تعقد فعالياتٌ سياسية عراقية مدنية، منذ أيام عدة، لقاءات متواصلة في محافظات ذي قار وكربلاء وبغداد، ضمّت نواباً مستقلين في البرلمان العراقي، وسياسيين وناشطين مدنيين في الحراك الشعبي. ويقول القائمون على هذا التحرك إنه يهدف إلى بحث توحيد القوى المدنية والمستقلة في المرحلة المقبلة من العمل السياسي في البلاد، والاستعداد لأي تطورات قد تحصل، بما فيها حلّ البرلمان وإجراء انتخابات جديدة مبكرة.
الحراك الجديد يأتي بمبادرة من حزب "البيت الوطني"، أحد أبرز القوى المدنية الفاعلة جنوبي العراق، وإثر اجتماع عقده الحزب مع قوى وحركات وشخصيات سياسية مدنية في محافظة ذي قار في 23 يونيو/حزيران الماضي. ولم يخف الحزب مشروعه في تأسيس جبهة معارضة موحدة في الوقت الحالي، تتبنى خطاباً واحداً، وهو مدنية الدولة والتصدي لحالة الفشل السياسي المزمن في البلاد، ورفض الاستمرار في نهج المحاصصة الطائفية المعتمدة من أحزاب الإسلام السياسي.
العراق: تفاهمات مبدئية لتكوين معارضة مدنية
ويتحدث القيادي في حزب "البيت الوطني"، محمد الشمري، لـ"العربي الجديد"، عن لقاءات عدة أجريت خلال الأيام الماضية بين أطراف مختلفة تمثل قوى وحركات وشخصيات مدنية ومستقلة، حول فكرة خلق جبهة موحدة لقوى المعارضة تتولى العمل من داخل العراق، وتحت عنوان القوى المدنية.
الحراك يهدف لتوحيد القوى المدنية والاستعداد لأي تطورات، بما فيها حلّ البرلمان وإجراء انتخابات جديدة
ويضيف الشمري أن حزب "البيت الوطني يسعى حالياً إلى تشكيل هذه الجبهة بشكل رسمي ومعلن، لتكون معارضة حقيقية تأخذ على عاتقها إعداد برنامج سياسي يضع الحلول ويطرح فكرة البديل السياسي من الداخل العراقي".
ويلفت الشمري، في حديثه، إلى أن "هناك اشتراطات وضعها البيت الوطني على من ينضوي في هذه الجبهة، مثل ألا يكون جزءاً من الحكومة الحالية أو التي ستتشكل لاحقاً، أو عضواً في أحد الأحزاب التقليدية، وأن يؤمن بمخرجات وبرنامج هذه الجبهة ويعمل على تنفيذها". ويضيف: "كما اشترطنا ألا نسلك غير الطرق التي تحفظ للعراق سيادته ورفض أي تدخلات من خارج الحدود، فنحن قادرون على قيادة المشهد من دون أي حاجة لتدخل".
المشروع يطرح فكرة البديل السياسي من الداخل العراقي، دون تدخلات خارجية
وحول الاجتماع الذي عقد الأسبوع الماضي، يشير القيادي في حزب "البيت الوطني"، إلى أنه "تمّ خلاله التوصل إلى تفاهمات جيدة حول المشروع، والاتفاق على عقد جلسة أخرى خلال الأيام المقبلة، للوصول إلى اتفاق ثابت من شأنه أن يفتح الباب أيضاً أمام القوى والشخصيات والقيادات الراغبة بالانضواء في الجبهة، والتي تقبل بشروطها، وتنطبق عليها المواصفات المطلوبة، وأهمها أن يكون العضو مدنياً مستقلاً غير متورط في المشاركة بالحكومات السابقة والأحزاب التقليدية الموجودة حالياً على الساحة السياسية". ويوضح الشمري أنه سيتم الكشف عن أسماء الحراكات والقوى رسمياً بعد الانتهاء من كافة الإجراءات المتعلقة بذلك.
ويعرب أعضاء مستقلون في البرلمان العراقي ممن شاركوا في الاجتماع الأول الذي عقد الأسبوع الماضي، في أحاديثهم مع "العربي الجديد"، عن اعتقادهم بأن إنضاج مشروع معارضة سياسية حقيقي سيقود العراق إلى مرحلة أفضل تُكسر فيها قيود المحاصصة والطائفية.
دور "البديل السياسي" للخروج من المأزق
وبحسب النائبة نور نافع، فإن "بقاء القوى والحركات والأعضاء المستقلين من دون رؤية وبرنامج معارضة متفق عليه، لن يحقق شيئاً، وسيبقي العراق في نفس المأزق الذي يعيشه الآن".
وتشير نافع، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "عندما احتج العراقيون في أكتوبر/تشرين الأول 2019، لم تكن التظاهرات التي خرجت في ذلك الحين مطلبية، وإنما شخصت الخلل الحقيقي، وقالت إن النظام السياسي في العراق وصل إلى مرحلة انتهاء الصلاحية، وهذا فعلاً ما نشهده الآن من انسداد سياسي أوقف مصالح الناس وأخّر تشكيل الحكومة لأشهر". وأضافت: "لا نعرف مدة قريبة لحل الأزمة، لذلك فإن هذا النظام يحتاج إلى جبهة تعمل على تغييره".
وتقول نافع في حديثها: "نحن نتفق على أن الأحزاب الحالية غير قادرة على تصحيح وضع هذا النظام السياسي وغير قادرة على وضع بديل وحل لكونها جزءاً من الفشل، لذلك لا بد أن نأخذ دورنا في إنتاج هذا البديل السياسي ونقدمه للمواطنين ونفكر معهم ونناقشهم حتى نستطيع أن نطبّق ما نتحدث عنه، وهذا ما تم الاتفاق عليه مع كل الشركاء في مشروع المعارضة".
يتبنى الحراك خطاب مدنية الدولة ويرفض مشاركة من انغمسوا في سرقة وقتل العراقيين
بدوره، يرى محيي الأنصاري، رئيس حراك "البيت العراقي"، أحد أبرز القوى المدنية الناشطة في بغداد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المشهد السياسي العراقي يتعرض في الساعات، وليس في الأيام، إلى كثير من التغييرات والمفاجآت". ويلفت إلى أن "المشهد الحالي بات مختصراً بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، ومن يتحالف مع الطرفين، في ظلّ غياب واضح للهوية المدنية أو الليبرالية، وحتى الهوية التجديدية بكافة مسمياتها".
ويتابع الأنصاري: "نسعى إلى إيجاد بديل ثالث عن القوى الموجودة في المشهد السياسي الحالي، وهناك انفتاح على جميع من يشاركنا الآراء والهدف، لبناء دولة مدنية تُحترم فيها القوانين ويعامل الإنسان وفقاً لمبدأ المواطنة". ويوضح أنه "باستثناء من اشترك في هدر دماء العراقيين ونهب أموالهم، فإن كل من لم يشارك في السلطة على مدى الـ20 عاماً الماضية، مرحب به".
ويرى مراقبون أن تشكيل جبهة للمعارضة العراقية ذات صبغة مدنية هو ما يحتاجه الشارع العراقي الذي بات ناقماً على القوى السياسية الدينية بمختلف توجهاتها، لكنهم يعتبرون ذلك غير كاف دون انفتاح قوى المعارضة إعلامياً ودولياً.
وفي هذا الإطار، يقول الخبير في الشأن السياسي العراقي أحمد الركابي، لـ"العربي الجديد"، إن "قوى المعارضة الجديدة تحتاج إلى جملة من الأمور لضمان استمرارية عملها ونجاحه في النهاية، منها الجانب الإعلامي وتحشيد الشارع وتوعيته ببرنامجها، ومنها الانفتاح دولياً أيضاً".
ويضيف الركابي: "هناك قضايا يجب الكشف عنها، مخالفات النظام السياسي الحالي وخطورة استمرار المحاصصة الطائفية والمكوناتية على كيان ومستقبل العراق، وانتهاكات حقوق الإنسان والفساد، والخروقات الكبيرة التي تسبق أو ترافق الانتخابات في كل مرة، والتي تعكس صورة غير صحيحة للواقع العراقي".
ويرى الخبير السياسي أنه "ينبغي على الأحزاب أو جبهات المعارضة أن توجه تفكيرها وبرنامجها بشكل بسيط للقواعد الجماهيرية، وأن تبتعد كثيراً عن ممارسات المعارضة السابقة".
ويلفت الركابي أخيراً إلى أن "الحراك المدني الحالي يعني بداية تفكير صحيح وسليم من قبل تلك القوى ووعي يجب أن يتم استثماره، خصوصاً أن العراقيين يريدون مشروعاً بديلاً من داخل العراق، حتى وإن كان متدرّجاً، كما أنهم يرفضون أي تدخل خارجي أو دفع بهذا الاتجاه". ويؤكد أن العراقيين "يريدون نظاماً سياسياً عراقياً يراعي مصالح المواطنين ويحقق تطلعاتهم، علماً أن الكثير منهم غير معنيين بالمشاريع السياسية بقدر اهتمامهم بالحياة اليومية والأمن، لكنهم يعارضون أي مشروع سيزيد من مشاكلهم ويعمّقها ولا يجد حلّاً حقيقياً".