بدأت أولى ملامح دخول إسرائيل على مسار العلاقات العربية البينية أولاً والعلاقات العربية - الإسرائيلية، أو ما يعرف بالتطبيع ثانياً، منذ اللحظة التي قرر فيها الرئيس المصري أنور السادات قلب كل المعادلات وإعلانه منفرداً قرار الذهاب إلى القدس. كانت هذه المرة الأولى التي يتم الحديث فيها عن إسرائيل والعلاقة معها علناً، لم تكن الدول العربية على ما يبدو مستعدة لما ذهب إليه السادات. ذهاب السادات أحدث ثغرة في جدار العلاقة مع إسرائيل، لكن اتفاق أوسلو الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية شرع كل الأبواب إلى الحد الذي لم يبق فيه بين إسرائيل والدول العربية أي جدران.
جرت مياه كثيرة في روافد العلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية والعلاقات الإسرائيلية - العربية، واختصرت أوسلو كل البدايات والنهايات وبات السلام هو الخيار الشامل والعادل والوحيد. لم تكن الدول العربية تريد من منظمة التحرير الفلسطينية أكثر من توقيع اتفاق أوسلو، وهو الاتفاق الذي أعفى هذه الدول من استدعاء خطاب الثورة والكفاح المسلح ودعم الثورة الفلسطينية وتحمل جولات الاشتباك التي كانت تحدثها منظمة التحرير وفصائلها بين الحين والآخر مع إسرائيل.
على خطى السادات سارت منظمة التحرير الفلسطينية، استثمر السادات انتصار حرب أكتوبر عام 1973، فلم تنتظر المنظمة حتى تنضج نتائج الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، فقرر عرفات الذهاب بغطاء عربي إلى أوسلو، وإن كان الفلسطينيون قد استبقوا العرب بالذهاب بعيداً في العلاقة مع إسرائيل، فإن الدول العربية استدركت هذا السبق عندما قدمت هي وتطوعت وبادرت بتقديم مبادرة السلام العربية التي قدمتها السعودية وتم تبنيها في قمة بيروت عام 2002. المفارقة أن المبادرة قدمت على وقع الحصار الإسرائيلي لياسر عرفات في مقر المقاطعة برام الله.
كانت اللحظة الفارقة في تاريخ الارتباط العربي أو التوظيف العربي للقضية الفلسطينية تقديم المبادرة العربية للسلام وفي بيروت وخلال القمة، الأمر الذي يعني أن العرب ماضون صوب التطبيع بفلسطين وبدونها، وقد أعلنت المبادرة العربية من بيروت وكأن الدول العربية تقدم رسالة أخرى تقول فيها إننا نتبع عرفات الذي تحول إلى أوسلو بعدما غادر بيروت وها نحن نعود من بيروت ونقدم إليكم مبادرة السلام. رفضت إسرائيل هذه الهرولة العربية ورأت أن المبادرة كأن لم تكن، لم يفشل العرب ولم يحبطوا بل قررت الدول العربية الذهاب فرادى صوب إسرائيل بدلاً من الذهاب جماعات وبمبادرة معلنة. وبهذا مرر التطبيع وانتهت المبادرة أو كأنها لم تكن مثلما أرادت إسرائيل.
بدت الدول العربية وكأنها كانت تنتظر قبول الفلسطينيين بالسلام، بغض النظر عن نتائجه، لأن تعثر المفاوضات بين إسرائيل والمنظمة لم يفض إلى تعثر التطبيع والهرولة العربية صوب إسرائيل حتى انتفاضة الأقصى عام 2000 وحصار عرفات وتغوّل شارون، وإن أفضت لتجميد العلاقات العربية - الإسرائيلية، لكنه جمود مؤقت لم يصمد عامين وإذا به يقدم مبادرة سلام شاملة تبنتها كل الدول العربية. حتى مطالبة وزراء الخارجية عام 1997، وعلى وقع مجازر إسرائيل في الضفة والقدس لم تتعد المطالبة بالتجميد "المؤقت" للتطبيع، والذي سرعان ما عاد مرة أخرى عقب أحداث سبتمبر عام 2001، ومن تلك اللحظة لم يعد التطبيع العربي مع إسرائيل بحاجة للمرور على القضية الفلسطينية، تم تجاوز ذلك، أصبح المرور إلى واشنطن والتحالف معها والاستقواء بها أحد شروطه التطبيع مع إسرائيل.
لا يمكن تبرئة منظمة التحرير الفلسطينية من تتالي وتتابع الهرولة العربية صوب إسرائيل، وتتحمل المنظمة ومكوناتها جزءاً كبيراً من الهرولة العربية التي حدثت، لكن من الذي دفع المنظمة دفعاً للذهاب إلى أوسلو وهل كانت الدول العربية في انتظار توقيع اتفاق أوسلو فقط، لتعفي نفسها من تبعات الإدانة الشعبية واستنكار المعارضة، حتى بات الموقف الرسمي العربي يتحجج بالفلسطينيين ويردد لن نكون ملكيين أكثر من الملك، بمعنى أن العرب لن يكونوا أكثر وطنية واستحضاراً للقضية الفلسطينية من الفلسطينيين الذين ذهبوا بأنفسهم صوب إسرائيل فلماذا الفيتو على الذهاب العربي.
لم يكن مطلوباً عربياً من الفلسطينيين أكثر من التوقيع، ففي الرابع من مايو/ أيار 1994 وقع الفلسطينيون والإسرائيليون في القاهرة - التي أدى التحريض العربي ضدها إلى دفع السادات حياته ثمناً لاقترابها من إسرائيل - اتفاق تطبيق الحكم الذاتي في غزة وأريحا. كانت هذه مفارقة أخرى أن العرب الذين قاطعوا القاهرة يعودون من حيث انتهت القاهرة، وأن القمة العربية التي أخرجت مصر من جامعة الدول العربية هي عينها القمة المغلفة بخلاف الجامعة العربية التي قدمت التطبيع وطلبته وبادرت به بما عرف بمبادرة السلام العربية.
لم يمض شهران على توقيع اتفاق غزة أريحا في القاهرة، حتى وقع الملك حسين واسحاق رابين في 25 يوليو/ تموز إعلان مبادئ ينهي حالة الحرب بين الأردن وإسرائيل، ويختتم في 26 أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام بتوقيع اتفاق سلام شامل وكامل عرف باتفاق وادي عربة؛ وحضره الرئيس الأميركي بيل كلنتون. كان المغرب هو الآخر قد افتتح مكتب تمثيل إسرائيلياً، مستبقاً الأردن بشهر، ففي شهر سبتمبر/ أيلول فتح مكتب ارتباط بين المغرب وإسرائيل، وفي الشهر التالي افتتح مكتب تمثيل تجاري بين إسرائيل وتونس، وبعدها بشهرين كانت جيبوتي تفتتح أيضا مكتباً تجارياً بينها وبين إسرائيل. وكان الختام بالتقاء شيخ الأزهر سيد طنطاوي بالحاخام الإسرائيلي لاو في عام 1997، وبهذا بات التطبيع علاقات كاملة متكاملة سياسياً وأمنياً واقتصادياً ودينياً أيضاً، بغض النظر عن المسار الفلسطيني - الإسرائيلي.
لم يكن أوسلو وحده الذي نقل العلاقات العربية – الإسرائيلية من اللاحرب إلى السلام الشامل، فاتفاق وادي عربة كذلك كان المسؤول عن نقل التطبيع من البعد السياسي إلى العمق الاقتصادي، وهو الجانب الذي تتفوق فيه إسرائيل، وعلى خطى الفلسطينيين، ومثلما افتتحت المنظمة السلام والتسوية والتطبيع، سيصبح ما يسمى بالتنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل تعاوناً أمنياً بين إسرائيل والدول العربية وبذريعة مكافحة الإرهاب حتى من دون الاتفاق على تعريف ما المقصود بالإرهاب.
ساهمت الاتفاقيات المصرية والأردنية والفلسطينية في تمرير إسرائيل للمنطقة العربية بل ساعدت بعض الدول العربية إسرائيل في التمدد في بعض الدول العربية التي كانت تبدو عصية على الهرولة والتطبيع، وأصبحت العلاقات العربية - الإسرائيلية الآن غير مسبوقة وشاملة وتعاونية على أكثر من مستوى وصعيد، وتحولت الدول العربية الرافضة للتطبيع مع إسرائيل دولاً تعادي النظام الإقليمي العربي وتهدده، وأصبحت إسرائيل دولة صديقة تقام معها العلاقات ويستعان بالخبرات والاستثمارات الإسرائيلية واللوجستية والاستخبارية، والدول العربية الشقيقة باتت دولة عدواً تحاصر وتقطع معها العلاقات، وأصبحت العلاقة مع إسرائيل في الحسابات العربية مقدمة على أية اعتبارات بما فيها العلاقات العربية البينية. لم يكن أوسلو هو المسؤول ولم يكن الفلسطينيون هم الذين دفعوا العرب إلى هذه الهرولة، ولكنهم أعفوا العرب من الحرج في الذهاب صوب إسرائيل.
تطورت العلاقات العربية – الإسرائيلية. كان اتفاق أوسلو بوابة ومرحلة ونقطة تحول، لم يكن مجرد اتفاق سلام فلسطيني إسرائيلي. أوسلو نقل الموقف العربي من دعم الحق الفلسطيني إلى استخدامه للمرور إلى إسرائيل، وأصبح المرور لإسرائيل مروراً لواشنطن وللرضى الأميركي والغربي عموماً، وبلغ الأمر أن بدأ العرب يرون في التطبيع والاقتراب من إسرائيل مدخلا للتنمية والتطور ومواكبة التكنولوجيا، وبدا للبعض أن التقارب مع إسرائيل كفيل أيضاً بتوفير الأمن والاستقرار الداخلي وضمان البقاء بالاستقواء. لكن ماذا عن توظيف المعارضة السياسية لذلك، ألم يكن زاد هذه المعارضة وزوادها رفض التطبيع مع إسرائيل، والأهم ماذا عن توظيف الجماعات المتطرفة لمهاجمة الأنظمة العربية بذريعة التطبيع مع إسرائيل. إن إجراء أية مراجعة أو تقييم للمكسب والخسارة بإمكانه أن يفضي لنتيجة من المستفيد أو لقراءة أخرى مفادها ماذا ربحت الدول العربية من التطبيع مع إسرائيل، والتي يقوم فكرها واستراتيجيتها على التفوق الدائم والمستمر على الدول العربية مجتمعة.
لم يكن التطبيع العربي مع إسرائيل مجرد إنهاء لحالة الحرب وتغليب للسلام والتسوية، لم يكن العرب في انتظار أكثر من أوسلو، لكن المحصلة كانت وما زالت صفراً كبيراً فلسطينياً وعربياً. ماذا قدم اتفاق أوسلو. لم يعف أوسلو العرب من دورهم وواجبهم تجاه القضية الفلسطينية وإن كان قد أعفاهم من الحرج، تطور التطبيع واتسعت تداعياته ولم يعد علاقات فقط بل واستحقاقات كان آخرها إدراج إسرائيل في المناهج التعليمية العربية واستبعاد القضية الفلسطينية وإسقاطها. هكذا تحولنا من مجرد تطبيع واتفاقيات وتسويات وسلام إلى الانتهاء والانتفاء وبعدما كانت القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى باتت مجرد قضية ثانوية وأصبح الاقتراب منها وتبنيها مدخلاً للعداء العربي والغربي وموضع استهجان. وما لم يفعله أوسلو فعله الانقسام الفلسطيني الذي أعفى هو الآخر الدول العربية من آخر واجباتها.
لم تعد إسرائيل هي العدو في حسابات الدول العربية، أصبح العداء العربي - العربي هو الحاضر وهو الأبرز، وباتت التحالفات العربية لمواجهة الدول العربية لا لمواجهة إسرائيل. وأصبح وزير الاستثمار السوداني لا يرى مانعاً في التطبيع مع إسرائيل لكنه يرى مانع في التقارب مع دولة جنوب السودان مثلاً أو مع دولة اليمن الشقيق أو مع مصر، لقد أصبح التقارب العربي الإسرائيلي مقدماً على التقارب العربي - العربي، فهل هذه من نتائج أوسلو أم مما كسبت أيدينا كعرب وكفلسطينيين!
هل كان اتفاق أوسلو يقول بما قالت به البحرين، والتي نشرت صحيفة جيروزاليم بوست في الـ 17 من سبتمبر/ أيلول تصريحًا مفاجئًا لملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، ندد فيه بالمقاطعة العربية لإسرائيل وسمح لرعاياه في الخليج العربي بزيارة إسرائيل بحرية، وقد صرّح بذلك خلال احتفال لمعهد "شمعون فيزنتال" في لوس أنجليس. هل قال اتفاق أوسلو بعزف "هتكفا"؛ السلام الوطني الإسرائيلي، بحضور ملوك الدول العربية، كما قالت صحيفة جيروزاليم بوست، من دون أن يكون هناك نفي على الإطلاق.
اقــرأ أيضاً
على خطى السادات سارت منظمة التحرير الفلسطينية، استثمر السادات انتصار حرب أكتوبر عام 1973، فلم تنتظر المنظمة حتى تنضج نتائج الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، فقرر عرفات الذهاب بغطاء عربي إلى أوسلو، وإن كان الفلسطينيون قد استبقوا العرب بالذهاب بعيداً في العلاقة مع إسرائيل، فإن الدول العربية استدركت هذا السبق عندما قدمت هي وتطوعت وبادرت بتقديم مبادرة السلام العربية التي قدمتها السعودية وتم تبنيها في قمة بيروت عام 2002. المفارقة أن المبادرة قدمت على وقع الحصار الإسرائيلي لياسر عرفات في مقر المقاطعة برام الله.
كانت اللحظة الفارقة في تاريخ الارتباط العربي أو التوظيف العربي للقضية الفلسطينية تقديم المبادرة العربية للسلام وفي بيروت وخلال القمة، الأمر الذي يعني أن العرب ماضون صوب التطبيع بفلسطين وبدونها، وقد أعلنت المبادرة العربية من بيروت وكأن الدول العربية تقدم رسالة أخرى تقول فيها إننا نتبع عرفات الذي تحول إلى أوسلو بعدما غادر بيروت وها نحن نعود من بيروت ونقدم إليكم مبادرة السلام. رفضت إسرائيل هذه الهرولة العربية ورأت أن المبادرة كأن لم تكن، لم يفشل العرب ولم يحبطوا بل قررت الدول العربية الذهاب فرادى صوب إسرائيل بدلاً من الذهاب جماعات وبمبادرة معلنة. وبهذا مرر التطبيع وانتهت المبادرة أو كأنها لم تكن مثلما أرادت إسرائيل.
لا يمكن تبرئة منظمة التحرير الفلسطينية من تتالي وتتابع الهرولة العربية صوب إسرائيل، وتتحمل المنظمة ومكوناتها جزءاً كبيراً من الهرولة العربية التي حدثت، لكن من الذي دفع المنظمة دفعاً للذهاب إلى أوسلو وهل كانت الدول العربية في انتظار توقيع اتفاق أوسلو فقط، لتعفي نفسها من تبعات الإدانة الشعبية واستنكار المعارضة، حتى بات الموقف الرسمي العربي يتحجج بالفلسطينيين ويردد لن نكون ملكيين أكثر من الملك، بمعنى أن العرب لن يكونوا أكثر وطنية واستحضاراً للقضية الفلسطينية من الفلسطينيين الذين ذهبوا بأنفسهم صوب إسرائيل فلماذا الفيتو على الذهاب العربي.
لم يكن مطلوباً عربياً من الفلسطينيين أكثر من التوقيع، ففي الرابع من مايو/ أيار 1994 وقع الفلسطينيون والإسرائيليون في القاهرة - التي أدى التحريض العربي ضدها إلى دفع السادات حياته ثمناً لاقترابها من إسرائيل - اتفاق تطبيق الحكم الذاتي في غزة وأريحا. كانت هذه مفارقة أخرى أن العرب الذين قاطعوا القاهرة يعودون من حيث انتهت القاهرة، وأن القمة العربية التي أخرجت مصر من جامعة الدول العربية هي عينها القمة المغلفة بخلاف الجامعة العربية التي قدمت التطبيع وطلبته وبادرت به بما عرف بمبادرة السلام العربية.
لم يمض شهران على توقيع اتفاق غزة أريحا في القاهرة، حتى وقع الملك حسين واسحاق رابين في 25 يوليو/ تموز إعلان مبادئ ينهي حالة الحرب بين الأردن وإسرائيل، ويختتم في 26 أكتوبر/ تشرين الأول من نفس العام بتوقيع اتفاق سلام شامل وكامل عرف باتفاق وادي عربة؛ وحضره الرئيس الأميركي بيل كلنتون. كان المغرب هو الآخر قد افتتح مكتب تمثيل إسرائيلياً، مستبقاً الأردن بشهر، ففي شهر سبتمبر/ أيلول فتح مكتب ارتباط بين المغرب وإسرائيل، وفي الشهر التالي افتتح مكتب تمثيل تجاري بين إسرائيل وتونس، وبعدها بشهرين كانت جيبوتي تفتتح أيضا مكتباً تجارياً بينها وبين إسرائيل. وكان الختام بالتقاء شيخ الأزهر سيد طنطاوي بالحاخام الإسرائيلي لاو في عام 1997، وبهذا بات التطبيع علاقات كاملة متكاملة سياسياً وأمنياً واقتصادياً ودينياً أيضاً، بغض النظر عن المسار الفلسطيني - الإسرائيلي.
ساهمت الاتفاقيات المصرية والأردنية والفلسطينية في تمرير إسرائيل للمنطقة العربية بل ساعدت بعض الدول العربية إسرائيل في التمدد في بعض الدول العربية التي كانت تبدو عصية على الهرولة والتطبيع، وأصبحت العلاقات العربية - الإسرائيلية الآن غير مسبوقة وشاملة وتعاونية على أكثر من مستوى وصعيد، وتحولت الدول العربية الرافضة للتطبيع مع إسرائيل دولاً تعادي النظام الإقليمي العربي وتهدده، وأصبحت إسرائيل دولة صديقة تقام معها العلاقات ويستعان بالخبرات والاستثمارات الإسرائيلية واللوجستية والاستخبارية، والدول العربية الشقيقة باتت دولة عدواً تحاصر وتقطع معها العلاقات، وأصبحت العلاقة مع إسرائيل في الحسابات العربية مقدمة على أية اعتبارات بما فيها العلاقات العربية البينية. لم يكن أوسلو هو المسؤول ولم يكن الفلسطينيون هم الذين دفعوا العرب إلى هذه الهرولة، ولكنهم أعفوا العرب من الحرج في الذهاب صوب إسرائيل.
تطورت العلاقات العربية – الإسرائيلية. كان اتفاق أوسلو بوابة ومرحلة ونقطة تحول، لم يكن مجرد اتفاق سلام فلسطيني إسرائيلي. أوسلو نقل الموقف العربي من دعم الحق الفلسطيني إلى استخدامه للمرور إلى إسرائيل، وأصبح المرور لإسرائيل مروراً لواشنطن وللرضى الأميركي والغربي عموماً، وبلغ الأمر أن بدأ العرب يرون في التطبيع والاقتراب من إسرائيل مدخلا للتنمية والتطور ومواكبة التكنولوجيا، وبدا للبعض أن التقارب مع إسرائيل كفيل أيضاً بتوفير الأمن والاستقرار الداخلي وضمان البقاء بالاستقواء. لكن ماذا عن توظيف المعارضة السياسية لذلك، ألم يكن زاد هذه المعارضة وزوادها رفض التطبيع مع إسرائيل، والأهم ماذا عن توظيف الجماعات المتطرفة لمهاجمة الأنظمة العربية بذريعة التطبيع مع إسرائيل. إن إجراء أية مراجعة أو تقييم للمكسب والخسارة بإمكانه أن يفضي لنتيجة من المستفيد أو لقراءة أخرى مفادها ماذا ربحت الدول العربية من التطبيع مع إسرائيل، والتي يقوم فكرها واستراتيجيتها على التفوق الدائم والمستمر على الدول العربية مجتمعة.
لم يكن التطبيع العربي مع إسرائيل مجرد إنهاء لحالة الحرب وتغليب للسلام والتسوية، لم يكن العرب في انتظار أكثر من أوسلو، لكن المحصلة كانت وما زالت صفراً كبيراً فلسطينياً وعربياً. ماذا قدم اتفاق أوسلو. لم يعف أوسلو العرب من دورهم وواجبهم تجاه القضية الفلسطينية وإن كان قد أعفاهم من الحرج، تطور التطبيع واتسعت تداعياته ولم يعد علاقات فقط بل واستحقاقات كان آخرها إدراج إسرائيل في المناهج التعليمية العربية واستبعاد القضية الفلسطينية وإسقاطها. هكذا تحولنا من مجرد تطبيع واتفاقيات وتسويات وسلام إلى الانتهاء والانتفاء وبعدما كانت القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى باتت مجرد قضية ثانوية وأصبح الاقتراب منها وتبنيها مدخلاً للعداء العربي والغربي وموضع استهجان. وما لم يفعله أوسلو فعله الانقسام الفلسطيني الذي أعفى هو الآخر الدول العربية من آخر واجباتها.
لم تعد إسرائيل هي العدو في حسابات الدول العربية، أصبح العداء العربي - العربي هو الحاضر وهو الأبرز، وباتت التحالفات العربية لمواجهة الدول العربية لا لمواجهة إسرائيل. وأصبح وزير الاستثمار السوداني لا يرى مانعاً في التطبيع مع إسرائيل لكنه يرى مانع في التقارب مع دولة جنوب السودان مثلاً أو مع دولة اليمن الشقيق أو مع مصر، لقد أصبح التقارب العربي الإسرائيلي مقدماً على التقارب العربي - العربي، فهل هذه من نتائج أوسلو أم مما كسبت أيدينا كعرب وكفلسطينيين!
هل كان اتفاق أوسلو يقول بما قالت به البحرين، والتي نشرت صحيفة جيروزاليم بوست في الـ 17 من سبتمبر/ أيلول تصريحًا مفاجئًا لملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، ندد فيه بالمقاطعة العربية لإسرائيل وسمح لرعاياه في الخليج العربي بزيارة إسرائيل بحرية، وقد صرّح بذلك خلال احتفال لمعهد "شمعون فيزنتال" في لوس أنجليس. هل قال اتفاق أوسلو بعزف "هتكفا"؛ السلام الوطني الإسرائيلي، بحضور ملوك الدول العربية، كما قالت صحيفة جيروزاليم بوست، من دون أن يكون هناك نفي على الإطلاق.