- النفوذ الإيراني في المنطقة يعود للتسعينيات، حيث سمح حافظ الأسد بتمددهم، وتعزز بشكل أكبر بعد تولي بشار الأسد السلطة، مما أدى إلى تغييرات ديموغرافية واسعة.
- منطقة السيدة زينب تحولت إلى مركز إداري وعسكري إيراني، مع غياب مؤسسات النظام السوري، وتشمل مشاريع اقتصادية ونشاطات مجتمعية تعكس أهميتها الاستراتيجية والدينية لإيران.
استهدفت غارات إسرائيلية، فجر أمس الخميس، مقرات تابعة لمليشيات موالية لإيران في منطقة السيدة زينب معقل الإيرانيين الأبرز قرب العاصمة السورية دمشق، والذي يعد هدفا لهجمات إسرائيلية تستهدف تقليص النفوذ العسكري لطهران في سورية. وقالت وزارة الدفاع التابعة للنظام السوري: "تصدت وسائط دفاعنا الجوي لعدوان إسرائيلي بالصواريخ استهدف أحد الأبنية في ريف دمشق، وأسقطت بعضها". من جهته، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن "غارات جوية إسرائيلية طاولت المركز الثقافي ومعسكراً للتدريب تابعَين لحركة النجباء العراقية الموالية لإيران في منطقة السيدة زينب جنوبي العاصمة دمشق". وأشار إلى أن ثلاثة أعضاء في الحركة أُصيبوا جراء الضربات. وأكّد مصدر في "النجباء" لوكالة فرانس برس أن "صاروخاً إسرائيلياً هدّم مركزاً ثقافياً" في منطقة السيدة زينب مشيراً إلى عدم تسجيل خسائر بشرية.
بدأت إيران نشر مليشيات في منطقة السيدة زينب تحت ذريعة حماية "المقدسات" عقب اندلاع الثورة السورية
ولطالما كانت منطقة السيدة زينب التي تقع جنوب شرق دمشق بنحو 10 كيلومترات، هدفاً لغارات إسرائيلية خلال السنوات الماضية، كونها تعد معقل الإيرانيين الأبرز في جنوب سورية. وقُتل في الأيام الأخيرة من العام الماضي، واحد من أبرز القياديين الإيرانيين في سورية وهو سيد رضي موسوي الذي لقي حتفه بقصف إسرائيلي استهدف مزرعة كان يقيم فيها بمنطقة السيدة زينب ووصفته وسائل إعلام إيرانية في حينه بأنه "أحد كبار مستشاري الحرس الثوري في سورية"، و"أحد رفاق" قائد "فيلق القدس" السابق قاسم سليماني، الذي قتل بغارة جوية أميركية في الثالث من يناير/كانون الثاني 2020 قرب مطار بغداد.
النفوذ الإيراني في منطقة السيدة زينب
وليس النفوذ الإيراني في منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، وليد الأحداث التي عصفت بالبلاد منذ عام 2011، بل يعود إلى مرحلة حكم رئيس الناظم السابق حافظ الأسد الذي سمح للإيرانيين في تسعينيات القرن الماضي بالتمدد في دمشق وريفها، ورعاية ما تقول طهران إنها مقامات لشخصيات شيعية منها "الست زينب" و"الست رقية" في قلب دمشق القديمة. وزاد النفوذ الإيراني بعد تسلّم بشار الأسد السلطة عام 2000، حيث عملت طهران بتسهيل كان واضحاً من أجهزة النظام الأمنية، على التمدد أكثر، مستغلة الأوضاع الاقتصادية المتردية في عموم البلاد، وخصوصاً في المنطقة الشرقية من البلاد.
وتحت ذريعة حماية "المقدسات" عقب اندلاع الثورة السورية، ولا سيما مقام السيدة زينب، بدأت إيران بنشر مليشيات في جنوب العاصمة دمشق، وكانت البداية بمليشيا "أبو الفضل العباس"، ثم ظهرت مليشيات أخرى، منها "حركة النجباء"، و"فدائيو السيدة زينب"، وارتكبت مجازر بحق المدنيين في محيط منطقة السيدة زينب لتهجير سكانها، أبرزها المجزرة التي وقعت في عام 2013 في بلدة الذيابية حيث قتل وأصيب المئات من أبناء الجولان السوري المحتل، والفلسطينيين. وفي مطلع عام 2014، قتل وفُقد ما بين 1200 إلى 1500 سوري وفلسطيني، على أيدي قوات النظام السوري وحزب الله اللبناني ومليشيات عراقية، في مجزرة تُعرف باسم "حاجز علي الوحش" على الطريق الواصل بين بلدتي يلدا وحجيرة في محيط السيدة زينب. ومنذ ذلك الحين، ومنطقة السيدة زينب تخضع بشكل كامل للمليشيات الموالية لإيران والتي عملت على تغيير أسماء الشوارع فيها. وقبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، كانت منطقة السيدة زينب مختلطة مهمشة تضم نحو 400 ألف شخص يتحدرون من مجمل المحافظات السورية، لكن غالبيتهم من نازحي الجولان السوري المحتل في عام 1967، واللاجئين الفلسطينيين.
الإدارة في منطقة السيدة زينب إيرانية بالكامل، ولا وجود فعليا لمؤسسات النظام فيها
تغيير الاسم والشوارع والسكّان
وفي عام 2020، ونتيجة الضغوط الإيرانية، غيّر النظام السوري اسم بلدة "الست زينب" إلى تسمية أخرى هي مدينة "السيدة زينب" التي يوليها الإيرانيون اهتماما كبيرا حيث "نشروا فيها الحسينيات وحولوها إلى مقرات لمليشيات عدة"، وفق مصادر محلية بريف دمشق تحدثت لـ"العربي الجديد". وأكدت المصادر أن الإدارة في المدينة إيرانية بالكامل، ولا وجود فعلي لمؤسسات النظام فيها، مشيرة إلى أن لحزب الله اللبناني نفوذاً عسكرياً كبيراً في منطقة السيدة زينب ومحيطها. وأشارت المصادر إلى أن "غالبية سكان منطقة الست زينب ومحيطها باتوا خارجها وخصوصاً في الأردن وفي بلدان أوروبية"، مضيفة: من بقي منهم أصبحوا غرباء في بلدتهم نتيجة الوجود الكثيف لعناصر أفغان وباكستانيين ولبنانيين وعراقيين وإيرانيين، كثير منهم جلبوا عائلاتهم معهم.
من جهته، أوضح الباحث ياسين جمول، المطلع على الشأن الإيراني في سورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أهمية منطقة السيدة زينب تأتي من جوانب عدة. وفصّل بالقول: هي جزء من ريف دمشق؛ وإيران تعمل بشدة على إحكام طوق حول العاصمة السورية لمصادرة أي قرار فيها وفق أي صورة ينتهي إليها الحل السياسي في سورية. وتابع: كما أن منطقة السيدة زينب هي مدخل دمشق من الجنوب ذي الغالبية السنّيّة، وهذا يشكل مصدر قلق لإيران على حليفها بشار الأسد ومشروعها في قلب دمشق، فضلاً عن كون منطقة السيدة زينب العقدة الأهم نحو مطار دمشق الذي تستعمله إيران لنقل العناصر والسلاح ومَن تسمّيهم الحجّاج. وأضاف: هذه المنطقة هي التي تعطي التدخل الإيراني قيمته الأساسية التي برّروا بها دخولهم، وهي حماية المقامات، فلها وزن عاطفي ديني كبير عند الشيعة الإيرانيين وغيرهم، لذا نجد إيران استهدفت منطقة السيدة زينب بأكثر من مشروع، مثل الحوزات الدينية والمشاريع الاقتصادية والنشاط المجتمعي.