ما مصير الفصائل الكردية مع تغير ميزان القوى في سورية؟

21 ديسمبر 2024
خلال تظاهرة في القامشلي، 19 ديسمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه الفصائل الكردية في سوريا تحديات كبيرة للحفاظ على مكاسبها السياسية بعد إسقاط نظام الأسد، مع تغير ميزان القوى لصالح الفصائل المدعومة من تركيا وزيادة النفوذ التركي.
- تركيا تعتبر الفصائل الكردية تهديداً لأمنها القومي، وتحقق الفصائل المدعومة من تركيا تقدماً عسكرياً ضد "قوات سوريا الديمقراطية"، مع توقعات بسحب الدعم الأجنبي للفصائل الكردية.
- هناك محاولات للحوار بين الأكراد وتركيا، مع استعداد الأكراد للتفاوض، بينما تسعى الولايات المتحدة لإيجاد حلول لإدارة معسكرات "داعش".

مع تغير ميزان القوى في سورية بعد إسقاط نظام بشار الأسد تقف الفصائل الكردية الرئيسية في سورية في موقف دفاعي، بينما تسعى للحفاظ على المكاسب السياسية التي حققتها على مدى 13 عاماً. وسيطرت هذه الفصائل على ما يقرب من ربع مساحة البلاد، وقادت جماعة مسلحة قوية تعد حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة في مواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي.

وقال محللان ودبلوماسي غربي كبير لوكالة "رويترز" إن ميزان القوى لم يعد يرجح كفة الفصائل الكردية منذ دخول مقاتلي "هيئة تحرير الشام" دمشق هذا الشهر وإسقاطهم نظام بشار الأسد. ومن المتوقع أن يؤدي هذا التغيير المزلزل في سورية إلى زيادة النفوذ التركي في الوقت الذي يثير فيه أيضاً تغيير الإدارة الأميركية تساؤلات بشأن المدة التي ستستمر فيها واشنطن في دعم الفصائل الكردية في سورية.

وأما في ما يخص تركيا، فتمثل الفصائل الكردية تهديداً للأمن القومي إذ تعتبرها أنقرة امتداداً لـ"حزب العمال الكردستاني" الذي يشن تمرداً ضد الدولة التركية منذ عام 1984، وتعتبره تركيا والولايات المتحدة وقوى أخرى منظمة إرهابية. وقال الباحث بمركز أبحاث "سينشري إنترناشيونال" بالولايات المتحدة، آرون لوند، إن الجماعات الكردية السورية "تواجه مشكلة كبيرة للغاية". وتابع قائلاً "تحوَّل الميزان بشكل جوهري في سورية نحو ترجيح كفة الفصائل المدعومة من تركيا أو المتحالفة معها، ويبدو أن تركيا مصممة على استغلال ذلك على الوجه الأكمل".

وانعكس هذا التحول على تجدد القتال للسيطرة على الشمال حيث حققت فصائل مسلحة مدعومة من تركيا، معروفة باسم "الجيش الوطني السوري"، تقدماً عسكرياً في مواجهة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي يقودها الأكراد. وقال فنر الكعيط، وهو مسؤول كبير في الإدارة الإقليمية التي يقودها الأكراد، في تصريح لـ"رويترز" إن إسقاط نظام الأسد يمثل فرصة لإعادة تماسك الدولة المنقسمة. وعمل حزب "البعث" الذي قاده الأسد على قمع الأكراد على مدى عقود.

أردوغان يتوقع سحب دعم الفصائل الكردية الأجنبي

وقال الكعيط إن الإدارة مستعدة للحوار مع تركيا، لكن الصراع في الشمال أظهر أن أنقرة لديها "نيّات سيئة جداً.. بالتأكيد هذا سيدفع المنطقة نحو هاوية جديدة وصراع جديد"، على حد زعمه. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس الجمعة إنه يتوقع أن تسحب الدول الأجنبية دعمها للفصائل الكردية بعد إطاحة الأسد، وذلك مع سعي أنقرة إلى عزل وحدات "حماية الشعب" الكردية التي تقود تحالف "قوات سوريا الديمقراطية".

ورداً على أسئلة من "رويترز"، قال مسؤول تركي إن السبب الجذري للصراع "ليس رؤية تركيا تجاه المنطقة؛ إنما السبب هو كون حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب منظمة إرهابية". وأضاف "يجب على عناصر حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب التخلي عن أسلحتهم ومغادرة سورية".

عبدي يقر بوجود "العمال الكردستاني" بسورية

وفي مقابلة مع "رويترز" يوم الخميس، أقر القائد العام لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، مظلوم عبدي، وللمرة الأولى بوجود مقاتلين من "حزب العمال الكردستاني" في سورية. وقال عبدي إن مقاتلي "الكردستاني" قدموا الدعم في قتال تنظيم "داعش" وسيغادرون سورية إذا جرى الاتفاق مع تركيا على وقف كامل لإطلاق النار. كما نفى وجود أي علاقات تنظيمية مع "العمال الكردستاني".

في الوقت نفسه، تظهر القيادة الجديدة في دمشق وداً تجاه أنقرة وتعبر عن رغبتها في توحيد كل سورية تحت مظلة إدارة مركزية، وهو ما قد يكون تحدياً للحكم اللامركزي الذي تفضله الفصائل الكردية. في حين تقدم تركيا الدعم المباشر للجيش الوطني السوري، فإنها، شأنها شأن دول أخرى، تصنف "هيئة تحرير الشام" جماعة إرهابية بسبب صلاتها السابقة بتنظيم "القاعدة".

وعلى الرغم من هذا، يُعتقد أن أنقرة لديها تأثير كبير على الجماعة. وقال دبلوماسي غربي كبير "من الواضح أن الأتراك يمكنهم التأثير عليهم أكثر من غيرهم". وصرح قائد إدارة العمليات العسكرية وزعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع لصحيفة تركية بأن إطاحة الأسد "لم تكن انتصاراً للشعب السوري فحسب، بل للشعب التركي أيضاً". وقال المسؤول التركي إن "هيئة تحرير الشام" ليست تحت سيطرة أنقرة ولم تكن كذلك مطلقاً، واصفاً إياها بالهيكل "الذي كنا نتواصل معه بسبب الظروف". وأضاف أن العديد من الدول الغربية تفعل ذلك أيضاً.

وسيطرت فصائل كردية سورية بقيادة حزب "الاتحاد الديمقراطي" ووحدات "حماية الشعب" التابعة لها على جزء كبير من الشمال بعد بدء الثورة السورية ضد نظام الأسد في عام 2011. وأنشؤوا إدارة خاصة بهم مع تأكيدهم أنهم يسعون إلى الحكم الذاتي وليس الاستقلال. وتختلف سياساتهم التي تؤكد الاشتراكية والحركة النسوية اختلافاً تاماً عن التوجه الإسلامي لـ"هيئة تحرير الشام".

وتوسعت منطقتهم مع تحالف قوات بقيادة الولايات المتحدة مع "قوات سوريا الديمقراطية" في الحملة على تنظيم "داعش"، وسيطروا على مناطق يغلب عليها العرب. وصعدت الجماعات التي يتألف منها الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا حملتها على "قسد" بعد فرار بشار الأسد، وسيطرت على مدينة منبج في التاسع من ديسمبر/كانون الأول.

وتوسطت واشنطن في وقف لإطلاق النار، لكن "قوات سوريا الديمقراطية" اتهمت تركيا وحلفاءها بعدم الالتزام به. وقال مسؤول في وزارة الدفاع التركية إنه لا وجود لمثل هذا الاتفاق. وأثار دعم الولايات المتحدة لـ"قسد" توتراً بينها وبين تركيا عضو حلف شمال الأطلسي. وتنظر واشنطن إلى "قوات سوريا الديمقراطية" باعتبارها شريكاً رئيسياً في مواجهة "داعش"، الذي حذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أنه سيحاول استغلال هذه الفترة لإعادة بناء قدراته في سورية. ولا تزال "قوات سوريا الديمقراطية" تتولى حراسة عشرات الآلاف من المحتجزين المرتبطين بالتنظيم المتطرف.

وقال وزير الدفاع التركي يشار غولر الأسبوع الماضي إن بلاده لم ترصد أي مؤشر على عودة تنظيم "داعش" في سورية. وأبلغ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان نظيرته الألمانية، أنالينا بيربوك، خلال محادثات في أنقرة أمس الجمعة بضرورة إيجاد بدائل لإدارة المعسكرات والسجون حيث يوجد المحتجزون. وفي سياق منفصل، قالت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف أمس الجمعة إن واشنطن تعمل مع أنقرة و"قوات سوريا الديمقراطية" من أجل "انتقال محكم في ما يتعلق بدور قوات سوريا الديمقراطية في ذلك الجزء من البلاد". وقالت إدارة الرئيس جو بايدن إن القوات الأميركية ستبقى في سورية، لكن الرئيس المنتخب دونالد ترامب قد يأمر بسحبها عندما يتولى منصبه في 20 يناير/كانون الثاني.

رسالة لترامب

خلال فترته الرئاسية الأولى، سعى ترامب إلى الانسحاب من سورية، لكنه واجه ضغوطاً في الداخل ومن حلفاء الولايات المتحدة. وفي رسالة إلى ترامب في 17 ديسمبر/كانون الأول، اطلعت عليها "رويترز"، قالت المسؤولة السورية الكردية إلهام أحمد إن "تركيا تستعد لغزو الشمال الشرقي" قبل توليه منصبه. وكتبت أن خطة تركيا "تهدد بإلغاء سنوات من التقدم في تأمين الاستقرار ومحاربة الإرهاب.. نعتقد أن لديك القوة لمنع هذه الكارثة". ولم يرد فريق ترامب الانتقالي بعد على طلب للتعليق.

وقال ترامب في 16 ديسمبر/كانون الأول إن تركيا "ستمسك بزمام الأمور" في ما يتعلق بما سيحدث في سورية، لكنه لم يعلن خططه للقوات الأميركية المتمركزة هناك. وقال الخبير في الشؤون السورية بجامعة أوكلاهوما، جوشوا لانديس "الأكراد في وضع لا يحسدون عليه. بمجرد أن تستجمع دمشق قوتها، ستتحرك نحو المنطقة. لا يمكن للولايات المتحدة أن تبقى هناك إلى الأبد".

وقال أحمد الشرع لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) إن الأكراد "جزء من شعبنا" و "لن تنقسم سورية"، مضيفاً أن الأسلحة يجب أن تكون بالكامل في يد الدولة. وأقر الشرع بأحد المخاوف الرئيسية لدى تركيا، وهو وجود مقاتلين أكراد غير سوريين في سورية، وقال "نحن لا نقبل أن تشكل أراضي سورية تهديداً وتزعزع استقرار تركيا أو أماكن أخرى". وتعهد بالعمل من خلال الحوار والمفاوضات لإيجاد "صيغة سلمية لحل المشكلة"، قائلاً إنه يعتقد أن الاتصالات الأولية تمت "بين الأكراد في شمال شرق سورية أو قوات سوريا الديمقراطية".

وقال المسؤول الكردي فنر الكعيط إن إدارته تريد "خطوطنا الوحيدة الحمر – نبحث عن سورية ديمقراطية، سورية لا مركزية، سورية تمثل جميع السوريين بكافة طوائفهم ودياناتهم وأعراقهم". وأضاف أن "قوات سوريا الديمقراطية" ستكون "نواة للجيش السوري الجديد".

وأكد قائد "قسد" مظلوم عبدي في مقابلته مع "رويترز" أنه جرى فتح اتصالات مع "هيئة تحرير الشام" لتجنب الاشتباكات بين قوات الجانبين، لكنه قال إن أنقرة ستسعى إلى خلق انقسام بين دمشق والقوات التي تقودها الفصائل الكردية. ومع ذلك، قال إنه يوجد دعم قوي من الأطراف الدولية، منها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، لانضمام "قوات سوريا الديمقراطية" إلى "المرحلة السياسية الجديدة" في دمشق، واصفاً إياها بأنها "فرصة عظيمة". وقال "نحن نستعد، بعد وقف إطلاق نار كامل بيننا وبين تركيا والفصائل التابعة، للانضمام إلى هذه المرحلة".

(رويترز، العربي الجديد)