مصر: ضغوط خارجية وتساؤلات داخلية بشأن تحسين أوضاع حقوق الإنسان

30 ديسمبر 2024
سجن طرة في القاهرة، 11 نوفمبر 2019 (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلنت السلطات المصرية عن الإفراج عن معتقلين لتحسين العلاقة مع أهالي سيناء وتعزيز الحريات، لكن الشكوك تظل قائمة بسبب استمرار الاعتقالات.
- تسعى الحكومة لتعزيز الحراك السياسي بإنشاء كيانات جديدة مثل حزب "الوعي"، لكن يُنظر إليها كأدوات للسلطة دون تأثير حقيقي على تداول السلطة.
- تتزامن هذه التحركات مع تراجع الضغوط الغربية على مصر بشأن حقوق الإنسان، رغم تعليق مساعدات عسكرية، بينما تعكس صفقة أسلحة ضخمة تعقيدات العلاقات المصرية الأميركية.

أعلنت السلطات المصرية أخيراً الإفراج عن مجموعة جديدة من المعتقلين، بعضهم من أهالي سيناء، جرى احتجازهم على خلفية قضايا تتعلق بالأوضاع الأمنية في المنطقة. ووفقاً لتقارير حقوقية، تضمّنت القائمة معتقلين قضوا سنوات في الاحتجاز من دون محاكمة أو بناءً على اتهامات غير واضحة. وتُعتبر هذه الخطوة جزءاً من مساعٍ لتحسين العلاقة مع أهالي سيناء، خصوصاً في ظل استمرار العمليات العسكرية في المنطقة. كما جرى الإفراج عن نشطاء كانوا محتجزين بسبب آرائهم أو مشاركتهم في أنشطة سلمية، ومنهم شبابٌ اعتُقلوا في السنوات الماضية على خلفية التظاهرات السلمية أو التعبير عن الرأي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ملف المعتقلين في سجون مصر

وعلى الرغم من هذه الخطوات، تشير منظمات حقوقية إلى استمرار وجود أعداد كبيرة من المعتقلين السياسيين في السجون المصرية، حيث يُقدَّر عددهم بعشرات الآلاف. وتثير هذه المنظمات تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الإفراجات تعكس نيّة حقيقية لتحسين الوضع الحقوقي أم أنها مجرّد خطوات تجميلية للتعامل مع الضغوط الدولية. وتحدثت تقارير أخيراً عن استمرار الاعتقالات وإعادة احتجاز أفراد آخرين، ففي محافظة الشرقية، وبعد الإفراج عن أحد المعتقلين الذي قضى 11 عاماً في السجن، اعتقلت قوات الأمن أربعة من أبناء قريته، بعد يومين من إطلاق سراحه. ويثير هذا الحال تساؤلات تتعلق بمدى جدية الحكومة في تحسين ملف حقوق الإنسان، ويعكس تحدّيات مستمرّة تواجهها في هذا السياق.

عمار علي حسن: الكيانات المزمع إنشاؤها ليست إلا أدوات مصنوعة بيد السلطة

وفي محاولة لترويج وجود انفراجة في ملف حقوق الإنسان، استعانت الحكومة المصرية بعدة أحزاب موالية لها لتنظيم فعاليات وإصدار بيانات داعمة لخطواتها الأخيرة. تناول بعضها إطلاق سراح المعتقلين بأنه دليل على جدية الحكومة في تحسين الحريات العامة. ونظمت هذه الأحزاب ندوات وحملات إعلامية بهدف إبراز خطوات الحكومة إنجازات تستحق الإشادة.

في سياق متصل، تعمل السلطة في مصر على إيجاد كيانات سياسية جديدة لتعزيز الحراك السياسي الموالي لها، إذ أعلن رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، عن خطة لتأسيس كيان سياسي جديد يهدف إلى تعزيز المشاركة السياسية. بالإضافة إلى ذلك، جرى الإعلان عن تأسيس حزب جديد يحمل اسم "حزب الوعي" بقيادة النائب باسل عادل. ويرى مراقبون أن ذلك يجري محاولة لسد الفراغ الناتج عن ضعف الحياة السياسية وتراجع دور الأحزاب المعارضة.

في المقابل، يشير آخرون إلى احتمال أن تكون هذه التحرّكات جزءاً من ترتيبات مستقبلية لتعديل الدستور أو تعزيز سيطرة الحكومة على المشهد السياسي قبيل استحقاقات انتخابية مهمة. حول ذلك، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن، إن "الكيانات المزمع إنشاؤها على الساحة السياسية ليست إلا أدوات مصنوعة بيد السلطة لتحقيق أهداف محددة، بعضها يهدف إلى إضفاء طابع شكلي على الحياة السياسية، لإظهار تعددية واختلاف زائفين، وكأن الساحة تحتوي على روافد متعددة ومسارات متنوعة، لكن الواقع يكشف أن جميع هذه الكيانات تقع تحت سيطرة السلطة المطلقة، التي تحركها وفق إرادتها". وأضاف حسن، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الأحزاب الحقيقية تنبع من المجتمع نفسه، وتصنعها إرادة الناس، فتزدهر في تربة اجتماعية مواتية، وتعبّر عن مصالح المجتمع وتدافع عنها. أما الأحزاب المزمع إنشاؤها، فلا تعكس هذا المفهوم الحقيقي، إذ أن القائمين عليها يرتبطون بعلاقة وثيقة بالسلطة، وكأن بينهم حبلاً سرياً غليظاً، يجعل من هذه الكيانات وسيلة لتحقيق أهداف محددة".


سعيد صادق: الإصلاح الحقيقي يتطلب خطوات جوهرية مثل الإفراج عن السجناء السياسيين 

من جهته، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق إن "الأحزاب السياسية في عهد الرئيس حسني مبارك كانت غير مؤثرة، إذ لم تصل إلى الحكم أو تسيطر على البرلمان، رغم أن عددها بلغ حينها 25 حزباً. أما اليوم، فقد ارتفع العدد إلى حوالي 108 أحزاب، لكنها لا تزال غير مؤثرة، والعديد منها أقرب إلى أحزاب ولائية تدعم النظام أكثر من أنها تسعى إلى الحكم أو تداول السلطة أو حتى نقد السياسات القائمة". وأضاف صادق، في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "الإصلاح الحقيقي يتطلب خطوات جوهرية، مثل تحرير تدريجي للإعلام، والإفراج عن السجناء السياسيين الذين لم يمارسوا أو يحرّضوا على العنف، والسماح بحرية الانتخابات مع رقابة دولية شفافة. أما غير ذلك، فيبقى الحديث عن الإصلاح مجرد دعاية مؤقتة لكسب شعبية دولية أو تهدئة ضغوط خارجية".

تراجع الضغوط الأميركية والغربية

ويتزامن التحرك المصري على وقع ضغط المراجعة الدورية الشاملة لملف مصر بمجلس حقوق الإنسان في جنيف، ووسط تراجع الضغوط الأميركية والغربية على القاهرة بشأن ملف حقوق الإنسان. في سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت واشنطن تعليق جزء من المساعدات العسكرية لمصر بسبب عدم تحقيق تقدم كافٍ في هذا المجال. ومع ذلك، تم الإعلان أخيراً عن صفقة أسلحة ضخمة لمصر. وقالت مديرة برنامج مصر بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، ميريت مبروك، لـ"العربي الجديد" إنه "من الصعب الضغط على مصر في ما يخص سياساتها الداخلية، فعلى سبيل المثال عندما حاولت الولايات المتحدة ممارسة ضغوط لتحسين ملف حقوق الإنسان في مصر، من خلال منع جزء من المساعدات العسكرية، لم يحدث أي تغيير فوري؛ مصر تتصرف وفق رؤيتها ومصالحها، وليس استجابة مباشرة لأي ضغوط خارجية". وأضافت: "صفقة بيع السلاح لمصر لها أبعاد متعددة، لكنها لا تعني بالضرورة وجود تقارب بين القاهرة وواشنطن، فالعلاقات المصرية الأميركية تمر حالياً بمرحلة توتر، خصوصاً بسبب ما يحدث في غزة. إدارة الرئيس جو بايدن دعمت إسرائيل بشكل لافت وعميق، وهو ما تسبب في اضطرابات في العلاقة بين الطرفين".