معارك ولاية سنار.. ماذا حدث للجيش السوداني؟

02 يوليو 2024
سودانيون يفرّون من مدينة سنجة في ولاية سنار/30 يونيو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- المعارك في ولاية سنار، جنوب شرقي السودان، بين الجيش ومليشيا الدعم السريع تسببت في سيطرة المليشيا على مناطق استراتيجية وزيادة الحصار على المدينة، مما أثار قلق السودانيين وخاصة أنصار الجيش.
- "الدعم السريع" توسعت لتسيطر على سبع عواصم ولائية وتحاصر اثنتين أخريين، مما يثير تساؤلات حول قدرة الجيش السوداني على مواجهة هذه التحديات ويزيد من الانتقادات للقيادة العسكرية.
- استراتيجيات المليشيا في عزل وحصار وحدات الجيش واستغلال المناطق الحاكمة أظهرت فعالية، بينما الجيش يعتمد على الضربات الجوية دون تحقيق نتائج مرجوة، مما يشير إلى تعقيدات متزايدة في النزاع مع تأثيرات إنسانية وأمنية خطيرة.

أحدثت نتائج المعارك الأخيرة بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع في ولاية سنار جنوب شرقي البلاد، صدمة في صفوف الكثير من السودانيين، خصوصاً أنصار ومؤيدي الجيش.

وخلال المعارك التي تصاعدت الأسبوع الماضي واستمرت في الأسبوع الحالي، تمكّنت المليشيا المتورطة بجرائم ومجازر وانتهاكات مروّعة ضد المدنيين، من تعطيل خطط الجيش لإعادة السيطرة على ولاية الجزيرة، وسط السودان، وتقدمت أكثر ناحية ولاية سنار، في الجنوب  الشرقي، وسيطرت على  منطقة جبل موية الاستراتيجية التي تربط أربع ولايات، هي سنار والجزيرة والنيل الأبيض وكردفان، ومن ثم زادت الحصار على مدينة سنار قبل شن هجوم عليها تصدّت له قوى من الجيش. لكن المليشيا أجرت عملية التفاف، مستغلة طرقاً بديلةً تمكنت خلالها من الوصول إلى مدينة سنجة مركز ولاية سنار.

وبعد معارك لم تدم طويلاً أكملت المليشيا التي يقودها محمد حمدان دقلو "حميدتي"، سيطرتها الكاملة على المدينة، ثم تمدّدت شرقاً بالاستيلاء على مدن أخرى، مثل السوكي والدندر وكركوج وأم بنين ومعها عدد كبير من قرى الضفة الشرقية لنهر النيل الأزرق، وباتت قريبة جداً من وضع يدها على الحدود مع إثيوبيا في ولاية سنار، ما قد يعطي مليشيا الدعم السريع مجالاً لفتح خط إمداد جديد عبر البلد الأفريقي.

معارك ولاية سنار فتحت تهديداً أكبر

ولا تنحصر نتائج المعارك في ولاية سنار في حدود فكرة السيطرة على مدن فحسب، إنما مهدت لتهديد أكبر يطاول ولايات أخرى مثل النيل الأزرق والنيل الأبيض والقضارف، مع الإشارة إلى أن "الدعم السريع" مسيطرة فعلياً على سبع عواصم ولائية، وبنسبة أكبر على الخرطوم العاصمة، وتحاصر في الوقت ذاته عاصمتين أخريين هما الفاشر والأبيض، فيما تبقى كل من ولايات البحر الأحمر والشمالية ونهر النيل وكسلا، هي الأبعد عن تحركات وتوسّع المليشيا الدموية.

تقارير عربية
التحديثات الحية

ومع توالي ذلك التمدد، وانهيار الأوضاع الإنسانية، والازدياد المرعب في أعداد النازحين، والاحساس بانسداد الأفق، ارتفعت وتيرة التساؤلات عن سر ما حدث للجيش السوداني في ولاية سنار الاستراتيجية على وجه الخصوص، كما زادت لهجة الانتقادات لقيادة الجيش وعلى نحو أخص لقائده الجنرال عبد الفتاح البرهان، ووصلت إلى حد المطالبة بإقالته، وهو ما ظهر في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة.

وتركزت أبرز التساؤلات حول ما إذا كان الفشل نابعاً من القيادة أم من استراتيجيات المعارك وتكتيكاتها؟ وما إذا كان هنالك نقص عدديّ أو نقص في التسليح وغيرها من علامات الاستفهام. 

وقال الخبير العسكري عمر أرباب، إن قوات الدعم السريع تعتمد استراتيجية مبدؤها عزل وحدات الجيش في مقارّها، ثم محاصرتها من جبهات عدة، وبعد ذلك الهجوم المتتالي عليها في شكل موجات يومية، كما تحرص المليشيا على تركيز جهدها في السيطرة على المناطق الحاكمة التي تجعل من إمكانية هجومها على عدد آخر من المناطق وفي آن واحد ممكنة. 

واستشهد أرباب في حديث لـ"العربي الجديد"، بحادثة السيطرة على منطقة جبل موية، التي أتاح الاستيلاء عليها فرصة الهجوم على مدن مثل سنجة وسنار، وهدد مدينة كوستي وربك بولاية النيل الأبيض، مضيفاً أنه وبعد سيطرة المليشيا على مدينة سنجة، هددت مدينة سنار بحصارها من الجنوب عبر قواتها في سنجة ومن الغرب من جبل موية ومن الشمال، حيث تتمركز في مناطق ود الحداد والحاج عبد الله ومن الشرق حيث تمركز قوات أبوعاقلة كيكل، كما هددت المليشيا القضارف، مركز ولاية القضارف، والدمازين مركز ولاية النيل الأزرق.

"الجيش يبدو عاجزاً"

وأضاف الخبير العسكري، أن الجيش يبدو عاجزاً عن مقاومة تكتيكات الدعم السريع، ويعتمد فقط على الضربات الجوية التي ثبت أنها لا تحقق القدر الكافي من تحييد عناصر المليشيا أو القضاء عليها.

أما اللواء المتقاعد أمين إسماعيل مجذوب، فيرى أن طابع قتال المدن هو ما يميز حرب السودان الحالية، معتبراً أن الأخطاء والثغرات تكثر في مثل هكذا حروب، فتستفيد منها الأطراف المتحاربة، ويستطيع كل طرف استغلال أي نقص يحدث في الطرف الآخر، مثل نقص المعلومات الاستخبارية  والنقص في عدد القوات، ويستفيد كذلك من ميزة وجود قناصته في المناطق المرتفعة، ومن وجود طابور خامس يصطفُّ إلى جانبه، وهو ما يؤدي لتأثير كبير جداً في الحروب التي تدور داخل المدن.

وأضاف إسماعيل لـ"العربي الجديد"، أن كل ذلك حدث في حرب السودان، وقاد الدعم السريع لإحراز نصر قد يكون مؤقتاً وقد يكون دائماً، على حد قوله.

فيما يرى العميد المتقاعد خالد محمد عبيد الله، أن ما حدث ليس عبقريّة من قوات الدعم المتمردة، بل سوء تقدير من القيادات الميدانية، وقال إن ذلك "لا يشكل مؤشّراً لأي انهيارٍ"، مبيناً أنّ "القوات المسلحة السودانية ثابتة وستظل ثابتة، وتسيطر على دولة السودان". وأضاف: "لا تستطيع أي قوة كانت أن تدخل مثلاً الحدود الدولية دون تعرّضها لضربات جوية مميتة، وتسيطر القوّات المسلحة على شواطئ البحر الأحمر رغم الخيانة الإقليمية. ولا تستطيع أي سفينة الاقتراب من شواطئ البحر الأحمر والمياه الإقليمية دون إذن وبما تسمح به القوانين الدولية".

وأوضح عبيد الله لـ"العربي الجديد"، إن ما حدث في سنار وقبلها يؤكد أنها ليست حرباً بين قوتين متقاتلتين، مشيراً إلى ترويع المدنيين ونهبهم في سلوك غير إنساني من قبل قوات الدعم المتمردة. كما أشار إلى أن ما جرى في سنار لا يعتبر انتصارات، إنما خرقاً للأعراف والتقاليد الموروثة في الحروب، مبيناً أن الجيش السوداني لم يعلن تعبئة عامة ولم يقصد قبيلة دون أخرى، ولم يفتح أبواب التجنيد بعد بل اتّجه إلى مقاومة شعبية محكمة ومضبوطة بقانون الجيش.

وأضاف عبيد الله، أن "القوات المتمرّدة كانت بالأمس هي القوات البرية للجيش السوداني، واليوم رمت نفسها في دنس السياسة ويموت قادتها في معارك غير محسوبة العواقب ويخلع الجنود ملابسهم العسكرية هروباً من القبض عليهم في الولايات المتاخمة للمعارك"، موضحاً أن القوات المسلحة السودانية تستخدم حتى الآن قوة محدودة لتدمير ما تبقى من الآلة العسكرية للمليشيا "حتى يأتي وقت لا تجد فيه أي دعم من أي جهة".

وفي وقت لاحق اليوم الثلاثاء، قال مكتب الناطق الرسمي باسم الجيش، إن قواته تحقّق نجاحات مهمة في مدينة أمدرمان غرب الخرطوم، مشيراً إلى "تطهير" منطقة الدوحة وما حولها وتدمير عدد من المركبات القتالية للمليشيا وقتل عدد من عناصرها.