في موازاة توّجه الأنظار إلى معركة الرقة التي تتداخل فيها أطراف إقليمية ودولية، فإن معركة أخرى كبيرة تدور رحاها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في البادية السورية، من دون أن تحظى بتغطية اعلامية كبيرة. والواقع أن هناك ثلاث معارك تخوضها فصائل عدة من المعارضة السورية ضد التنظيم، واحدة باسم "سرجنا الجياد" في البادية السورية وأخرى متممة لها باسم "صد البغاة" في القلمون الشرقي، وثالثة باسم "قادمون يا قلمون". وفي كل هذه المعارك، حققت قوات المعارضة تقدماً كبيراً، وانتزعت مناطق ومساحات واسعة من التنظيم، في إطار هدفها المعلن وهو فك الحصار عن القلمون الشرقي، كمرحلة أولى وصولاً إلى إمكانية فك الحصار عن الغوطة الشرقية غرباً والسيطرة على البوكمال ودير الزور شرقاً.
وفي إطار هذه المعارك التي تدور على مساحات واسعة في مناطق صحراوية مكشوفة على امتداد أكثر من 130 كيلومتراً من الحدود السورية مع الأردن والعراق شرقاً إلى القلمون غرباً، تمكّنت قوات المعارضة في الأيام الأخيرة من السيطرة على تل دكوة في منطقة القلمون، إثر انسحاب تنظيم "داعش" من التلة ومحيطها بعد تكبّده خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.
وباستعادة تل دكوة أصبح فك حصار القلمون الشرقي هدفاً يمكن بلوغه، إذ لم يبقَ بيد التنظيم سوى استراحة السخنة وجبال المنقورة والعبدة والمحسا، وهي تفصل مناطق سيطرة المعارضة في البادية السورية ومناطق سيطرتها في القلمون بمسافة لا تتجاوز 18 كيلومتراً. وإذا تمت السيطرة على هذه النقاط، فإن الحصار المفروض على القلمون الشرقي منذ أكثر من عامين من قِبل تنظيم "داعش" وقوات النظام السوري يكون قد انتهى.
وجاء ذلك في إطار انسحابات واسعة قام بها عناصر التنظيم من المنطقة، كانت لقوات النظام حصة وافرة منها، تمثّلت في قرى وتلال عديدة، وهي قرى خربة صعد، القصر، بسطرة، رجم الدلة، الساقية، تل اصفر، الفديان، اشيهب غربي، اشيهب شرقي، تل المصيطبة، تلول سلمان، الشقرانية، السويمرة شمال محافظة السويداء. وجرت عملية تسليم تلك القرى والتلال للنظام من دون أي اشتباكات مع "داعش" وفق سيناريو مشابه لما حدث في ريف حلب الشرقي بعد انسحاب التنظيم من عشرات القرى وتسليمها لقوات النظام.
ونشر "جيش أسود الشرقية" بياناً أحصى فيه المناطق التي سيطر عليها مقاتلو المعارضة منذ بدء معركة "سرجنا الجياد لتطهير الحماد"، وهي الساقية، والدياثة، والكراع، وتل أصفر، ورجم البقر، ورجم الدولة، وبير قنيات، وبير العورة، والأصفر، وشنوان في ريف السويداء، وصولاً إلى ريف دمشق، حيث سيطروا على كل من بئر القصب، وتل دكوة، بعد طرد التنظيم من تلك المناطق.
وقال مدير المكتب العسكري لـ"جيش أسود الشرقية" أبو الوليد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن المعارك تجري على ثلاثة محاور أساسية، وهي محور ضمن معركة "سرجنا الجياد لتطهير الحماد"، وذلك في منطقتي المحسا وتل مكحول اللتين تُعتبران آخر معاقل "داعش" في الجنوب السوري، والمحور الثاني في ريف السويداء، حيث انتهت المعارك بعد سيطرة "جيش أسود الشرقية" عليها في مناطق الساقية والكراع والدياثة والأصفر وشنوان وبئر العورة وبئر قنيان، أما المحور الثالث فهو في ريف دمشق، حيث تم تحرير تل دكوه ومحيطها وبئر القصب والصريخي وتل الدخان، وفق قوله.
وأضاف أبو الوليد: "أما في الحماد السورية فقد تم تحرير سرية البحوث العلمية في منطقة التيس وجبل سيّس والسبع بيار وبئر الهيل وبئر مداد وجبل عادة ومفرق المحسا وابو الشامات وحاجز زازا"، مشيراً إلى أن العمليات هناك تمت بمشاركة كل من "أسود الشرقية" و"لواء شهداء القريتين" و"تجمع أحمد العبدو" و"مغاوير الثورة".
وأوضح أنه بعد السيطرة على منطقة المحسا وتل مكحول سيتم فك الحصار عن القلمون و"التفريج عما يقارب نصف مليون محاصر بين فكي النظام وداعش، وبعدها من المؤكد سيكون طريقنا نحو الغوطة الشرقية مفتوحاً"، مشيراً إلى أن قوات المعارضة باتت على بُعد 20 كيلومتراً فقط من مطار دمشق الدولي.
وحول ما إذا كان فصيل "أسود الشرقية" ومجمل فصائل المعارضة تتلقى أي دعم خارجي في معاركها ضد تنظيم "داعش"، قال أبو الوليد: "لم نتلق أي دعم جوي من قبل التحالف. وعلى العكس فور سيطرتنا على المناطق بدأ النظام بقصفنا"، مشيراً إلى مقتل مجموعة من مقاتلي فصيله قبل يومين في قصف لقوات النظام على المناطق التي سيطرت عليها حديثاً من تنظيم "داعش".
وتقول قوات المعارضة إن قوات النظام آزرت تنظيم "داعش" في معاركه ضد المعارضة من مواقعها في كل من سرية التيس ومنطقة بئر القصب وما حولها بالطيران الحربي والمدفعية الثقيلة، موقعة قتلى وجرحى في صفوف مقاتلي المعارضة. كذلك قالت "قوات أحمد العبدو"، التابعة للجيش السوري الحر، إن عدداً من مقاتليها قُتلوا وجُرحوا جراء قصف جوي للنظام على موقع لها في القلمون الشرقي. وأوضحت أن طائرات النظام قصفت منطقة بير الرصيف قرب اوتوستراد دمشق-بغداد، ما أسفر عن مقتل مقاتلين اثنين وجرح ثلاثة آخرين، مشيرة إلى أن مقاتليها كانوا متجهين للسيطرة على منطقة المحسا في القلمون الشرقي، آخر معاقل تنظيم "داعش" هناك.
وفي هذا الإطار، أطلقت "قوات أحمد العبدو" و"جيش الإسلام" و"أسود الشرقية" و"جيش العشائر"، معركة "قادمون يا قلمون"، إذ تدور معارك في محاور منطقة المحسا وجبل المنقورة بين الفصائل وتنظيم "داعش"، وذلك بعد أن أعلنت الفصائل في تلك المنطقة قبل أيام عن طرد التنظيم من كامل القلمون الشرقي، لكن المنطقة ما زالت محاصرة من قِبل قوات النظام و"داعش". وتدور معارك عنيفة في محاور منطقة المحسا وجبل المنقورة بين مقاتلي المعارضة وتنظيم "داعش".
وقالت مصادر المعارضة إن هذه المعارك تستهدف أيضاً فضلاً عن فك حصار القلمون والتطلع إلى فك حصار الغوطة الشرقية، قطع الطريق على اتخاذ تنظيم "داعش" من منطقة البادية السورية مركزاً جديداً له بعد انسحابه المتوقع من الموصل والرقة. كذلك أشارت المصادر إلى أن فصائل المعارضة تتطلع أيضاً في مراحل لاحقة إلى السيطرة على بادية تدمر، وعلى البوكمال ودير الزور أيضاً.