تتوالى المؤتمرات الدولية والإقليمية المخصصة لبحث الأزمة الليبية لكن هذه المرة بمشاركة واسعة من ليبيا، لا سيما في ظل رغبتها بتنظيم مؤتمر خاص لمناقشة "مبادرة استقرار ليبيا"، التي طرحتها حكومة الوحدة الوطنية في وقت سابق، ليبقى السؤال حول مدى قدرة تلك المؤتمرات على المساهمة في إنقاذ العملية السياسية في البلاد. وفيما أثنى رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، على الدور الجزائري في دعم استقرار وأمن ليبيا، تعليقاً على المؤتمر الوزاري لدول جوار ليبيا، الذي استضافته الجزائر على مدى اليومين الماضيين، أعرب عن أمله في دعم دول الجوار لمبادرة ليبية لاستضافة مؤتمر دولي لتفعيل "مبادرة استقرار ليبيا" وفق المقررات الدولية والأممية، وذلك بحسب ما ذكر المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي في بيان أمس الثلاثاء. وفي وقت أشار فيه المنفي إلى أن المؤتمر الوزاري الذي انعقد في الجزائر، جاء تتويجاً للقاء بينه وبين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، نهاية شهر يوليو/تموز الماضي، أعرب عن أمله في أن يدعم المؤتمر جهود بلاده في استضافة مؤتمر دولي وأن يكون بمثابة تحضير له.
أعرب المنفي عن أمله في دعم دول الجوار لاستضافة ليبيا مؤتمراً دولياً لتفعيل "مبادرة استقرار ليبيا"
وكانت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، أعلنت قبل أسبوع، أنها ناقشت مع المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيتش، التحضيرات لعقد مؤتمر دولي حول ليبيا "قريباً" من دون أن تحدد موعده، مشيرةً إلى أن المؤتمر المرتقب ستنظمه وتترأسه ليبيا بمشاركة أممية و"عدد من الدول الفاعلة في الملف الليبي". وأوضحت المنقوش أن المؤتمر المرتقب سيبحث "مبادرة استقرار ليبيا" التي أطلقتها حكومة الوحدة الوطنية في مؤتمر برلين الثاني (في 23 يونيو/حزيران الماضي)، بالإضافة لوضع آليات عملية لتنفيذ بنود مؤتمري برلين الأول (19 يناير/كانون الثاني 2020) والثاني. وجددت المنقوش الحديث عن هذه المبادرة في كلمتها في مؤتمر دول جوار ليبيا في الجزائر، أول من أمس الإثنين.
وكان رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، أعلن خلال مشاركته في مؤتمر برلين الثاني، عن "مبادرة استقرار ليبيا" وتركيزها على أربعة ملفات هي؛ الأمن ويتضمن وضع خطة لتأمين الانتخابات المقبلة وتوحيد المؤسستين الأمنية والعسكرية، وأيضاً التعامل مع المرتزقة والقوات الأجنبية. أما الملف الثاني، فقال الدبيبة إنه يركز على أهمية التوافق على إطار قانوني ودستوري للانتخابات الوطنية المقررة في ديسمبر/كانون الأول المقبل. وبينما أكد على عدم تدخل حكومته في هذا الملف، حث الأطراف الليبية على ضرورة تجاوز خلافاتها وضرورة مضيها في وضع القاعدة الدستورية التي ستجري بمقتضاها الانتخابات.
وبالنسبة للملف الثالث، فهو يركز على المصالحة الوطنية، بحسب الدبيبة، الذي أشار إلى أنه من مهمات المجلس الرئاسي، مشدداً على أهمية أن يفضي ذلك إلى عودة النازحين والمهجرين والسماح لهم بالمشاركة بالحياة السياسية. أما الملف الرابع في المبادرة، فهو المتعلق بالاستقرار الاقتصادي وتوفير الخدمات للمواطنين. وقد أكد الدبيبة أن هذا الملف من مهمات حكومته التي اعتبر أنها تخطو خطوات هامة في هذا الاتجاه، من بينها التركيز على المشروعات التنموية العاجلة، والتوزيع العادل للموارد على جميع المناطق.
"مبادرة استقرار ليبيا" تركز على أربعة ملفات
وتستضيف العاصمة المغربية الرباط قريباً، سلسلة من اللقاءات بين قادة الأطراف الليبية، من بينهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى خالد المشري، من دون أن يعرف ما إذا ستكون هذه اللقاءات مباشرة أو منفصلة. لكن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أشار خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نائب رئيس المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، في الرباط الأربعاء الماضي، إلى أن هدف هذه اللقاءات هو "التغلب على العراقيل التي تواجه العملية الانتخابية في ليبيا".
وتزامناً مع زيارة اللافي للمغرب، زار النائب الآخر للمجلس الرئاسي موسى الكوني، كلا من السودان وتشاد، لبحث مسألة الحدود المشتركة بين ليبيا والبلدين، وقضية تسرّب المسلحين من الدولتين عبر الحدود، وإمكانية تشكيل قوة مشتركة لتأمين هذه الحدود. ووفقاً لوسائل إعلام تشادية، فإن الكوني وجه دعوة لكل من تشاد والنيجر والسودان للمشاركة في مؤتمر على مستوى وزراء دفاع هذه الدول بالإضافة لليبيا، مشيرةً إلى أن المؤتمر "سيستضيفه المغرب الشهر المقبل" (سبتمبر/أيلول الحالي).
في السياق، لاحظ أستاذ العلاقات الدولية الليبي، حسين العائب، "تراجع نشاط العديد من العواصم الإقليمية بالملف الليبي في الآونة الأخيرة، مثل العواصم الأوروبية وأنقرة، مقابل نشاط لدول الجوار الليبي"، مرجحاً أن تكون "الدبلوماسية الأميركية النشطة وراء تضييق هوة الخلافات، ونقلها إلى سياق جديد في إطار خططها المتعلقة بكامل المنطقة". وأوضح العائب، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المؤتمر الذي تعتزم ليبيا عقده بمشاركة دول الجوار الليبي، لم يلقَ ترحيباً إلا من السفارة الأميركية التي فرغ سفيرها لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، قبل أسابيع، من لقاءات مع مسؤولين مصريين وأتراك أثناء زيارته لعاصمتي البلدين".
تستضيف العاصمة المغربية قريباً سلسلة من اللقاءات بين قادة الأطراف الليبية
ورجح العائب أن يتمحور "مضمون الرؤية الأميركية حول الدفع بالملف الليبي، خصوصاً قضية المرتزقة والقوات الأجنبية، إلى دائرة أضيق، بحشد دور لدور الجوار وتفعيل مواقفها للضغط على الدول المتدخلة عسكرياً في ليبيا". وقال: "أعتقد أن الخطوة تعكس تعثراً في المفاوضات الجارية بين تركيا وروسيا بشأن إجلاء قواتهما، خصوصاً مع مؤشرات تبرز في تصريحات القادة في موسكو، وتدل على رغبتهم في تأجيل الانسحاب إلى ما بعد الانتخابات".
وفيما رأى العائب أن دعوة ليبيا لمؤتمر دولي وإشرافها عليه ومحاولة فرض مبادرة خاصة بها "تعكس نقلة كبيرة، إذ إنها كانت ضيفاً في المؤتمرات السابقة ومن دون تأثير كبير"، لا يرى الصحافي الليبي، فتحي الشهوبي، في المقابل أي جدوى لمثل هذه الخطوة. وقال الشهوبي في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الأصل في أزمة البلاد داخلي، أما الفاعلون الإقليميون والدوليون، فلا خلاف بينهم في مسألة تسوية الوضع في ليبيا، بدليل مؤتمري برلين الأول والثاني، لكن الخلاف مع من يحققون السلام داخلياً"، موضحاً أن "المشكلة تكمن في تعدد رؤوس القيادة في ليبيا، فكيف لسلطة لم تتمكن من فرض نفسها في البلاد أن تنفذ مخرجات أي من هذه المؤتمرات؟". وتابع أن "لجوء الحكومة والمجلس الرئاسي للمجتمع الدولي مجدداً، سيفهم منه عجزهما عن فرض السلطة في البلاد"، مشيراً إلى أن "مضمون مبادرة الحكومة لاستقرار ليبيا، ينصبّ على الداخل ومعالجة مشاكله؛ كالاقتصاد وتوحيد السلاح وغيرها، وهي قضايا لن تفصل فيها دول الجوار".