأرض ويقود هذا المجلس إلى تأييد استمرار العنف والفظائع الجماعية في غزة. إن أهل غزة يحتاجون إلى وقف إطلاق النار ليس عندما يكون ذلك "ممكناً"، بل الآن. إنهم يحتاجون إلى وقف دائم لإطلاق النار، وليس إلى فترة هدوء مؤقتة، وأي شيء أقل من ذلك يُعَدّ إهمالًا جسيمًا. إن حماية المدنيين في غزة لا يمكن أن تكون مشروطة بقرارات هذا المجلس التي تستغل العمل الإنساني لطمس الأهداف السياسية".
ويشار في هذا السياق إلى أن مشروع القرار الأميركي يتحدث عن وقف إطلاق النار"عندما تكون الظروف ممكنة"، ما يعني أنه لا يوجد تغيير جذري في الموقف الأميركي، وإطلاق النار سيكون فقط عندما ترغب فيه إسرائيل ويكون ملائمًا لها.
الوضع على الأرض
وحول الوضع على الأرض، قال لوكيير: "إنه بعد أكثر من أربعة أشهر على مرور الحرب، قُتل ما يقرب من 30 ألف فلسطيني في غزة وسط القصف والهجمات الإسرائيلية المستمرة. تشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 1.7 مليون شخص، حوالى 75 بالمائة من السكان، قد نزحوا قسراً ويواجهون الأمراض"، واصفًا الوضع بـ "غير الآمن" وتوفير الرعاية الصحية بـ "المستحيل" في غزة، حيث لا تحترم أماكن الرعاية الصحية، كذلك فإنها غير آمنة من الهجمات العسكرية، على حدّ وصفه.
وأعطى عددًا من الأمثلة على الوضع في المستشفيات، وقال: "يعاني المرضى من إصابات كارثية، وعمليات بتر للأطراف... وحروق شديدة. إنهم بحاجة إلى رعاية متطورة وإعادة تأهيل طويلة ومكثفة... ولا يمكن علاجها في ساحة المعركة أو في المستشفيات المدمرة"، مشيرًا إلى أنه "على سبيل المثال في اليوم نفسه الذي استخدمت فيه الولايات المتحدة الفيتو (الثلاثاء) ضد قرار مجلس الأمن الذي طالب بوقف إطلاق النار، قتل وجرح أفراد من عائلة أحد موظفي المنظمة في ملجأ تابع لها ويحمل دلالة واضحة على ذلك".
وحذّر من العواقب الوخيمة للتقاعس، وعدم الاكتراث للقانون الدولي الإنساني، وقال إن عواقب ذلك وصداه ستكون أبعد من حدود غزة، مضيفًا: "سيكون ذلك عبئًا دائمًا على ضميرنا الجماعي. وهذا ليس مجرد تقاعس سياسي، بل أصبح تواطؤًا سياسيًا".
وعبّر عن مخاوفه من أن تؤدي كلمته أمام مجلس الأمن وحديثه بشكل واضح وصريح إلى معاقبة طواقم المنظمة في غزة، مردفًا: "لقد هاجمت القوات الإسرائيلية قوافلنا، واحتجزت موظفينا، وجرفت مركباتنا، وداهمت وقصفت المستشفيات، وللمرة الثانية تعرّض أحد ملاجئ موظفينا للقصف. هذا النمط من الهجمات إما مقصود وإما مؤشر على عدم الكفاءة المتهورة. إن زملاءنا في غزة يخشون التعرض للعقاب".
وأضاف: "شهدنا على مدى 138 يومًا معاناة لا يمكن تصورها لشعب غزة، والتدمير الممنهج للنظام الصحي الذي دعمناه لعقود. لقد شاهدنا مرضانا وزملاءنا يتعرضون للقتل والتشويه"، مشددًا على أن "هذه حرب تشنّها إسرائيل على جميع سكان قطاع غزة، حرب العقاب الجماعي، حرب بلا قواعد، حرب بأي ثمن".
وأكد أن "القوانين والمبادئ التي نعتمد عليها بشكل جماعي لتمكين المساعدة الإنسانية قد تآكلت الآن إلى حد أنها أصبحت بلا معنى. إن الاستجابة الإنسانية في غزة اليوم مجرد وهم، وهو وهم يديم رواية مفادها أن هذه الحرب تُشَنّ بما يتماشى مع القوانين الدولية".
ووجه انتقادات شديدة اللهجة للمجتمع الدولي وحديثه عن تقديم المساعدات، ومضى يقول: "لقد أصبحت الجهود المبذولة لتقديم المساعدة في غزة عشوائية وانتهازية وغير كافية على الإطلاق"، متسائلاً: "كيف يمكننا تقديم المساعدات المنقذة للحياة في بيئة يُتجاهَل فيها التمييز بين المدنيين والمقاتلين؟ كيف يمكننا الحفاظ على أي نوع من الاستجابة عندما يُستهدَف العاملون في المجال الطبي ويُهاجَمون وتُشوَّه سمعتهم بسبب مساعدتهم للجرحى؟".
وحول استهداف المستشفيات، قال لوكيير: "لا يوجد نظام صحي يمكن الحديث عنه في غزة. وقد فكك الجيش الإسرائيلي المستشفيات واحداً تلو الآخر. ولم يبقَ إلا القليل في مواجهة مثل هذه المذبحة. إنه أمر غير معقول". وفي ما يخص الادعاءات الإسرائيلية بأنّ المرافق الطبية تُستخدَم لأغراض عسكرية، شدد على أن المنظمة الدولية لم ترَ أي دليل جرى التحقق منه بشكل مستقل على صحة تلك الادعاءات.
وفي مداخلته أمام مجلس الأمن، عبّر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، عن قلقه العميق "لاحتمال شنّ عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق في منطقة رفح المكتظة بالسكان، التي لجأ إليها نحو 1.4 مليون فلسطيني وحيث لدينا نقاط الدخول الوحيدة للبضائع"، مشيراً إلى أنه شعر بالصدمة عند زيارته الأخيرة لغزة لما شاهده هناك. وقدم المسؤول الأممي إحاطته الشهرية للمجلس من القدس المحتلة عبر تقنية الفيديو.
وشدد وينسلاند على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق "يؤدي إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية وإطلاق سراح الرهائن"، مؤكداً أنه "في الفترة من 18 كانون الثاني/يناير إلى 16 شباط/ فبراير، قُتل 4,327 فلسطينيًا وجُرح أكثر من 7,000 آخرين في القتال والعمليات الإسرائيلية في القطاع، ما رفع إجمالي القتلى الفلسطينيين في الحرب إلى أكثر من 28,000، والعديد منهم من النساء والأطفال".
وأشار إلى قتل 160 من موظفي الأمم المتحدة في غزة، وهي أكبر خسارة في الأرواح في تاريخ المنظمة، محذرًا من التصعيد في الضفة الغربية كذلك.