بدأت في الجزائر حملة دعائية مبكرة لإبراز ما توصف بأنها إنجازات سياسية واقتصادية واجتماعية للرئيس عبد المجيد تبون، وسط جدل حول خلفيات هذه الحملة، واستياء من استدعاء ممارسات تمجيد الرئيس، وهي نفسها التي كانت في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وكانت أحد الأسباب التي أفرزت الحراك الشعبي في فبراير/شباط 2019.
وأثار إعلان جامعة جزائرية تنظيم ملتقى علمي حول خطاب الرئيس عبد المجيد تبون جدلا كبيرا عن دواعي هذا النوع من الملتقيات التي تضع الجامعة في قلب المعترك السياسي وفي سياق دعم السلطة. وأعلنت جامعة زيان عاشور بولاية الجلفة، وسط البلاد، عن تنظيم ملتقى بتزكية من وزير التعليم العالي وحاكم الولاية، حول "التحليل السوسيولوجي لخطاب الرئيس عبد المجيد تبون في القمة العربية" الأخيرة التي عقدت في الجزائر مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المنقضي. وصنفت الجهة المنظمة، كلية العلوم الاجتماعية ومخبر الدراسات التاريخية والإنسانية والاتحادية الوطنية للتعليم العالي، الملتقى على أنه "وطني"، تحت شعار "ثقة الرئيس من ثقة الشعب"، ودعت النخب والأكاديميين إلى إرسال مداخلات للمشاركة قبل تاريخ السادس من ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وحدد لهذا الملتقى تاريخ يتزامن مع مرور السنة الثالثة لإجراء الانتخابات الرئاسية التي حملت عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، بعد حراك شعبي عارم، بينما كانت تلك الانتخابات قد جرت في ظل مقاطعة شعبية وسياسية كبيرة، نتيجة رفض مكونات الحراك الشعبي للمسار الانتخابي حينها.
وانتقد أستاذ علم الاجتماع السياسي، نوري دريس، تحول الجامعة إلى هذا المسار الذي يبعد المؤسسة الجامعية عن دورها البحثي والتأهيلي الرئيس. وقال في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الجامعة بدأت منذ مدة الترويج للعهدة الثانية للرئيس تبون، وتم حشد كل شيء لذلك، والمنظمات الطلابية استقبلها وزير التعليم العالي قبل يومين، والتعليمات أسديت منذ فترة لتسخير الفضاء الجامعي ومكوناته لذلك؛ اليوم نحن فقط نرى ما بدأ التحضير له منذ مدة"، مشيرا إلى أنه "من الواضح أن النظام عاجز عن فهم الحراك وليست له آليات تمكنه من ذلك أصلا، إنه عاطل تماما وهو كالمريض الذي يصر على المضي في كل ما يسبب المرض".
وتزامن الإعلان عن الملتقى المثير للجدل، مع دعوات جمعيات موالية للسلطة، كالاتحاد الوطني للمجتمع المدني وترقية المواطنة، إلى الترشيح المبكر للرئيس تبون لولاية رئاسية ثانية، على الرغم من أن موعد الانتخابات ما زال مبكرا، إذ من المقرر إجراؤها في نهاية عام 2024. ونشر الاتحاد مناشدة "لترشح رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لعهدة رئاسية ثانية من أجل الاستقرار وازدهار البلاد والتحرر الاقتصادي وبهذا تصطف الجزائر في مصاف الدول العظمى".
وتبرز هذه الخطوة، بحسب مراقبين، ضمن سياق حملة دعاية لصالح الرئيس عبد المجيد تبون، في العام الثالث لانتخابه، ومحاولة إبراز ما تعتبره الجهات التي تقف خلف الحملة الدعائية "منجزات" وتركيزا للمؤسسات وعودة قوية للدور الدبلوماسي للجزائر دوليا وإقليميا، إذ كانت وكالة الأنباء الجزائرية قد دشنت بداية انطلاق حملة الدعاية السياسية لصالح الرئيس تبون، عندما نشرت قبل أسبوع، تقريرا تحول إلى أرضية نقاش في مجموع القنوات الرسمية والموالية، دافعت فيه عن منجزات الرئيس تبون.
ووصف التقرير حصيلة حكم الرئيس تبون "بالمعجزة" في غضون السنوات الثلاث الأولى من حكمه، منذ نهاية عام 2019، وأفاد بأن "الجزائر تحولت بفضل رئيس الجمهورية إلى دولة جذابة للغاية تتوفر فيها ظروف العيش الرغيد، حيث تحققت معجزة منذ سنة 2019، من شأنها وضع الجزائر في الطريق نحو الانضمام إلى مجموعة البريكس"، واعتبر أن "الرئيس تبون استطاع خلال ثلاث سنوات بالرغم من أزمة كوفيد-19 أن يحدث الانطلاقة الجديدة وأن يوحد الجميع حول مشروعه"، وذهب إلى القول إنه تم "وضع بناء مؤسساتي في مستوى كبرى الديمقراطيات".
واعتبر أستاذ العلوم السياسية توفيق بوقاعدة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هناك التقاطا من قبل النخب الموالية، سواء في الجامعة أو في فضاءات أخرى، للتوجيهات أو الإشارات التي تعطى من قبل السلطات للإعلام، بشأن دعم الرئيس أو إسناد موقف أو قضية ما تتبناها السلطة، بحيث تقوم بترجمة ذلك إلى هكذا خطوات تعبر عن مساندة السلطة والرئيس والخيارات الرسمية".