لا صعوبة في حشر اسم الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في ما كشفت عنه صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية، يوم الأربعاء الماضي، حول مخطط كان يجري التحضير له للانقلاب على السلطة في فرنسا، واقتحام قصر الإليزيه، مقر الرئاسة الفرنسية في باريس، والسيطرة عليه، بـ"دعمٍ من الشعب". فقائد المخطط أو مشروع الانقلاب، ريمي داييه، الذي تصفه مصادر الأجهزة الأمنية الفرنسية، بين "الطموح" و"الأحمق"، ليس سوى أحد وجوه اليمين المتطرف في فرنسا، وأصحاب نظريات المؤامرة، ومن النازيين الجدد، المعادين للسامية، وللمسلمين، والناشطين غالباً بأسماء وهمية على شبكات التواصل الاجتماعي و"يوتيوب"، وهو "مهووس" ملاحق وقيد المراقبة، منذ مدة، لأسباب عدة، فيما يذّكر مخططه باقتحام مقر الكونغرس الأميركي من قبل أنصار ترامب، في 6 يناير/كانون الثاني الماضي، للاعتراض ومنع المصادقة على فوز المرشح آنذاك، نائب الرئيس الأسبق جو بايدن، بالرئاسة. ويبدو كلّ ما يدور في فلك ريمي داييه (ريمي داييه فيدمان)، وهو عضو سابق في حركة "موديم" أو حزب الحركة الديمقراطية الفرنسي، من اليمين الوسط (برئاسة فرانسوا بايرو)، شبيهاً أو ملاصقاً لأفكار اليمين المتطرف الأميركي، الذي ضجّت به وسائل الإعلام الأميركية في عهد ترامب، حين استعاد زخمه مع وصول الملياردير الجمهوري إلى البيت الأبيض، بخطابه الشعبوي، المعادي لواشنطن. كما يبدو المخطط الذي بدأ العمل عليه، وبجدّية، واحترافية نسبية، خلال فترة الحجر بسبب انتشار وباء كورونا، العام الماضي، مستمداً من انصهار أفكار اليمين المتطرف في أوروبا وأميركا، وحركات النازيين الجدد، ومجموعات مثل "كيو ـ أنون" الأميركية المسلحة و"براود بويز"، وغيرها. لكن المخطط يحمل رغم كل ذلك، فرادةً فرنسية، ليست خطيرة إلى الآن، سوى في خلفيتها، ومؤشراتها التي قد تتفاقم في المستقبل، لعلّ أبرزها إقحام اسم المؤسسة العسكرية، في أنشطة عدة، معارضة للسلطة، وتعكس مزاجاً متململاً، ليس كثيراً مشابهاً لتململ الشعب.
ارتبط اسم ريمي داييه بقضية خطف طفلة فرنسية في إبريل
وكشفت صحيفة "لوباريزيان"، الأربعاء الماضي، عن مخطط "طموح" و"مجنون"، كان يحضر له ريمي داييه، من مقر إقامته وعائلته في ماليزيا، وهو "السيطرة على الإليزيه من قبل الشعب" عبر عملية انقلاب حملت اسم "عملية آزور". ولخّص أحد معاونيه، من المحتجزين اليوم (وعددهم 11)، المخطط السرّي بـ"العملية النهائية التي تقضي بتحشيد العدد الأكبر من الناس، والمتظاهرين، فالجميع طفح كيله، وهي الحالة التي تسبق الإطاحة بالحكومة وهياكل السلطة".
وبحسب الصحيفة، نقلاً عن مصادرها الأمنية، فإن فكرة "عملية آزور" ولدت في رأس داييه نهاية العام الماضي، بعدما حظي الرجل، وهو أب لـ7 أطفال، وأحد وجوه الأوساط التي تروج لنظريات المؤامرة، بشهرة على "يوتيوب" خلال أزمة الوباء، لاسيما بدعواته إلى الإطاحة بالسلطة من قبل الشعب. في الأثناء، كان داييه يبني في السر، شبكة من المعاونين "المحترفين"، بشكل هرمي، منتشرين في جميع أنحاء فرنسا، ومن ضمنهم عسكريون وأفراد في الشرطة، في الخدمة أو متقاعدون، يصل عددهم إلى 300 ناشط فعلي. وبحسب المعلومات، فإن خلية داييه، تتألف من فرعين، مدني وعسكري، الأول مهمته اختطاف أطفال، والثاني للإطاحة بالسلطة، وقد سمّى كولونيل سابق في جيش البر الفرنسي، كريستوف أم، لقيادة العملية، واختيار الفريق من "قادة المناطق"، عبر إجراء اختبارات لهم، والتحضر لـ"تدمير هوائيات شبكة 5 جي للاتصالات، ومراكز تجميع لقاحات كورونا، ومراكز التطعيم باللقاحات". كما يقع على عاتق كريستوف أم، رصد الصحافيين المعادين لحركتهم، والتهجم عليهم. ويفترض، في اليوم الذي أطلق عليه اسم "يوم جي"، توجيه قوات المناطق نحو باريس، مجهزين بمتفجرات.
ولا يخفي داييه، في محادثاته التي كشفتها الأجهزة، أن المخطط "سوف يؤدي إلى إسالة دماء، وسوف يتم ربطه بالإرهاب، والواضح أننا سنستخدم القوة"، بحسب ما كتب في 17 مارس/آذار الماضي، تحت اسم "فرانس رويال"، مضيفاً أنه "بالإمكان إصدار الأمر بإطلاق النار"، حيث إن الخطة هي "السيطرة على الإليزيه والمواقع الحيوية في العاصمة، ومنها مقر الجمعية العمومية"، والتي منها سيلقي داييه "خطابه"، فيما يسيطر رجاله على قناة تلفزيونية أو إذاعية، للترويج لرسالتهم وبرنامجهم، بحسب ما شرح سيلفان ب. وهو أيضاً أحد الموقوفين، وأخ لنائب فرنسي، والذي كان قد ظهر على شاشات التلفزة خلال أزمة "السترات الصفراء" في فرنسا، كأحد المشاركين في ذلك الحراك الاجتماعي ـ الاقتصادي. وبحسب المعطيات، فإن سيلفان ب. ومساعداً له، قد تلقيا وصفة لصناعة متفجرات من نيترات الأمونيوم، من ليونيل ف.، وهو أستاذ في مادة الكيمياء في منطقة أو دو سين، ومتعاطف مع أطروحاتهم.
وكان داييه قد برز اسمه في وقت سابق، بعد الكشف عن تورطه بمساعدة والدة الطفلة الفرنسية ميا، على خطفها، في وقت سابق من العام الحالي، وهو موقوف منذ يونيو/حزيران الماضي. لكن محاميه، جان كريستوف باسون لاربي، كما أكد للصحيفة، نفى وجود أي خطة لداييه لتنفيذ انقلاب، بل هو يدعو "ضمن حرية الرأي للتخلص من النظام بالطرق السلمية". لكن داييه في أحد كتاباته، كتب: "إذا شاء الله، سأكون على رأس فرنسا. كما يقول المسلمون، سنعيد وضع البلاد في يد الأعلى. وستستعيد فرنسا معنى تطلعاتها المسيحية الكبرى". وأضاف: "نحن هنا ليس لجلب الفوضى، بل على العكس، لإعادة القانون والعدالة. ما نتحدث به عن العدالة مطابق للعدالة التقليدية الموجودة في النصوص (الدينية). أنا إذاً لست مجنوناً"، مدعياً "انتهاء الجمهورية الفرنسية"، وضرورة العودة إلى "فرنسا الحقيقية".
أدار داييه فريقاً لتنفيذ مهمات تتوج باقتحام باريس
ويأتي الكشف عن مخطط الانقلاب لداييه، في موسم انتخابي حامٍ في فرنسا، حيث تصدح أصوات اليمين المتطرف على منابر الإعلام الفرنسي، وحيث تتجه الخطابات الانتخابية، بأكثريتها، لملامسة هواجس اليمين المتطرف، الذي تتنازع عليه أصوات اليمين التقليدي، ومن حزب مارين لوبان، "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، فضلاً عن الترشح الذي أصبح متوقعاً للوجه الإعلامي المثير للجدل، والمعادي للمهاجرين والمسلمين، إريك زيمور. لكن انغماس عسكريين متقاعدين، أو في الخدمة، فيه، لم يبد مفاجئاً، بعد رسالة المتقاعدين العسكريين في وقت سابق من العام الحالي، والتي نشرتها صحيفة "ماريان"، حيث أبدوا امتعاضهم من سياسات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخارجية، وحملوا توجهاً "سياديا" معارضاً للاتحاد الأوروبي.
ولا يخفى ارتفاع منسوب التوتر بين الإليزيه والمؤسسة العسكرية، في عهد ماكرون، الذي قال كلمته الشهيرة "أنا القائد الأعلى"، حيث يتحضر للانسحاب من أفريقيا، وخصوصاً من مالي. لكن الأهم، هو ما أصاب العسكر في عهده، من تقليص لميزانيتهم، الذي حصل في عزّ الجائحة، وإعادة الهيكلة التي أصابت المؤسسة في عهد ماكرون، فضلاً عن السياق التاريخي الذي يضع هذه المؤسسة منذ نهاية عهد الرئيس شارل ديغول، ونهاية حقبة حرب التحرير الجزائرية، في موقع مهمش، بعيد عن سلطة اتخاذ القرار والمشاركة في صنعه.
وإذا كانت "لو باريزيان"، قد قلّلت من حجم المخطط، لاسيما عبر مقارنته بـ"هجمات الإسلاميين في فرنسا"، إلا أن تصاعد خطاب اليمين المتطرف في هذا البلد، ليس مبشراً، وسط أزمة سياسية تعكس وضع أمة "في حالة قلق". وقد يكون داييه، "المجنون"، وإريك زيمور، والجنود المتقاعدون، أول الغيث.