أعطى مجلس الدولة في فرنسا الضوء الأخضر لمشروع قانون "ترسيخ مبادئ الجمهورية"، المقرر عرضه على مجلس الوزراء، الأربعاء.
وكشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية، في وقت متأخر ليل الإثنين-الثلاثاء، أنّ المجلس قدّم إحاطة حول رأيه في 58 صفحة، تتضمن موافقة المحكمة الإدارية العليا على مشروع القانون، مع تحفظات طفيفة لم تكن عائقاً في تمرير مشروع القانون.
وأشار مجلس الدولة في قراره، إلى أنّ الإجراءات الواردة في مشروع القانون، المكونة من خمسة عناوين و57 مادة، تتعلق عملياً بجميع الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والاتفاقيات الأوروبية.
وبينما أبدى المجلس تحفظات على إمكانية فرض قيود معينة من وقت لآخر، وإلى قدر محدود، على هذه الحقوق والحريات، وخصوصاً في ما يتعلق بمسألة الأحكام المتعلقة بالتعليم، وفي جوهرها، التعليم داخل الأسرة؛ اقترح مجلس الدولة، بدلاً من إلغاء إمكانية التثقيف الأسري، المعترف به منذ قانون فيري الصادر في 28 مارس/آذار 1882، الإبقاء على صياغة تنص في القانون على الحالات التي يمكن استخدام هذا النوع من التعليم.
وجاء في ملخص رأي مجلس الدولة، "بينما لا يبدو أنّ الإصلاح الذي خططت له الحكومة يواجه أي عقبة تقليدية؛ فإنه يثير أسئلة حساسة حول التوافق مع الدستور". ويأخذ في الاعتبار "الواقع المتنوع للغاية" لهذه الممارسة التعليمية، ومن بينها "الزيادة الأخيرة في عدد الأطفال المتعلمين في المنازل، من 36 ألفاً إلى 50 ألفاً في ثلاث سنوات، والصعوبات التي قد تنجم عن ذلك ليست واضحة"، مشيراً إلى أنّ المسألة تحتمل أن تكون قمعاً للحرية الممنوحة للوالدين في اختيار أن يتلقى أبناؤهم التعليم المنزلي.
موضوع آخر مثير للجدل وحساس، بعد الاحتجاج الذي أثارته المادة 24 من مشروع قانون "الأمن الشامل"، والتي تنص على الحبس لمدة سنة ودفع غرامة قيمتها 45 ألف يورو، في حال بث صور لعناصر الشرطة بدافع "سوء نية"، اعتبر المجلس أنّ النص الحالي للمادة 24 يستهدف "جريمة مفترضة" تقوم على أساس جمع العناصر المادية، وأنه لا يمكن وصف الجريمة إلا إذا ثبتت "في جميع العناصر المكونة لها".
لاحظ مجلس الدولة "أن مشروع القانون يزيد القيود المفروضة على الجمعيات الدينية"، ولذلك يطلب المجلس "التحقق مما إذا كانت هذه القيود مبررة ومتناسبة"
ويتعلق الفصل الأكثر جوهرية وربما الأكثر حساسية في مشروع القانون بممارسة العبادة، والذي يشير إلى أنّ حرية الدين وتكوين الجمعيات والضمير والمعتقد محمية بشكل خاص، وتشكل مبدأً أساسياً من مبادئ قوانين الجمهورية.
في هذا الخصوص يلاحظ مجلس الدولة "أن مشروع القانون يزيد القيود المفروضة على الجمعيات الدينية، ويعدل التوازن الذي طبقه المشرع في عام 1905 بين مبدأ حرية تكوين هذه الجمعيات والإطار الضروري لها، لكي تستفيد من المزايا العامة" التي تقدمها الدولة الفرنسية لها، ولذلك يطلب المجلس "التحقق مما إذا كانت هذه القيود مبررة ومتناسبة".
ويشير كذلك إلى أنّ "المشروع يؤدي إلى فرض قيود كبيرة على غالبية الجمعيات الدينية أو ذات النشاطات المتعددة لجميع الطوائف، وغالبيتها العظمى، بما في ذلك رجال الدين والمؤمنون، تحترم القواعد المشتركة".
واعتبر مجلس الدولة، أنّ السعي إلى تعديل القواعد القانونية للجمعيات الدينية، "يشكل تدخلاً من جانب المشرع" في عملها، ولكنها مع ذلك تخضع "لهدف المصلحة العامة، وهو حماية الجمعيات من عمليات استحواذ محتملة من قبل أقلية ما"، في حين لم يعترض المجلس على قواعد الرقابة الجديدة على تمويل الطوائف وأصل مواردها، خاصة عندما تأتي من الخارج.
ولعل أبرز تحفظات المجلس، جاءت باقتراح إلغاء المادة 35 من قانون 9 ديسمبر/كانون الأول 1905، المتعلق بالفصل بين الكنائس والدولة، ومعاقبة أصحاب الخطب الدينية "التي تتضمن استفزازاً مباشراً، أو تحريضاً على عصيان القوانين والإجراءات التي تقررها السلطة العامة، أو إذا كانت تدعو إلى إثارة الفتنة وتحريض بعض المواطنين على مواطنين آخرين"، إذ يخطط مشروع قانون "محاربة الانفصالية" لتشديد العقوبات عند ارتكاب مثل هذه المخالفات في مكان عبادة أو بالقرب منه.
ويلاحظ المجلس أنّ هذه المخالفات تخضع بالفعل لعقوبات شديدة بموجب المادة 24 من قانون حرية الصحافة، ويعتبر أن رجال الدين لا يتمتعون بمعاملة أفضل من غيرهم لكي يكون هناك نص قانوني مخصص لهم في حال ارتكابهم أي نوع من الجرائم، لأنهم مثل أي شخص تطاوله العقوبات، وفق المادة 24 من قانون حرية الصحافة.
وبشكل عام، وبعد التحفظات التي قد تأخذها الحكومة أو لا تأخذها في الاعتبار، فإن مجلس الدولة منح الحكومة الضوء الأخضر في رغبتها "احترام مبادئ الجمهورية وترسيخها"، لكنه في الوقت نفسه، ومن خلال تحفظاته، يلفت، على ما يبدو، انتباه النواب في البرلمان إلى الدوافع السياسية وراء سعي حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى سن هذا القانون، إذ سيتعين على الحكومة عرضه أخيراً على البرلمان لتتمكن من إقراره.