تشهد انتخابات مجلس الأمة الكويتي (البرلمان)، المقررة الخميس المقبل، عودة زخم المهرجانات الخطابية في المقرات الانتخابية للمرشحين، بعد توقّف فرضته جائحة كورونا خلال الانتخابات الأخيرة، التي جرت في 5 ديسمبر/كانون الأول 2020. ويومها، تم اتخاذ إجراءات مشددة غير مسبوقة من قِبل وزارة الصحة بالتعاون مع وزارة الداخلية لمنع انتشار العدوى.
ومنعت وزارة الداخلية عقد الندوات الانتخابية في انتخابات مجلس الأمة 2020، وألغت المقرات الخاصة بالمرشحين، كما حظرت التجمعات أثناء فترة الدعاية الانتخابية، وحرصت على عدم وجودها في يوم الانتخاب.
من جهتها، خصصت وزارة الصحة مراكز انتخابية عدة للمصابين بفيروس كورونا لانتخاب مرشحيهم، وتابعت تحركاتهم لضمان وصولهم إلى مراكز الترشيح، وعودتهم إلى أماكن حجرهم، من دون توجههم إلى أماكن أخرى. وشدّدت الوزارة حينها على تطبيق الشروط الصحية أثناء عملية الانتخاب، مثل ارتداء الكمّامة والتزام التباعد الاجتماعي.
المقرات الانتخابية... انتعاش سياسي بعد انتهاء كورونا
وأدى إلغاء الكويت كافة القيود الاحترازية الخاصة بكورونا، في الأول من مايو/أيار الماضي، إلى انتعاش الأجواء السياسية في موسم الانتخابات التشريعية في البلاد، بعودة المقرات الانتخابية، التي قام المرشحون باستصدار تراخيص لها من بلدية الكويت. وبلغت هذه المقرات 187 مقراً انتخابياً، وفق ما أكده المدير العام لبلدية الكويت أحمد المنفوحي، في اجتماع اللجنة المشتركة مع وزارة الداخلية للإشراف على سير الانتخابات، في 13 سبتمبر/أيلول الحالي.
منعت وزارة الداخلية عقد الندوات الانتخابية في انتخابات 2020 بسبب كورونا
وافتتح معظم المرشحين لعضوية مجلس الأمة، مقراتهم الخاصة في مختلف الدوائر الانتخابية عبر مهرجانات خطابية، شهدت إقبالاً واسعاً من الناخبين لحضورها، والاستماع إلى طروحات المرشحين بصورة مباشرة. كما حرص المرشحون على حشد قواعدهم الانتخابية بالحضور، للتأييد والمساندة ولإبراز حظوظهم بالفوز.
وسعى معظم المرشحين خلال مهرجاناتهم الخطابية، إلى دعوة شخصيات فاعلة سياسياً، خصوصاً من النوّاب السابقين ذوي الشعبية العالية، لإلقاء كلمات إلى جانبهم، ومنح المهرجانات الانتخابية صبغة حماسية، ولكسب تأييد عدد أكبر من الناخبين. وكان أنشط من شارك في هذه المهرجانات، النائبان السابقان فيصل المسلم وبدر الداهوم، حيث دعما بمشاركتهما عدداً واسعاً من المرشحين في الدوائر الانتخابية الخمس.
وإلى جانبهما، كان النائب السابق والسلفي المستقل وليد الطبطبائي، من أبرز المشاركين في المهرجانات الخطابية التي أقيمت لافتتاح المقرات الانتخابية للمرشحين، لكنه كثّف جهوده أكثر لصالح المرشحين الإسلاميين.
من جهته، ركّز الأمين العام لـ"حركة العمل الشعبي" الكويتية (حشد)، والنائب السابق، مسلّم البراك، خلال المشاركة في المهرجانات الخطابية على ممثلي الحركة، متعب عايد الرثعان في الدائرة الرابعة، ومحمد مساعد الدوسري في الدائرة الخامسة، وباسل البحراني في الدائرة الأولى، مكتفياً بالدعم من خلال الزيارات إلى المقرات الانتخابية، لعدد محدود آخر من المرشحين في الدوائر الخمس.
وفي هذا السياق، أوضح مرشح الدائرة الثانية صلاح الفضلي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "خلال انتخابات مجلس الأمة 2020، لم يكن هناك تواصل مباشر مع الناخبين بسبب إجراءات كورونا وعدم وجود مقرات انتخابية، حيث كان الاعتماد الكليّ على مواقع التواصل الاجتماعي".
وأضاف الفضلي أن "المقرات الانتخابية تكتسب أهمية في الانتخابات، وللأسف لا يزال وجود المقر الانتخابي ومساحته ومظهره، مهم عند الناس كمعيار للحكم على المرشح، على الرغم أن فيه عدم تكافؤ للفرص، لأن هناك ضخّا لكثير من الأموال على المقرات الانتخابية".
وشرح الفضلي مثلاً أن "أسعار أقل مقر انتخابي هي بحدود 20 و30 ألف دينار كويتي (64500 و96800 ألف دولار تقريباً)، وهذا ما لا يحقق مبدأ تكافؤ الفرص مع المرشحين الذين لديهم إمكانيات مالية محدودة". ورأى أنه "لا بد أن تكون هناك مفوضية للانتخابات تحدّ من الصرف على الانتخابات، فمن غير المقبول أن مرشحاً لديه الإمكانيات يفتتح أكثر من مقر، ويغدق الإعلانات في كل مكان، بينما لا تُتاح الفرصة لمرشح آخر لا يمتلك نفس الإمكانيات".
من جهة أخرى، أقرّ الفضلي بـ"صعوبة تغطية مساحة الدائرة الانتخابية من خلال زيارة كافة الناخبين، كما أن الزيارات ترهق المرشح وتستنزف طاقته، ما يجعل المقر الانتخابي يقلّص جزءاً من المسافة بين المرشح والناخب". كما لفت إلى أن "عقد أكثر من ندوة انتخابية، وتسجيلها ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، يتيحها لأعداد أكبر من الناخبين في الدائرة ممن لا يتسنى لهم الحضور".
بلغت المقرات الانتخابية 187 مقراً انتخابياً خلال الموسم الانتخابي الحالي
وأكد الفضلي أن "المقياس الرئيسي عند الناخب في ما إذا كان المرشح لديه حظوظ بالفوز، يأتي من خلال الحضور الكبير في المقر الانتخابي، فيتجه للتصويت له من باب المساهمة في نجاحه". واعتبر أن ذلك يحصل "رغم أن جزءاً من حضور المقرات الانتخابية غير حقيقي ومصطنع، فمنهم من تدفع لهم مبالغ مالية للحضور، أو من يحضر من أجل وليمة العشاء، وآخرون يأتون من باب المجاملة الاجتماعية لا غير، من دون أن يمنحوا المرشح أصواتهم". وبرأيه، فإن المرشح "قد يخدع أحياناً من حجم الحضور، ويظن بأنه فائز في الانتخابات".
وسيلة جذب للناخب الكويتي
واعتبرت المتابعة للشأن الانتخابي، فاطمة عادل، في حديث مع "العربي الجديد"، المقرات الانتخابية "عرضاً لاستعداد المرشح للانتخابات، ولطرح نفسه في الساحة السياسية، ولعرض برنامجه الانتخابي على المواطنين، وتسهيل وصول الناخبين إليه، سواء للتعرف على طرحه ومناقشته أو طرح القضايا عليه". ورأت أن المرشح "إذا فشل في أن يكون قريباً من الناس في وقت الانتخابات، فإنه غالباً لن يصل إلى البرلمان".
وذكّرت عادل بأنه "في انتخابات مجلس الأمة الأخيرة عام 2020، لم تكن هناك فرصة للمرشحين الجدد لطرح أنفسهم على الساحة، لأن الندوات والإعلانات اقتصرت على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان الناخبون يبحثون عن ندوات شخصيات يعرفونها مسبقاً". أما الانتخابات المرتقبة خلال الشهر الحالي، فقد سمحت برأيها لكثير من المرشحين الجدد بأن يبرزوا على الساحة، مثل المرشحة في الدائرة الرابعة موضي المطيري، التي لم يسبق لها الظهور في حدث سياسي ولا تملك حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها حشدت من خلال ندواتها في مقرها الانتخابي أعداداً ليست قليلة، وأصبحت تنافس في إحدى أصعب الدوائر".
تسلط المقرات الانتخابية الضوء على مسألة عدم تكافؤ الفرص، لأنها تتطلب ضخا للمال لا يملكه كل المرشحين
وعمّا إذا كانت المقرات الانتخابية مقياساً حقيقياً لحظوظ المرشح في الانتخابات، قالت عادل: "المقرات الانتخابية مقياس لحظوظ المرشح، ولكن للعاملين في حملته الانتخابية وليس للعامة، لأنهم يعرفون أعداد ناخبي الدائرة، وأعداد المتواجدين من نفس الدائرة في المقر الانتخابي، ومدى جديتهم في التصويت لمرشحهم".
ولفتت عادل إلى أن "الحضور من الممكن أن يكون من الدوائر الأخرى، وممن لم يُعط حق التصويت بعد، أو الممنوعين من التصويت، كما أن بعضهم يحضر للاطلاع فقط، ومن هنا فإن المقرات الانتخابية تخدم المرشح أكثر من الناخبين في مسألة القياس". علماً أن بعض الناخبين "قد يتأثرون بالأعداد الموجودة في مقر انتخابي، وقد يبدلون رأيهم بالتصويت لصالح المرشح، معتقدين أن حظوظه عالية وبأنه حجز مقعداً له في البرلمان"، بحسب رأيها.
أما حول تخصيص بعض المرشحين مقرات خاصة للرجال وأخرى للنساء، ومرشحين آخرين لمقرات مختلطة، فرأت عادل أنه "أمر طبيعي، فكل مرشح يعرف الفئة المستهدفة من ندوته الانتخابية". واستطردت بالقول إنه "لو عرض المرشح في الدائرة الرابعة أو الخامسة، مثلاً، ندوة مختلطة، فلن يحضرها سوى قلّة من الناس، بسبب طبيعة البيئة المجتمعية في هاتين الدائرتين، بينما في الدوائر الأولى والثانية والثالثة، فقد أصبحت الندوات المختلطة أمراً دارجاً، وذلك يعود إلى بيئة الفئة المستهدفة في هذه الدوائر".
وأكدت عادل أنه "لا يمكن لمرشح الفوز في الانتخابات من دون وجود مقر انتخابي، إذ لن يؤخذ على محمل الجد من دونه من قبل الناخبين". ويأتي ذلك بحسب شرحها، "خصوصاً أنه في كلّ مرة يُفتح باب الترشح، تظهر فئة تستخف بالمشهد الانتخابي، وتُسجّل ترشحها في الانتخابات من دون هدف، كما شاهدنا عند فتح باب الترشح بتسجيل أعداد كبيرة اختفت مع إغلاق باب الترشح، كما أن المرشح بلا مقر انتخابي سيبقى بعيداً عن الناخبين".
وأخيراً، اعتبر الناخب في الدائرة الخامسة، فهد العنزي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هذه الانتخابات تحديداً تمثل مرحلة تاريخية من مراحل تاريخ الكويت، كونها تأتي بعد نهاية فترة طويلة من الصراع السياسي وبداية لواقع جديد، وحرصت على أن أكون شاهداً على جزء كبير من تفاصيلها".
وقال العنزي "على الرغم من أني أُصوّت في الدائرة الخامسة، فقد حضرت مختلف الندوات الانتخابية في كل الدوائر بشكل شبه يومي، لأعرف تصوّرات السياسيين حول المرحلة المقبلة، وأتعرف على مشاريعهم السياسية، والشخصيات المناسبة للأيام المقبلة وفق قناعاتي الشخصية". وأضاف: "أعرف كثيراً من الشباب حضروا عدداً كبيراً من افتتاح المقرات الانتخابية، للأسباب ذاتها أو لغيرها، وفي كل الأحوال كانت السمة المشتركة بيننا كشباب، أن لا نفوّت هذه المرحلة من ذاكرتنا بكلّ تفاصيلها".