لا تخرج مختلف القراءات والتعليقات الفلسطينية على صورة المصافحة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، بمبادرة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مساء الثلاثاء، عن اعتبارها مجرد لقاء علاقات عامة، من دون الرهان عليها لتحقيق أي تقدّم في ملف المصالحة العالقة منذ أكثر من 15 عاماً.
وعلى الرغم من وصف الرئاسة الجزائرية اللقاء بين هنية وعباس، على هامش مشاركتهما في احتفالات الذكرى الستين لاستقلال الجزائر الثلاثاء، بأنه "تاريخي"، إلا أن الأجواء لا توحي بأي تبعات لهذا اللقاء.
ويبدو أنّ المشهد أريد منه فقط عدم إغضاب الجزائر المضيف للوفدين الفلسطينيين، ففي الصورة العامة، نجح تبون في جمع عباس وهنية ووفدي "حماس" والسلطة الفلسطينية بعد سنوات من الجفاء، غير أنّ العبوس الذي أظهرته الصور الصادرة يوحي بأنّ "النفوس" لا تزال محتقنة، وأنّ المصالحة بعيدة المنال في ظل الظروف الحالية.
وبدا لافتاً طريقة تعاطي وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا" مع اللقاء، ودمج هنية كجزء من الوفد الفلسطيني الرسمي الذي انضم للقاء تبون وعباس، إذ قالت إن عباس اجتمع بتبون، "وانضم الوفد الفلسطيني للاجتماع، والذي ضم كلّاً من: عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية زياد أبو عمرو، ورئيس جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج، وقاضي قضاة فلسطين، مستشار الرئيس للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية محمود الهباش، ومستشار الرئيس الدبلوماسي مجدي الخالدي، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وسفير فلسطين لدى الجزائر فايز أبو عيطة".
من جهتها، نشرت حركة "حماس" على موقعها خبراً مقتضباً قالت فيه إنّ الرئيس الجزائري استقبل هنية وعباس "في لقاء أخوي على هامش احتفالات ذكرى استقلال الجزائر".
لقاء علاقات عامة بين هنية وعباس
وأكد القيادي الفتحاوي، مدير دائرة التعبئة والتنظيم في "فتح"، منير الجاغوب، أن لقاء عباس مع هنية "هو لقاء علاقات عامة لا أكثر، ولم يتطرق لنقاش أي ملف على الإطلاق". وأضاف الجاغوب في تصريح لـ"العربي الجديد": "كان لقاء عادياً، ولم يتم فيه بحث أي موضوع، ولم يكن مدرجاً على أجندة الرئيس عباس".
وأكدت مصادر فتحاوية لـ"العربي الجديد" أن عباس أعرب للرئيس الجزائري عن نيّته عدم لقاء هنية، ولكن أمام ضغط تبون حصلت المصافحة بين أبو مازن والوفد الفلسطيني الذي كان على رأسه هنية، وذلك بعد أن كان عباس قد أنهى لقاءه مع تبون وكان الأخير يستعد لاستقبال الوفد الفلسطيني.
مصادر فتحاوية: عباس أعرب لتبون عن نيّته عدم لقاء هنية، ولكن أمام ضغط الأخير حصلت المصافحة
من جهته، كتب القيادي في "حماس" باسم نعيم، على صفحته الشخصية في "فيسبوك"، أنّ رئيس المكتب السياسي للحركة شارك في احتفالات الجزائر بعيد الاستقلال الستين. وفي هذا السياق سعت القيادة الجزائرية، في إطار جهودها لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة بين الفلسطينيين، للجمع بين هنية وعباس. وختم بالتأكيد أنّ "قيادة الحركة لن تدخر جهداً ولن تغلق باباً، مهما صغر، يمكن أن يساهم في تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام".
لا تعويل شعبياً على اللقاء
وبالنسبة لكثير من الفلسطينيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لم يكن اللقاء مهماً، ولم يعولوا عليه كثيراً، في ظل فقدان الأمل بإتمام المصالحة وإنهاء الانقسام الذي ضرب كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية الفلسطينية. غير أنّ فلسطينيين كثر أيضاً حذروا من أن فشل الجزائر في ملف المصالحة الفلسطينية يعني "خسارة" حاضنة مهمة للفلسطينيين، خصوصاً في ظل ما يُظهره الجزائريون من ود وتقدير للتضحيات الفلسطينية ورفضهم التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وقال الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني، لـ"العربي الجديد"، إنّ هذا اللقاء جاء بناء على رغبة جزائرية، متعددة الرسائل والأهداف، ولاستكمال دور الجزائر في إدارة ملف المصالحة ودعم الجهد المصري في هذا السياق، وانطلاقاً من إدراك الجزائر أن الطرفين لن يرفضا هذا اللقاء.
بات الشعب الفلسطيني غير مبالٍ تجاه كل خطابات المصالحة
وأشار الدجني إلى أنّ هذا اللقاء لن يؤسس لغير البُعد البروتوكولي، ولن يتجاوز حدود الصورة، موضحاً أنّ البيئة والمناخ العام غير داعمين للمصالحة حالياً، إلا إذا تجاوزت الإرادة الفلسطينية كل الصعوبات والعراقيل الموضوعة في طريق إنهاء الانقسام.
ولفت إلى أنّ "الشعب الفلسطيني أصبحت لديه حالة من اللامبالاة من كل خطابات المصالحة، فالتجارب والسياق التاريخي أديا لحالة إحباط عامة، وقد كُتبت اتفاقات المصالحة أكثر من مرة، ولم يحدث شيء على أرض الواقع"، مبيناً أنّ "الرأي العام الفلسطيني أصبح لديه قناعة أن هذا الانقسام لن ينتهي، ولذلك لم يعد يقبل أي خطاب في هذا الإطار".
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، جهاد حرب، لـ"العربي الجديد"، إن "مصافحة الرئيس أبو مازن مع هنية قد تكون تتويجاً للجهود الجزائرية للتقريب بين الطرفين، لكن لا أعتقد أنها ستفضي إلى معالجة أي قضايا جوهرية، بل ستبقى صورة في إطار الاحتفالات الجزائرية بعيد الاستقلال". وتابع: "حتى اللقاءات والصور على مستوى دولي لم تعد تثير الاهتمام، فهناك حالة إحباط شعبي من موضوع الانقسام، لذلك شعبياً لم تأخذ هذه الصورة أي صدى، كما أنه على صعيد الكتّاب والمحللين لم يعد أحد يطرح موضوع الانقسام وكيفية تجاوزه".
ورأى أنه "بعد سنوات متتالية من الإحباط والفشل في إنهاء الانقسام عبر مؤتمرات كثيرة، بات المشهد المسيطر هو إحباط الشارع وغياب ثقته بالقيادات السياسية من كلا الطرفين لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة".