ما لا يفصله التاريخ... لا تفصله القوة

25 سبتمبر 2024
من القصف الإسرائيلي على العاقبية، جنوبي لبنان، 24 سبتمبر 2024 (محمود الزيات/فرانس برس)
+ الخط -

على صغر لبنان ساحة ومساحة، يظل البلد عنوان مقاومة وتحمّل في سبيل صد المشروع الصهيوني ما لم تتحمّله قارة بأكملها. لا ينظر الإسرائيلي إلى لبنان جيبا مقاوما فحسب، بل يعتبر أن ظهره يبقى مكشوفاً طالما بقيت المقاومة في لبنان فكرة وعنواناً أساسياً، بغض النظر عن الفواعل التي يمكن أن تطور هذه الفكرة إلى فعل. العدوان الإسرائيلي على لبنان واضح في عنوانه السياسي، من حيث تعمّد خفض كامل قدرات المقاومة في لبنان، على أمل إعادة سكان المستوطنات إلى الشمال، لكن الهدف الاستراتيجي الأكثر أهمية والذي يظهر من الزاويتين البعيدة والقريبة في آن، هو الفصل بين المقاومة على المسار اللبناني، بما هي سند ميداني في المواجهة القائمة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والمقاومة على كامل المسار الفلسطيني. وما لم يتحقق ذلك للإسرائيلي، فإنه يبقى خاسراً لا محالة، مهما كانت النتائج على صعيد الخسائر والمقدرات، لأنه يبقى في نفس نقطة افتقاد عامل الأمن لمستوطنيه في الشمال المحتل.

ما لا تفصله الجغرافيا والتاريخ لا تفصله القوة ولا الإرادات المهزومة والمأزومة، وفكرة الفصل بين مسارات المقاومة للانفراد بالجانب الأكثر أهمية جغرافياً أو استراتيجياً بالنسبة لمشروع الاحتلال، ليست جديدة. في تجربة الثورة الجزائرية، مع فارق الجغرافيا والسياقات، ما يعطي هذا المعنى ويعزّزه على صعيد المواجهة التاريخية بين الاحتلال مشروعاً والمقاومة فكرة وفعلاً. في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 1955، تأسس في القاهرة مشروع الكفاح المغاربي المسلح المشترك، وولد جيش تحرير المغربي العربي بمساهمة من رموز المقاومة في الأقطار المغاربية الثلاثة، عبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي من المغرب، محمد خيضر وأحمد بن بلة ومحمد بوضياف من الجزائر والصالح بن يوسف والطاهر لسود من تونس. لكن فرنسا القائمة على الاحتلال انتبهت إلى أن تزامن المسارات الثلاثة للمقاومة، وتضامن الجبهات الثلاث، مكلف، وليس في صالحها.

لذلك عملت بكل الطرق العسكرية والسياسية على وأد المقاومة في تونس، والتي انتهت عمليا عام 1958، بفعل تسويات الاستقلال الداخلي، ووأد المقاومة في المغرب، والتي انتهت في الفترة نفسها، بإعادة الملك محمد الخامس من منفاه، والاعتراف باستقلال المغرب، لتتفرغ إلى الجزائر، لكن الوقت كان قد فات، وقرار التاريخ قد وقع بأن يرحل الاحتلال ولو بعد حين.قد يتسع النهم الإسرائيلي للإجرام والتقتيل والسيطرة، والأحداث الدراماتيكية ربما ما زالت تلوح في الأفق، وقد يكون الأسوأ في انتظار لبنان والمنطقة بالكامل، في غيابٍ أي موقف عربي وإقليمي رادع لهذا الطغيان الاسرائيلي، لكنه، في النهاية، لن يحقق للإسرائيلي مفهوم الوجود الآمن بأي معنىً كان، ولن يتمكّن من رسم حدود آمنة أو مجتمع مستقر، ستبقى إسرائيل كيانا ومجتمعاً قائماً على قلق الجغرافيا، ناهيك عن قلق التاريخ الذي بدأ يتجه بعكس ما يرغب فيه تماماً، خاصة بعدما فقد عملياً سردية الوجود التي كان يغلق بها على العقل الغربي. 

المساهمون