خمسة صواريخ أطلقتها الطائرات الحربية الإسرائيلية، فجر أمس السبت، تجاه منزل عائلة أبو حطب في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، المكتظ بالسكان والمتلاصق المنازل، غربي مدينة غزة، كانت كفيلة بمحو عائلتين من السجل المدني الفلسطيني.
وراح ضحية أحدث مجازر الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين في جنح الظلام عشرة شهداء، هم سيدتان وأطفالهما، بعد أن دمر الطيران الحربي منزل العائلة ومنازل محيطة به، وودعت فيه عائلتا أبو حطب والحديدي الضحايا من النساء والأطفال. ونجا من القصف الإسرائيلي رضيع وحيد، يبلغ من العمر خمسة أشهر، ووالده، الذي كان خارج المنطقة. وتضاف الجريمة الإسرائيلية إلى 12 مجزرة أخرى خلال العدوان الواسع الذي بدأ على قطاع غزة المحاصر يوم الإثنين الماضي، ولا يزال مستمراً.
أحالت الطائرات الحربية الإسرائيلية مربعاً سكنياً كاملاً في بيت لاهيا إلى ركام فوق رؤوس ساكنيه
وفي بلدتي بيت لاهيا وبيت حانون شمالي القطاع سُجلت جرائم أخرى ضد المدنيين، حيث أحالت الطائرات الحربية الإسرائيلية مربعاً سكنياً كاملاً في بيت لاهيا إلى ركام فوق رؤوس ساكنيه. واستشهد في القصف رجل وزوجته من عائلة المدهون، وستة آخرون من عائلة الطناني، تم انتشال جثثهم جميعاً من تحت ركام منازلهم. وفي البلدة نفسها، دمرت طائرات حربية منزلاً لعائلة أمن على رؤوس ساكنيه، ما أدى لاستشهاد الأب وأربعة من بناته، وتدمير بعض منازل الحيّ الذي يقطنه الضحايا.
وفي بعض الأحيان تقوم المخابرات الإسرائيلية بإنذار هاتفي، أو بصاروخ من طائرة مسيرة للمنزل المستهدف. لكنها في جولة التصعيد الحالية لم تفعل ذلك إلا نادراً، ما يؤشر على رغبتها في تدمير المنازل المستهدفة على ساكنيها، وإيقاع أكبر عدد من الخسائر في صفوف المدنيين. وتبدو هذه الجرائم الإسرائيلية وغيرها، والتي جرت في قطاع غزة، حتى الآن متعمدة لزيادة فاتورة الدماء، والضغط على الفصائل الفلسطينية للخضوع لإسرائيل وشروطها، فيما تبدو الفصائل هي الأخرى مصرة على شروطها لوقف التصعيد، وأن يشمل أي اتفاق للتهدئة وقف الاعتداءات على الفلسطينيين في القدس المحتلة.
ولا يوجد في قطاع غزة ملاجئ، ولا بيوت آمنة، يمكن للمدنيين اللجوء إليها في حالة التصعيد والعدوان. وحتى المستشفيات والمساجد ومؤسسات المجتمع المدني والمدارس ليست في مأمن من العدوان الإسرائيلي. وبات سكان القطاع يخشون الخروج من منازلهم سيراً على الأقدام، أو في السيارات، لتلبية حاجاتهم اليومية. ومن يضطر منهم لذلك يتم استهدافه بشكل شبه أكيد من قبل الطيران الإسرائيلي، الذي يبدو وكأنه يتعامل مع كل من يتحرك على الأرض كهدف.
ومن بين ضحايا العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة سجل استشهاد 40 طفلاً و22 سيدة، إضافة إلى عشرات من الأطفال والنساء بإصابات مختلفة، بينها خطرة، ما يعني أنّ أعداد الضحايا من النساء والأطفال سترتفع أكثر حتى لو توقف العدوان. وبات الواقع في قطاع غزة حالياً يتشابه مع الحروب الثلاث التي شنتها إسرائيل في الأعوام 2008 و2012 و2014، من حيث قوة القصف الناري، بل تتعداه في بعض الأحيان لتسجل القوة النارية الأكبر، مثلما جرى في بيت لاهيا شمال القطاع، عندما استهدفت إسرائيل، من الجو والبحر والبر، البلدة ومحيطها بأكثر من 400 غارة في أقل من 25 دقيقة.
سلامة معروف: لدينا هيئة توثق جرائم الاحتلال الإسرائيلي على الأرض
وأضيف في هذا العدوان مزيد من العائلات إلى قوائم الشهداء، ضحايا غياب محاسبة إسرائيل على جرائمها. وارتفعت نسبة العائلات التي مُحيت من السجل المدني، ما يعني أنه لم يعد لعائلة كاملة اسم في السجل وانتقلت إلى قائمة الضحايا. وقال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة سلامة معروف، لـ"العربي الجديد"، إنّ لديهم هيئة توثق جرائم الاحتلال الإسرائيلي على الأرض، وتعمل على توثيق كل ما يجري، عبر التصوير الجنائي وتوثيق تقارير الطب الشرعي لإعداد الملفات القانونية، إضافة إلى جهد مراكز حقوق الإنسان العاملة في الأراضي الفلسطينية. وهيئة التوثيق هذه، وفق معروف، لديها أكثر من 1500 ملف مكتمل تم إعدادها للجرائم الإسرائيلية المرتكبة ضد السكان في قطاع غزة، وهي المادة الأساسية الموضوعة على طاولة التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، ولرفع دعاوى في بعض الدول الأوروبية التي تقبل النظر في مثل هذه القضايا.
وأشار معروف إلى أنّ كل ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي "جريمة ضد المدنيين، والجريمة مركبة عندما تستهدف أسراً بكاملها"، متحدثاً عن 12 عائلة تعرضت بيوتها لقصف مباشر، واستشهد كامل أفرادها أو غالبيتهم، إضافة إلى الجرائم المرتكبة بحق المواطنين خلال تنقلهم في السيارات، وتلك التي تستهدف المواطنين المتجمعين في الشوارع. وإفلات دولة الاحتلال الإسرائيلي كل مرة من جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، نتيجة طبيعية لصمت المجتمع الدولي بل وتواطئه مع العدوان، إذ أصبحت بعض الدول تبحث عن تبريرات لما يقوم به المحتل الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وفق حديث معروف.
وتعمل مؤسسات حقوقية في ميدان الرصد والتوثيق على الأرض للجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق الفلسطينيين، ومنها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الذي وثق منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على القطاع الإثنين الماضي أكثر من 1200 هجوم جوي، استخدمت فيه مختلف أنواع الطائرات، وأكثر من 900 هجوم مدفعي، أغلبها تركزت في شمال القطاع. وقال مدير العمليات في المرصد أنس الجرجاوي، لـ"العربي الجديد"، إنّ الهجوم الإسرائيلي دمر أكثر من 520 منزلاً بشكل كامل، وألحق أضراراً فاقت قيمتها الـ77 مليون دولار، تنوعت بين مقدرات وبنية تحتية ومقار ومنازل، إضافة إلى تدميرها جزئياً 2850 وحدة سكنية. ولفت إلى أنّها ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها إسرائيل سياسة الأرض المحروقة، والتي مسحت فيها مربعات سكنية بأكملها، ومسحت عائلات من السجل المدني، إذ تم قتل أفراد العائلة، من أب وأم، نتيجة غارات إسرائيلية متعمدة تهدف لمعاقبة الفلسطينيين والانتقام غير المتناسب منهم.
وأوضح الجرجاوي أنّ إسرائيل تستمر في ارتكاب جرائمها لأنها تأمن العقاب، فهي لم تعاقب على أي جريمة اقترفتها ضد الفلسطينيين منذ نشأتها. ويمكن محاسبة إسرائيل على هذه الجرائم من خلال المحكمة الجنائية الدولية، وفق الجرجاوي، كون كثير من هذه الجرائم تدخل ضمن نطاق الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وكان هناك بارقة أمل لدى الضحايا الفلسطينيين في فبراير/شباط الماضي، عندما قررت المحكمة بأن لها ولاية قضائية على الأراضي الفلسطينية، ما يسمح لها بإجراء تحقيقات على الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل منذ ما بعد يوليو/تموز 2014.