مقترح قانون مفاجئ لإبعاد المحكمة الإدارية عن النزاعات الانتخابية في تونس

21 سبتمبر 2024
تظاهرة منددة بالهيئة العليا للانتخابات في تونس، 2 سبتمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

فوجئت الساحة السياسية في تونس مساء الجمعة بمقترح جديد تقدمت به مجموعة من النواب لتعديل قانون الانتخابات، تزامناً مع الحملة الانتخابية الرئاسية. وأثار الموضوع جدلاً واسعاً وحملة تنديد قوية، خصوصاً لما اعتبره الخبراء محاولة غير مسبوقة لإبعاد المحكمة الإدارية عن النزاعات الانتخابية، واستباقاً لأحكام ضد السلطة. وقرر مكتب البرلمان التونسي، المنعقد الجمعة بشكل استثنائي خلال العطلة البرلمانية، استعجال إحالة مقترح قانون يتعلق بتعديل قانون الانتخابات، والاستفتاء على لجنة التشريع العام، مع طلب استعجال النظر.

ويظهر مقترح التعديل المقدّم من 34 نائباً من كتل برلمانية مختلفة، وغالبيتهم مساندون للرئيس قيس سعيّد، وأقدموا على تزكية ترشحه للانتخابات المقبلة في 6 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، تعديلات في القانون الانتخابي الحالي تتعلق بالنزاع الانتخابي، ليسحب هذا الاختصاص الحصري من المحكمة الإدارية، ويحيله بشكل كامل إلى القضاء العدلي بدلاً من القضاء الإداري. ومن أبرز المقترحات، تنقيح الفصل 46 على مستوى فقرة أولى جديدة، والذي ينص على أن يكون الطعن مستقبلاً في قرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من قبل المرشحين المقبولين من قبل الهيئة أمام محكمة الاستئناف بتونس، عوضاً عن المحكمة الإدارية.

وشرح النواب في وثيقة أسباب التعديل أن مبادرتهم ترتكز على ما عاينوه من "اختلافات وصراعات في القرارات المتخذة والمواقف المعلنة من طرف كل من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الإدارية، بما ينذر ببوادر أزمات محتملة، وخطر داهم يهدد المسار الانتخابي، وينذر بإرباكه وإدخال البلاد في متاهات من شأنها أن تبعد عن انشغالات عامة الشعب وانتظاراته"، وفق الوثيقة. ويعتبر خبراء القانون أن القضاء الإداري في تونس هو المختص في النزاعات الانتخابية، وبين المؤسسات والدولة، ولديه تقاليد في فض الخلافات التي نشبت بين المواطنين والدولة والإدارات، بينما القضاء العدلي مختص في النزاعات الجنائية والجنح والجرائم والخلافات بين المواطنين والأفراد.

وأعلنت الشبكة التونسية للحقوق والحريات، التي تضم عدداً من الجمعيات والمنظمات والأحزاب، حالة الطوارئ الشعبية، مبينة أنها ستعلن قريباً عن تحركاتها وخطواتها للتصدي لهذا المشروع الذي يهدد دولة القانون والمؤسسات في بلادنا. وقالت في بيان لها، مساء الجمعة، إن "السلطة التنفيذية تواصل محاولاتها لاختراق السلطة القضائية والتأثير على استقلاليتها". واعتبرت أن "هذه الخطوة تمثل اعتداءً صريحاً على أسس الديمقراطية والعدالة ودولة القانون في تونس. والشعب التونسي لن يقف مكتوف الأيدي أمام محاولات تحييد وإضعاف المؤسسات التي تضمن حماية حقوقه وحرياته".

كذلك، اعتبرت منظمة" أنا يقظ"، في بيان لها، أن "المساس بالقواعد القانونية المتعلّقة بالانتخابات خلال سير العملية الانتخابية فيه مسّ جوهري بسلامة المسار الانتخابي، وفيه مخالفة جسيمة للممارسات الفضلى المتعلّقة بالانتخابات، والتي تحجّر تنقيح القانون الانتخابي خلال السنة الانتخابية". وأكدت أن "محاولة ترذيل عمل المحكمة الإدارية عبر محاولة إقصائها من رقابة المسار الانتخابي لعدم انصياعها لأهواء رئيس الجمهورية، وإرجاعها لثلاثة مرشحين للانتخابات الرئاسية، وخوفاً من إمكانية إلغائها النتائج مستقبلاً، ليس إلاّ دليلاً واضحاً على مضي السلطة قدماً في مسارها الأحادي والديكتاتوري".

وقالت جبهة الخلاص الوطني في بيان لها، مساء الجمعة، إن "هذا التعديل جاء خطوةً استباقيةً لدرء خطر إلغاء هذه الانتخابات من قبل المحكمة الإدارية، بعد أن تجاهلت هيئة الانتخابات قراراتها، وأقصت المعنيين من حق الترشح، ما يعرّض الانتخابات برمتها إلى الطعن في صحتها". واعتبرت الجبهة أن "هذا الاجراء يُعدّ اعتداءً سافراً على استقلالية السلطة القضائية، وتشريعاً على المقاس في نزاعات جارية خاضعة لقوانين سابقة الوضع".

واستغرب عبد الرزاق عويدات، رئيس كتلة الخط الوطني السيادي بالبرلمان الحالي ورئيس الحملة الانتخابية للمترشح الرئاسي زهير المغزاوي، في تعليقه لـ"العربي الجديد"، مقترح التعديل وتوقيت طرحه خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، قائلاً "لا يصح التعديل في القانون الانتخابي خلال الانتخابات، فلا يمكن تعديل القانون الانتخابي في سنة الانتخابات، فكيف يمكن تعديل القانون الانتخابي خلال الانتخابات؟"، مشدداً على أن "هذا الأمر غير مقبول". وبيّن عويدات أنه "يرفض المقترح من حيث الشكل دون الخوض في مضمونه، فالاعتراض قائم على الشكل"، مشيراً إلى أن "النواب تقدموا بالمقترح باسمهم الشخصي ولا يعبّرون عن كل المجلس". ورداً على وجود نائب منتمٍ لكتلة الخط الوطني السيادي ضمن النواب المقترحين للتعديل، قال عويدات إنه "يمثل نفسه ولا يمثل الكتلة".

ووصف أستاذ القانون الدستوري وخبير القانون الانتخابي والبرلماني مبروك الحريزي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، هذا التعديل بأنه "عبث قانوني لا يمكن التعليق عليه، باعتباره مخالفاً وخارجاً عن كل المواثيق والمعايير الانتخابية الدولية والمحلية، باعتباره مطروحاً أثناء الحملة الانتخابية تحديداً، وهو مخالف لما أعلنته السلطة سابقاً بتفاديها تعديل القانون الانتخابي حتى لا تمس بقواعد اللعبة، فهذه سلطة متناقضة".

وبيّن الحريزي "وجود خلل من حيث الشكل والتوقيت" مشدداً على أنه "من حيث المحتوى والمضمون، يُعدّ تحايلاً وتزويراً قانونياً للعملية الانتخابية، باعتباره يأتي على خلفية قرارات الجلسة العامة الإدارية للتهرب من نتائجها، التي ستؤدي حتماً إلى إلغاء المسار الانتخابي والحكم بعدم شرعيته، وهذا تفادياً لهذا القرار". وفسّر الحريزي أن "تغيير النزاع الانتخابي من القضاء الإداري المختص في المادة الانتخابية إلى القضاء العدلي، فيه استباق لأحكام المحكمة الإدارية المتوقعة، وتهرّب من قراراتها، وذلك بوضع النزاع أمام قضاء لا خبرة له في النزاع الانتخابي، وهي سابقة بعد الثورة".

وأفاد بأن "هذا التعديل يعكس تخلفاً تشريعياً ومخالفة لأبسط مبادئ القانون والقضاء الإداري، بحصر الطعن عند المرشحين المقبولين من الهيئة، وهذه سابقة لم يعرفها ولم يسبق لها أي نظام تسلطي من قبل". وأوضح أن "في ذلك تواصلاً في الاعتداء على الدولة ومؤسساتها، وتراجعاً قانونياً، فلم تعد لهذه الانتخابات أي شرعية، والسلطة تهرب إلى الأمام". واعتبر نائب رئيس حزب العمل والإنجاز، ومدير الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي المستبعد عبد اللطيف المكي، أحمد النفاتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذا التعديل خطير جداً، وكأنه سيتم تغيير الحكم في الدقيقة الأخيرة من اللعبة بسبب عدم الرضا عن النتائج"، مبيناً أن" هذه الخطوة تأتي تفاعلاً مع قرار المحكمة الإدارية الأسبوع الماضي، الذي يُعدّ حكماً باتاً ونهائياً وغير قابل للتراجع بإقرار إعادة إدراج ثلاثة مرشحين للسباق الرئاسي، عبد اللطيف المكي، ومنذر الزنايدي، وعماد الدايمي، وكما اتفق عليه غالبية أساتذة وعمداء القانون والخبراء، بأن الهيئة ملزمة بتنفيذ قرار المحكمة الإدارية إعادتهم إلى السباق، وإلا يُعدّ مسار الانتخابات باطلاً".

وقال النفاتي: "سنطعن في هذه الانتخابات باعتبارها باطلة ونتائجها باطلة أياً كان الرئيس المقبل، ودعينا هيئة الانتخابات لمراجعة وتصحيح الخطأ، كما بدا من قرار المحكمة طلبها مراجعة قرارها وتعديل الرزنامة الانتخابية على ضوء ذلك إن اقتضى الأمر". وأفاد بأن "هناك جهة تعلم أن إبطال هذه الانتخابات يفسر الذهاب لتحويل النزاع الانتخابي من المحكمة الإدارية للقضاء العدلي، وفي ذلك عبث بمؤسسات الدولة".

وانطلقت حملة الانتخابات الرئاسية رسمياً في 14 سبتمبر/ أيلول. وكانت الهيئة العليا للانتخابات في تونس قد أعلنت، بداية أغسطس/ آب الماضي، قبول ترشح الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، بالإضافة إلى كل من الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، ورئيس حركة "عازمون" العياشي زمال. وقامت السلطات بإيقاف زمال في مطلع سبتمبر/ أيلول الحالي، إثر تهم تتعلق بافتعال تزكيات شعبية وتزوير التوقيعات الخاصة بها. ورفضت السلطات القضائية مطالب الإفراج عن زمال الذي أصدرت في حقه المحكمة الابتدائية بمحافظة جندوبة حكماً بالسجن مدة عام وثمانية أشهر.