مؤتمر "المركز العربي": تحذيرات من انهيار الدولة في السودان وتأخر الاستجابة لمطالب الإصلاح في الجزائر
بدأت في الدوحة، اليوم السبت، أعمال المؤتمر السنوي العاشر لقضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي "الموجة الثانية"، الذي يعقده "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، عبر منصة "زوم" ومنصات المركز على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويستمر المؤتمر الذي يناقش تجربتي السودان والجزائر، بمشاركة أكاديميين وخبراء عرب، مدة 4 أيام.
وأسفرت انتفاضتان شعبيتان في السودان والجزائر عن تغييرٍ لم يكن متوقعاً في ظل هيمنة الأنظمة الحاكمة؛ إذ أطُيح الرئيس عمر البشير في 11 إبريل/نيسان 2019، تحت وقع تظاهرات جماهيرية جارفة.
وبالمثل، أسفرت الموجة الاحتجاجية العاتية في الجزائر عن الدفع بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى إنهاء عُهْدته بصفته رئيساً للجمهورية في 2 إبريل/نيسان 2019، ومنذ تلك التطورات، يشهد السودان والجزائر عملية انتقال سياسي صعبة، تستهدف الانتقال إلى النظام الديمقراطي القائم على التعددية السياسية وحكم القانون والمواطنة وحماية الحريات المدنية والسياسية، إلا أنّ مسار الانتقال في هذين البلدين يواجه العديد من العقبات والتحديات.
وطرح رئيس قسم العلوم الاجتماعية بـ"مركز ابن خلدون" في جامعة قطر، التيجاني عبد القادر حامد، عدة تساؤلات في ورقة العمل التي شارك فيها في الجلسة الأولى للمؤتمر، والتي عنونها "الثورة السودانية وآفاق الانتقال الديمقراطي".
وتساءل حامد في ورقته: "أكان سقوط نظام الإنقاذ نتيجة لمبادرة من الداخل أم لتحالف المعارضة، أم للاثنين معاً؟ وما مدى تأثير العامل الخارجي في مرحلة إسقاط النظام والانتقال إلى الديمقراطية؟ أيتُوقع أن يتبع نظام ما بعد الإنقاذ مساراً ديمقراطياً، أم سيتحول إلى نظام تسلطي جديد؟".
وانتهى التيجاني إلى القول إنه ليس من المستبعد أن يكون الهدف المتفق عليه بين القوى الدولية وشركائها السلطويين في الإقليم هو الانتقال بالسودان إلى النظام "الهجين"، حيث تبقى عناصر النظام السلطوي القديم ممسكة بمفاصل السلطة، ولكن مع المحافظة على الحد الأدنى من الديمقراطية. هذا فضلاً عن أنّ التحالف العسكري - المدني الحاكم سيجد دعماً من الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي ومن حلفائها الإقليميين، يمكّنه من تفكيك مؤسسات النظام السابق، واستيعاب عدد من الحركات المسلحة في العملية السياسية، والانخراط المتدرج في المنظومة الدولية (الأمنية والاقتصادية).
وحذر التيجاني من التحديات التي تواجه الداخل السوداني، والحكومة الانتقالية التي تواجه تحديات صعبة قد لا تؤدي إلى انهيار الوضع الانتقالي فحسب، وفق ما خلص إليه، وإنما إلى انهيار الدولة السودانية ذاتها.
أما أستاذ العلوم السياسة بجامعة الخرطوم حسن الحاج علي فقد ناقش، في ورقة العمل التي طرحها، "تأثير التحالف الحاكم في مسار الفترة الانتقالية في السودان"، قائلاً إنّ هذا التحالف يعكس خيارات استراتيجية مختلفة، وربما متضاربة في بعض الحالات، عسكرية وأمنية، ما يطرح العديد من الأسئلة عن درجة التوافق المتوافرة بين مكونات التحالف، وكيف يدُار تنوع خيارات النخب الاستراتيجية وهل سيقود التحالف الهجين الفترة الانتقالية إلى الديمقراطية.
ويضيف الحاج علي أنّ استقرار الفترة الانتقالية يعتمد على القدرة على إدارة الخيارات الاستراتيجية المتنوعة لنخب التحالف، وعلى أمد الفترة الانتقالية؛ إذ كلما زاد أمدها، زاد احتمال عدم استقرارها.
ويقول الأكاديمي والصحافي عبد الله علي إبراهيم، الذي قدّم في المؤتمر ورقة عنونها "مفهوم الصفوة: إننا نتعثر حين نرى"، إنّ الفترة الانتقالية الحالية في السودان يخيم عليها شبح الفشل الذي يأتيها مما جرى التعارف عليه بـ"الحلقة الجهنمية"، مشيراً إلى أنّ هذه الحلقة تنتهي بانقلاب ومن ثم التحول إلى ديكتاتورية.
وعزا اليأس الباكر إلى ما استقرأه المحللون من تجربة سبقت فترتين انتقاليتين عامي 1964 و1985، قام إثرهما نظام ديمقراطي، ثم طواهما انقلابان عسكريان عامي 1969 و1989. وأضاف "يضع المحللون فشل الفترات الانتقالية على عاتق الصفوة التي تنادي بالحكم المدني، فمتى تنازعت الصفوة المدنية، آلت مقاليد الأمور إلى العسكر بصورة تلقائية".
تحديات بناء الدولة وقضايا الدستور في الجزائر
وتناول الأستاذ بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة مولاي الطاهر في الجزائر عبد القادر العالي في الورقة التي قدمها في الجلسة الثانية للمؤتمر "طبيعة السلطة السياسية في الجزائر بعد الحراك الشعبي بين طموح الانتقال الديمقراطي وترسيخ النموذج الأنوقراطي"، إذ قام بتحليل العلاقة التفاعلية بين الحركات الاحتجاجية والنظام الانتقالي ذي الطابع "الأنوقراطي" في الجزائر، وكيف تؤدي استراتيجيات البقاء والتعامل مع المطالب الاحتجاجية إلى إعاقة الانتقال الديمقراطي أو إنتاج مخرجات محدودة تجاهه.
وتساءل العالي: هل تسمح طبيعة النظام السياسي للحراك أن يدفع نحو مزيد من الخطوات في مسار الانتقال الديمقراطي؟ وتوسيع مجال نشاط المجتمع المدني وقدراته وتوليده لحركات اجتماعية وسياسية قوية ومأسسة بما يمكن أن يغير من قواعد اللعبة السياسية، ويوجه السلوك الاحتجاجي نحو تجنّب العنف السياسي؛ ويؤدي إلى إصلاحات مؤثرة في قواعد السلوك والقرار السياسي داخل النظام السياسي؟.
أما الأستاذ المساعد في القانون بالمعهد العالي للدراسات التكنولوجية ببنزرت عدنان نويوة، ققدّم ورقة بحثت في سبل مساهمة سياسة مكافحة الفساد في رفع التحديات التي تواجه الجزائر في ضوء الحراك الشعبي، الذي اندلع سنة 2019 وأفضى إلى دخولها في انتقال ديمقراطي.
وقال إنّ سياسات مكافحة الفساد المرتكزة على القوانين والمؤسسات، والمعدّلة إثر الانتقال الديمقراطي والاقتصادي، تساعد في بناء قدرات الدولة التي تشمل القدرة على المساءلة والمحاسبة السياسية والقضائية والمجتمعية للمتورطين في الفساد، وهي ضامن رئيس لنجاح الانتقال.
وناقش أستاذ التعليم العالي في القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية بجامعة الجلفة بالجزائر كمال جعلاب "المسار الدستوري والانتقال الديمقراطي في الجزائر"، وبحث في مدى فاعلية المسار الدستوري في الجزائر في إطلاق عملية الانتقال الديمقراطي كما عبرّت عنه مطالب الحراك الشعبي في فبراير/شباط 2019، ورصد محطاّت هذا المسار الذي اعتمدته السلطة مقاربةً وحيدةً في الاستجابة لمطالب الحراك.
وقال إنّ المسار الدستوري في الجزائر ظل متأخراً عن مطالب الحراك، وظلتّ مبادرات السلطة حبيسة مسار دستوري شكلي لم يتجاوز في محتواه تعديل المعدّل بهدف إعادة إنتاج النظام بشكلٍ جديد، ولكن بالقيم الجوهرية نفسها التي كانت تميّز النظام القديم.
وخلص إلى القول "إذا كانت مقاربة الحل الدستوري التي تمسكّت بها السلطة بعد استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، قد تكون المسار الأكثر أماناً في حالة أزمة سياسية يختلف فيها الفاعلون في طريقة الانتقال الديمقراطي وليس في محتواه، فإنّ فاعلية هذا المسار في دعم عملية الإصلاح ستظّلّ مرتبطة بإرادة السلطة السياسية في الوصول مباشرًةً إلى المحطة التي يتحقق فيها ذلك الإجماع حول ضرورة هدم كل قواعد النظام الدستوري القائم، ومن ثم إعادة تشكيل نظام دستوري بقواعد جديدة تجسّد مبادئ الدستورانية الحديثة وتحقّق مطالب الإصلاح".