أهداف بارزة لاتفاق البرهان حمدوك
استكمال التطبيع مع إسرائيل
إقصاء "الحرية والتغيير"
فرض هيمنة العسكر
تنفيذ سياسة البنك الدولي دون تحفظ
فتح الاتفاق السياسي الذي وقّعه، أمس الأحد، قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، بهدف إنهاء الأزمة التي اندلعت في السودان، الباب أمام التساؤلات حول الأهداف الرئيسية لتراجع قائد الانقلاب عن خطواته السابقة.
ولاتفاق أمس بين البرهان، الذي سمى نفسه عقب الانقلاب رئيساً لمجلس السيادة، وحمدوك، الذي عاد لممارسة مهامه الحكومية، 4 أهداف رئيسة، كما هو واضح، ترتبط بشكل وثيق بالمصالح الإقليمية والدولية، بعد الضغوط الدولية المكثفة والمظاهرات الداخلية التي لم تتوقف عن المطالبة بعودة الحكم المدني.
ويقضي الاتفاق بعودة حمدوك إلى منصبه كرئيس للوزراء، وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، وإطلاق سراح المعتقلين، والعودة للعمل بالوثيقة الدستورية، وهو اتفاق عدّه تحالف "قوى الحرية والتغيير" شرعنة عملية لانقلاب البرهان العسكري، وخيانة من حمدوك لمبادئ وشعارات الثورة.
وبمعزل عن الجدل حول شرعنته للانقلاب، برز من خلال اتفاق أمس كل من البرهان وحمدوك ومن بعدهما قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، كمثلث يعبر كل ضلع فيه عن مصالح المجتمع الدولي، تمثلها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، ومصالح إقليمية تمثلها مصر والإمارات والسعودية من جهة أخرى.
ويظل الأمر الأبرز في الاتفاق تجاوزه الرغبات الشعبية المتمظهرة حالياً في حراك ثوري مستمر، تضاعف زخمه منذ اليوم الأول للانقلاب رفضاً له ولأي تفاوض مع العسكر، أو التفكير في عقد صفقة سياسية جديدة معهم لشرعنة انقلابهم.
ويحقق اتفاق البرهان وحمدوك جملة من الأهداف للتوافق الدولي والإقليمي في السودان، أبرزها:
-
استكمال التطبيع مع إسرائيل
ففي نوفمبر/شباط 2020، اجتمع البرهان، برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، في مدينة عنتبي الأوغندية، لتدشين التطبيع بين البلدين، حيث أظهر البرهان حماساً منقطع النظير، ومازال، للخطوة التي أقدم عليها بعيداً عن حكومة حمدوك، وبعيداً عن تحالف "الحرية والتغيير".
غير أن اللقاء مُنى بمعارضة قوية، سواء من الأحزاب المشاركة في تحالف "الحرية والتغيير" أو التيارات السياسية والدينية خارج الحكومة، إضافة لأصوات عديدة في الشارع السوداني، اعتبرت اللقاء ضربة للمواقف السودانية المشهودة بشأن القضية الفلسطينية.
وأدى ذلك إلى إبطاء خطوات التطبيع، دون أن يمنع ذلك المكون العسكري من مواصلة الانفراد بالتواصل مع الجانب الإسرائيلي والسماح بزيارات سرية وعلنية لمسؤولين إسرائيليين.
ولم يتسن للمكون العسكري استكمال عملية التطبيع بتبادل السفارات والمصالح، بعدما قررت حكومة حمدوك والتحالف الحاكم خلفها ترك الأمر برمته للبرلمان لاتخاذ قرار بشأنه، وربما يجد العسكر الفرصة سانحة الآن، وبالدعم الإقليمي والدولي، لتسريع خطى التطبيع قبل أي وقت مضى.
ويرى المحلل السياسي أحمد خليل، أن "الطريق بات سهلاً عقب اتفاق البرهان حمدوك للتطبيع، خاصة أن إسرائيل نفسها هي واحد من الداعمين الإقليميين لانقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول، ومعها عرابة التطبيع العربي الإسرائيلي دولة الإمارات".
وأشار خليل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لم يكن من الرافضين صراحة لمبدأ التطبيع ولا لتحركات البرهان، وأن المقاومة برزت من حزب الأمة وقوى اليسار".
وأوضح المتحدث ذاته أن "القوى المعارضة التي أبعدت من الحكومة ستكون أكثر قوة وصلابة في مواجهة التطبيع، لتحررها من القيود التنفيذية الحكومية وتقبلها من قبل على مضض ببعض الخطوات التطبيعية، وهو ما لن يحدث هذا المرة".
-
إقصاء "الحرية والتغيير"
يرتبط إقصاء تحالف "قوى الحرية والتغيير" بالتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي إلى حد كبير وواضح، فالتحالف المشكّل من أكثر من 40 حزباً وتياراً سياسياً يعتقد العسكر أنه جسم مترهل ومتباين في البرامج والأيدولوجيات والمواقف، وليس بإمكانه اتخاذ قرارات مفصلية وسريعة كقرار التطبيع الكامل.
وبالتالي، فإن إبعاده من المشهد كلياً واستبداله بتحالف بديل يسهل تطويعه والسيطرة عليه، مع الإشارة إلى أن أحزابا كبرى مشاركة في تحالف "الحرية والتغيير" لديها مواقف مبدئية رافضة للتطبيع مثل حزب "الأمة القومي" و"البعث" بفصائله المختلفة و"الحزب الشيوعي" قبل انسحابه من التحالف.
وظلت تلك الأحزاب على اعتراض دائم على مسار التطبيع، خصوصاً حزب "الأمة القومي" بثقله الشعبي وبعده الديني، بدليل أن ممثله داخل الحكومة، مريم الصادق المهدي، سجلت في أكثر من مرة تحفظاً على الاتصالات الدبلوماسية مع إسرائيل دون علمها بصفتها وزيرة للخارجية ودون مناقشة الموضوع داخل الأطر الحكومية.
وبخلاف التطبيع، فإن إقصاء "الحرية والتغيير" سيحقق مكاسب أخرى لمعسكر الانقلاب، بما في ذلك فرملة المسار الديمقراطي، أو إنتاج وضع يُمكّن البرهان من الترشح في أقرب انتخابات.
وقد لا تنتهي عملية الإقصاء والتهميش للأحزاب السياسية عند "الحرية والتغيير"، فالأطراف التي دعمت الانقلاب مثل الحركات المسلحة الموقّعة على اتفاق السلام مع الحكومة، مرشحة أيضاً في مرحلة من المراحل للإقصاء أو التهميش.
وقد بدت ملامح ذلك واضحة في اتفاق البرهان حمدوك أمس، إذ نص على تشكيل حكومة كفاءات مستقلة عكس توجهات الانقلاب في أيامه الأولى الذي احتفظ للحركات الموقعة على اتفاق السلام بمناصبها في الحكم.
وفي هذا الصدد، يرى رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة النيلين، فتح الرحمن أحمد الأمين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الضغوط الدولية التي هندست الاتفاق بين البرهان وحمدوك، وضعت نصب أعينها المواءمة بين القيادة المدنية والعسكرية وتجاهل القواعد والحواضن السياسية لكل طرف".
ورجح أنه "سيتم إبعاد الحرية والتغيير كلياً أو بنسبة كبيرة، وفي الوقت نفسه إقصاء الحركات المسلحة أيضاً رغم دعمها للعسكر في مواجهة المدنيين، خصوصاً وأن الهندسة نفسها أقرت الإبقاء حتى الآن على المجلس السيادي بالتكوين الذي قرره المكون العسكري، ومنح حمدوك فرصة تشكيل حكومة كفاءات باستقلالية ودون تدخل من العسكر".
وتابع قائلا "بالتالي، يظل الشك موجودا بشأن مصير تمثيل الحركات المسلحة في حكومة التكنوقراط، وما جاء في الاتفاق من أحاديث عن إشراك الطرق الصوفية ولجان المقاومة وقادة المجتمع، هو مجرد خطاب استرضائي شعبوي لن يجد مكاناً على أرض الواقع".
-
فرض هيمنة العسكر
بعد الوثيقة الدستورية الموقعة في عام 2019 وجد العسكر أنفسهم بمواقع تشريفية في مجلس السيادة، بلا أي صلاحيات حقيقية، وهذا ما دفعهم في أكثر من مرة للتغول على صلاحيات الحكومة التنفيذية.
وحرصوا عبر الاتفاق مع حمدوك على إدخال نص يتحدث عن إشراف مجلس السيادة على الفترة الانتقالية، دون أن يتم تحديد طبيعة ذلك "الإشراف"، وما إذا كان استعمال عبارة فضفاضة سيتيح لهم التدخل في كل شيء.
كذلك نص الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك على تعديل الوثيقة الدستورية في بندها المتعلق بصلاحية مجلس السيادة، والهدف على ما يبدو هو إدخال نصوص جديدة تعطي المجلس صلاحيات تتعلق بعملية السلام والاقتصاد والعلاقات الخارجية، مع منحهم الصلاحيات المطلقة فيما يتعلق بالسيطرة على الشرطة وجهاز المخابرات التي توضح الوثيقة الحالية تبعيتها للحكومة المدنية.
كما أن الحديث عن دور اقتصادي سيبقي الشركات الاقتصادية الأمنية والعسكرية تحت تصرفهم، خصوصاً أن المطالب أن تصبح تلك الشركات تابعة لوزارة المالية ظل واحداً من أهم مطالب ما بعد الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق، عمر البشير.
هاته الهيمنة قد تتحقق بسهولة بعد الاتفاق، خصوصاً وأن الطرف الثاني، حمدوك، دخل إلى التحالف مع العسكر بعد أن فقد حاضنته السياسية وفقد دعم الشارع له عقب توقيعه على الاتفاق مباشرة، ووجد نفسه كفرد لا تسنده إلا موافقة العسكر على عودته ودعم المجتمع الدولي.
هذا ما يذهب إليه ويتفق معه عضو هيئة محامي دارفور، الصادق اسحق، الذي أكد لـ"العربي الجديد" أن "الاتفاق السياسي تجاوز الوثيقة الدستورية وخالفها، وأن أي محكمة دستورية يتم تشكيلها وتمتلك الإرادة الكاملة ستطبل الاتفاق، لأن حمدوك وقّع عليه كفرد بلا تفويض ولا تمثيل لأي جهة شريكة بموجب الوثيقة الدستورية".
وأضاف أن "الوثيقة تجعل من رئيس الوزراء مجرد موظف لدى البرهان الذي تراكمت كل الصلاحيات في يديه وشرعن قبضته على السلطة وعلى الوضع السياسي".
-
تنفيذ سياسة البنك الدولي بدون تحفظ
رابع الأهداف من تحالف البرهان حمدوك هو ضمان التنفيذ الكلي لوصفة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فتلك السياسة التي يتحمس لها حمدوك بخلفيته كموظف سابق في الأمم المتحدة وقريب من دوائر القرار الدولي، وجدت مناهضة من أحزاب سياسية شريكة في الحكم أبطأتها كثيراً لآثارها العميقة على حياة المواطنين، ومنذ الأمس قد يكون قد عُبد لها الطريق للتنفيذ بحذافيرها.
ويرى رئيس اللجنة الاقتصادية بقوى "الحرية والتغيير"، عادل خلف الله، أن "حتى وصفة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لن يكتب لها النجاح في ظل النظام الذي أنتجه اتفاق البرهان حمدوك، لأن ركائز أي سياسة اقتصادية تحتاج إلى استقرار سياسي لا يتوفر الآن".
وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "القوى الاجتماعية والسياسية المؤيدة للانقلاب والتسوية السياسية وبما لديها من خلفيات بمجال الفساد وعدم الشفافية، لا تشجع على تنفيذ سياسة اقتصادية ذات جدوى تواجه الأزمة الاقتصادية ولن تعطي مؤشرات إيجابية تساهم في جذب الاستثمار ودخول الشركات العالمية".
وحذر خلف الله من أن "القمع الممارس من قبل الانقلابيين تجاه الشعب سيضع السودان ضمن تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، وهذا ما قد يمنع المؤسسات الدولية من تقديم أي دعم اقتصادي للسودان بسبب تلك الانتهاكات".