تشكّل شبكة أنفاق حماس تحدّيًا للاحتلال الإسرائيلي في حربه البربرية على قطاع غزّة؛ فهو لا يعرفها بما فيه الكفاية، لكنه يعرف أنّها شبكة ضخمة، وأنّها أشبه بمدينة تحت المدينة؛ ويجهّز خططا عديدة للتعامل معها، لكنه لا يعرف أيًا منها سيحقق له هدفه بتدميرها، أو إن كان يستطيع ذلك فعلًا.
نستعرض هنا أبرز ما يعرفه الاحتلال الإسرائيلي عن أنفاق حماس، بحسب ما جاء على لسانه، والخطط التي يفكر بها ويجهّزها لتدمير الأنفاق.
وتصف صحيفة "فاينانشال تايمز"، في تقرير نُشر في 4 ديسمبر/كانون الثاني، ما شاهدته في الفيديو الذي نشره جيش الاحتلال الإسرائيلي الشهر الماضي مدّعيًا أنّه يعود لنفق وجده تحت مستشفى الشفاء. وتقول الصحيفة إن مسيّرة إسرائيلية صغيرة الحجم أُطلقت داخل ممرّ مقوّس يبلغ عمقه متوسط طول رجل يسير بلا أن ينحني. وسارت المسيّرة عدّة دقائق، ولمسافة 300 متر، والتقطت الصور التالية: كانت هناك وحدات مكيّفة إلى يمين الممرّ ويساره، وفيها مراحيض ومطابخ ومياه وكابلات كهرباء واتصالات وباب مقاوم للانفجار، يسمح لعناصر حماس أن يطلقوا النار عبره. وتشير الصحيفة إلى أنّ النفق الذي اكتشف يحمل بلا أدنى شكّ مقوّمات عسكرية.
وتنقل الصحيفة تقديرات عن مصادر إسرائيلية تشير إلى أنّ شبكة أنفاق حماس أكبر من شبكة قطارات لندن، وتمكّن قيادات حماس ومقاتليها من الاختباء لفترات طويلة داخلها. وتقول إنّ المقاومين مكثوا أكثر من ثمانية أسابيع داخل الأنفاق تحت الأرض، فيما كانت الطائرات الإسرائيلية تقصف المباني فوق الأرض.
وبحسب تقديرات الاحتلال، فإنّ حركة حماس تحتفظ بترسانتها الصاروخية وأسلحتها داخل الأنفاق، المنيعة على أجهزة الرقابة الإسرائيلية والغارات الجوية، كما يُعتقد إسرائيليًا أنّها تحتجز الرهائن في داخلها أيضًا.
وفي وصفه تلك الشبكة العملاقة من الأنفاق، يقول مسؤول إسرائيلي رفيع للصحيفة إنّ كلمة "أنفاق" لا تعبّر حقيقة عمّا شيّدته حماس تحت الأرض، واصفًا إيّاها بأنّها "مدن تحت الأرض"، فيما يقول أحد الرهائن الذين أُطلق سراحهم أخيرًا إنّ الحركة احتجزتهم في الأنفاق، واصفًا المكان الذي احتجزوا فيه بأنّه يشبه شبكة عنكبوتية طولها عدّة كيلومترات، وفيه قاعة واسعة تتسع لأكثر من25 شخصًا.
وتقدّر إسرائيل طول الأنفاق بأكثر من 500 كيلومتر، وتنقل صحيفة "فاينانشال تايمز" عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الأنفاق تمثل تحديًا هائلًا لهم، وإنّ حماس "وضعت داخل الأنفاق ألغاماً وأفخاخاً لعرقلة تحرّكهم" وإنّ "هذا يزيد المخاطرة على قواتنا".
ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنّ حماس تعلّمت من دروس الحروب السابقة، ومنها أن "تحفر بشكل أعمق وتدعم نظام الأنفاق بالإسمنت المعزّز". وتنقل "فاينانشال تايمز" عن ضابط في جيش الاحتلال يدعى يهودا كفير قوله إن حماس على الأرجح "بنت طبقات مختلفة من الأنفاق؛ مستوى أول دفاعي معزّز بالأفخاخ، وممرّات ضيّقة، وأبواب مضادة للانفجار، ومستوى أدنى، هجومي، موجود بمستوى أعمق، وأوسع، وفيه تحتفظ الحركة بالمراكز اللوجستية، والسكن ومخازن الأسلحة".
ويشير تقرير لشبكة "سي أن أن" إلى شبكة أنفاق حماس بأنها "مترو الأنفاق في غزة"، مضيفاً أنها عبارة عن متاهة من الأنفاق، تستخدم لنقل الأشخاص والبضائع، وتخزين الصواريخ والذخيرة والأموال النقدية، كما تحتضن مراكز القيادة والتحكم لحماس. ويقدّر التقرير أنّ طول الأنفاق يعادل نصف طول شبكة قطارات مدينة نيويورك.
وتنقل "سي أن أن" عن الأستاذة في جامعة ريتشمان الإسرائيلية دافين باراك قولها إن هذه الأنفاق "معقدة وضخمة، شبكة أنفاق تحت مساحة صغيرة".
وليست الأنفاق تكتيكًا جديدًا في الحروب، لكن حماس ذهبت به إلى مستوى أعلى. وفي هذا الإطار، يقول الخبير المتخصص في الحروب الحضرية في جامعة إكستر البريطانية أنتوني كينغ لصحيفة "فاينانشال تايمز" إنّ المعارك الحديثة يمكن أن ينظر إليها كمزيج بين القدرات القديمة والرقمية"، مضيفًا أنه "أحيانًا، يحصل أنّ التقنيات القديمة (كالأنفاق) هي التي تنتصر وتهزم البقية".
خطط الاحتلال لمواجهة أنفاق حماس
وأمام شبكة الألغاز هذه، يحتار الاحتلال الإسرائيلي في التكتيك الأنجح للتعامل مع أنفاق حماس. وتنقل صحيفة "فاينانشال تايمز" عن جنود إسرائيليين قولهم إن عناصر حماس كانوا يباغتونهم بهجوم من تحت الأرض ثم يختفون "كالفئران".
ويشير باراك إلى أن "تدمير أنفاق حماس هو الأكثر صعوبة في المهمة العسكرية، وأكثرها أهمية"، قبل أن يضيف: "علينا أن نكون صبورين، ستأخذ وقتًا".
وفيما وضع جيش الاحتلال مسألة تدمير الأنفاق على رأس أولوياته في هذه الحرب، لكنه لم يوضح كيف يخطط لتحقيق ذلك. الخطوة الأولى في تكتيكاته تتمثل في تحديد موقع الأنفاق، وعلى الرغم من أن أجهزة الرادار والاستشعار الصوتية المخترقة للأرض يمكن أن تكتشف موقع النفق، غير أنّ الدمار الهائل الذي خلّفه سيحدّ من فائدتها.
-
الشعر الأرجواني
واحدة من التكتيكات التي أعلنها جيش الاحتلال، وتنقلها صحيفة "فاينانشال تايمز"، هي ما يعرف باسم "الشعر الأرجواني". ويتمثل هذا التكتيك في إلقاء قنبلة دخان في مدخل النفق، الذي يُغلق بعدها نتيجة رغوة متمددة، ثم يجرى تتبع أثر الدخان لمعرفة ما إذا كان سيظهر في مكان آخر.
-
الانفجارات
وهناك خطة ثانية معلنة لجيش الاحتلال، وتتمثل في تدمير الأنفاق عبر تفجيرها، غير أن هذه الانفجارات لا تتسبب إلا في سقوط عدد محدود من القتلى، وفق ما تقول "فاينانشال تايمز"، وما تخلّفه من أضرار وخسائر تمكن إزالته أو تجاوزه من قبل المقاومين الناجين. وتنقل الصحيفة عن مهندسين وخبراء عسكريين قولهم إن هدم نفق بالكامل يتطلب وضع متفجرات على طول أجزاء طويلة من الممرات تحت الأرض.
كما تنقل الصحيفة عن الضابط في جيش الاحتلال كفير قوله إن إحدى الطرق التي يفكرون بها لتدمير الأنفاق هي استخدام متفجرات سائلة تملأ مساحة النفق ثم تنفجر. خيار آخر يتمثل في استخدام الأسلحة الحرارية التي تمتص الأكسجين لتوليد انفجار عالي الحرارة يتدفق حول العقبات.
-
ضخ المياه
أما الخيار الثالث، فيتمثل في ضخ مياه من البحر المتوسط عند ضغط عال. وتنقل الصحيفة عن الأستاذ الجامعي باراك قوله إن هذه التقنية تتمتع بميزة استخدامها بالفعل في صناعة النفط والغاز، لكن لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن تحققه. وتقول إن كمية المياه المطلوبة تعتمد على حجم الأنفاق وامتصاص الأرض.
وتنقل صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أميركيين قولهم إن إسرائيل جمعت نظاماً من المضخات الكبيرة التي يمكن أن تستخدمها لإغراق شبكة أنفاق حماس الواسعة تحت قطاع غزة بمياه البحر. وتشير إلى أن جيش الاحتلال انتهى من تجميع خمس مضخات كبيرة لمياه البحر على بعد ميل واحد تقريبا شمال مخيم الشاطئ للاجئين في منتصف الشهر الماضي تقريبا. وتوضح أن كلّ مضخة من المضخات الخمس على الأقل يمكنها سحب المياه من البحر الأبيض المتوسط ونقل آلاف الأمتار المكعبة من المياه في الساعة إلى الأنفاق وإغراقها في غضون أسابيع.
وأبلغت إسرائيل الولايات المتحدة لأول مرة بهذا الخيار في أوائل الشهر الماضي، وفق الصحيفة، وجرى بعدها نقاش حول جدواها العسكرية وتأثيرها على البيئة.
-
حفر أنفاق
إضافة إلى ضخ المياه في الأنفاق، ينظر الإسرائيليون في خيار حفر أنفاق تعترض شبكة حماس وتقتحم نقاط سيطرتها. ويقول ضابط الاحتلال كفير: "يجب على إسرائيل الوصول إلى قلب نظام حماس، ليس من فوق، ولكن من أسفل. ستحتاج إلى شيء مثل آلات الحفر الآلية من شأنه أن يحفر نحو الهدف". وهذا الخيار "الأقرب للخيال العلمي"، حسب وصف الصحيفة، يتطلب سنوات لتنفيذه.
وفي مقابل هذه الخطط الإسرائيلية المعلنة لتدمير الأنفاق، فإن ما هو واضح أن التكنولوجيا وحدها لن تكون كافية لوقف التهديد الذي يشكّله المقاومون تحت الأرض للاحتلال. ويقول باراك للصحيفة: "لا يوجد حل مضمون للتعامل مع تهديد الأنفاق. لا توجد قبة حديدية للأنفاق".