فرضت مليشيات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، اليوم الجمعة، حصاراً مطبقاً على منطقة بوهادي التابعة لمدينة سرت (شمالاً)، تخللته مداهمات للقبض على معارضين لحفتر.
وحتى الساعة تتكتم قيادة مليشيات حفتر، والحكومة المكلفة من مجلس النواب التي تتخذ من مدينة سرت مقراً مؤقتاً لها، عن بيان أسباب الحاصر.
في حين أفاد شهود عيان من بوهادي، لـ"العربي الجديد"، بأن الحصار يدخل اليوم الجمعة يومه الثالث، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن الخناق يشتد على الأهالي كل يوم بسبب الحصار.
وقال عبد المنعم الخطري، أحد الشهود، إن "مليشيات حفتر تمنع منذ أيام السكان من الخروج من المنطقة، أو الدخول إليها، وبينما أغلقت المحال التجارية وكافة الخدمات ومنعت دخول المؤن الغذائية".
وتوافقت شهادة الخطري وغيره من الشهود لـ"العربي الجديد" بأن بداية الأمر كانت مع منع مليشيات تابعة لحفتر أبناء قبيلة القذاذفة الذين يقطنون منطقة بوهادي من الاستعداد للاحتفال بذكرى وصول العقيد الراحل معمر القذافي إلى الحكم، والذي يوافق الأول من سبتمبر/ أيلول المقبل، إذ أقدم بعض الأهالي على تعليق الرايات الخضراء على بعض المباني العامة.
وتابع الشهود روايتهم قائلين إن "سيارة مجهولة قدمت من خارج المنطقة أطلقت الرصاص على نقطة أمنية تابعة لحفتر، ليل الأربعاء الماضي، ما حدا بكتائب تابعة لمليشيات طارق بن زياد وقوة المهام الخاصة إلى فرض الحصار فوراً على المنطقة، ومنعت السكان من المغادرة، وأوقفت الخدمات وأغلقت المصارف وكافة المؤسسات وكذلك المخابز ومحالات البقالة".
وداهمت المليشيات المحاصرة للمنطقة البيوت واعتقلت عدداً من سكان المنطقة، فيما أفاد الشهود بأن تلك المليشيات طالبت بتسليم بعض الأشخاص قبل فرض الحصار، رغم تأكيد الأهالي أن المطلوبين ليسوا من المنطقة.
ولم يصدر من جانب قوات حفتر سوى بيان مقتضب عن الغرفة الأمنية بسرت التابعة لمليشياته، مشيرة إلى أن وجودها في المنطقة "جاء للقبض على مجموعة خارجة عن القانون مطلوبة على ذمة قضايا وتختبئ في البلدة".
ولم تسم الغرفة المطلوبين، ولم تشر إلى القضايا المطلوبين بسببها، إلا أنها نفت وجود أي حصار للمنطقة، موضحة أن تمركزها العسكري "خارجها".
وتقع بوهادي على بعد 20 كيلومتراً جنوب مدينة سرت (مسقط رأس العقيد الراحل معمر القذافي، وموطن قبيلة القذاذفة). كذلك يعتبر سكان سرت ومحيطها من أكثر المؤيدين لنظام القذافي.
وعبّر الشهود عن انزعاجهم من تعطل دراسة أبنائهم، لا سيما أن الفترة الحالية تشهد تقديم الطلاب امتحانات الشهادة الثانوية، بالإضافة إلى تعطل الحياة المدنية بالبلدة جراء وجود حواجز أمنية لمليشيات حفتر تفتش المارة وتستفزّهم، وكذلك فصل الاتصالات وخدمة الإنترنت عن المنطقة، وفقاً لشهادة الخطري.
وأفاد الشهود كذلك بأن المقتحمين للبيوت "مزّقوا أعلاماً خضراء وصوراً للقذافي وسألوهم عن سيف الإسلام نجل القذافي".
ويربط الخطري بين ما يحدث في بوهادي والصراع الذي حدث بين مليشيات حفتر ومؤيدي ترشح سيف الإسلام في مدينة سبها، أثناء إقدام الأخير على الترشح للانتخابات الرئاسية نهاية العام الماضي.
وقبيل الانتخابات المؤجلة، شهدت سرت ومناطق الجنوب الليبي مشادات بين قوات حفتر التي تسيطر عسكرياً على سرت والجنوب من جهة، وسكان المدن والمناطق المؤيدة لسيف الإسلام من جهة أخرى.
وكانت سرت في تلك الفترة قد شهدت عمليات اعتقال شنتها مليشيات حفتر على مؤيدين لسيف الإسلام، وفي المقابل نظم مؤيدو سيف الإسلام عدة وقفات احتجاجية رفضاً لتصرفات حفتر.
وليس من أسباب لحصار بوهادي، وفقاً لرأي الخطري، سوى الانتقام وعدم السماح بوجود أي مؤيدين سوى لطيف حفتر العسكري والسياسي.
من زاوية أخرى، رأى الناشط السياسي رموزي المقرحي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن حفتر يعتبر سرت موقعاً استراتيجياً، فهي النقطة الأخيرة قبل الوصول إلى مناطق غرب سرت التي تسيطر عليها قوات معسكر غرب البلاد.
ورسم هذا المشهد كإحدى نتائج الحرب الأخيرة في طرابلس ومحيطها في عامي 2019/ 2020، حين توقف بانسحاب مليشيات حفتر شرقاً في يونيو/ حزيران 2020 وتمركزت في سرت مع القوات المساندة لها من المرتزقة الأفارقة، وقوات فاغنر الروسية، وهو ما يعتبره المقرحي دليلاً على أهمية المنطقة بالنسبة لحفتر.
وقال المقرحي متحدثاً لـ"العربي الجديد": "يجب أن لا ننسى أن قاعدة القرضابية قريبة جداً من بوهادي، وهي أهم قواعد حفتر العسكرية في المنطقة، كما أنه لا يحبذ انكشاف أسرارها، خصوصاً أن فاغنر وأسلحتها داخلها، وبالتالي فبروز أي معارضة في المنطقة يشكل خطراً كبيراً عليه ولذا يجب وأد أي تحرك قبل أن يكبر".
وأشار في الشأن إلى أن الخطر يأتي من كون سرت ذات ثقل اجتماعي وقبلي كبير بالنسبة لمؤيدي النظام السابق.
وفيما تلزم الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا الصمت حيال أحداث بوهادي، يلتزم مجلس النواب الصمت أيضاً.
في المقابل، تطرق رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، في كلمة له أمس الخميس أمام مجلس الوزراء، وبشكل مقتضب لما يحدث في أبو هادي، قائلاً: "يؤسفني تعرض المواطنين الآمنين للظلم في منطقة بوهادي وسط صمت وسكوت الجميع".
ودعت هيئات أهلية وحقوقية عدة، منها منظمة رصد، إلى ضرورة فض الحصار المضروب على بوهادي.
كذلك رصدت وقائع حرمان مليشيات حفتر أهل المنطقة من التنقل والوصول إلى المرافق الخدمية وإغلاق المحال التجارية.
وقالت منظمة رصد إنها سجلت "اعتداءات على المنازل وقطعاً للاتصالات والإنترنت".
وطالبت قيادة حفتر "بإنهاء حظر التجوال والقيود المفروضة على حرية التنقل وإعادة الاتصالات".