بعد مرور عامين على انفجار مرفأ بيروت "كُلِّلا" بعرقلة السلطات اللبنانية للتحقيق المحلي وتعليقه منذ 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تؤكد منظمات محلية ودولية أنه بات من الواضح أكثر من أي وقتٍ مضى، أن "التحقيق المحلي لا يمكن أن يحقق العدالة، مما يجعل إنشاء بعثة دولية لتقصي الحقائق بتكليف من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أكثر إلحاحاً".
وتوقف المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار عن النظر بالقضية منذ 23 ديسمبر، بفعل طلب الرد المقدم من المدّعى عليهما النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر (ينتميان إلى حركة أمل برئاسة نبيه بري)، علماً أن مجموع الدعاوى وطلبات الرد من المدّعى عليهم بوجه البيطار بلغ 21، 11 منها مقدمة من نائبي "أمل"، و6 من وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس (ينتمي إلى تيار المردة برئاسة سليمان فرنجية حليف حزب الله)، و3 من وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، ودعوى من رئيس الحكومة السابق حسان دياب، في حين قُدّمت 9 دعاوى لإزاحة القضاة الذين ينظرون بطلبات رد المحقق العدلي.
كما من أسباب توقف التحقيقات في الانفجار الذي راح ضحيته أكثر من 230 ضحية (لا أرقام رسمية بعد بعدد الضحايا)، الخلاف على التشكيلات الجزئية لرؤساء غرف محكمة التمييز، في ظل رفض وزير المال يوسف الخليل، المحسوب على بري، التوقيع عليها.
وقالت 11 منظمة حقوقية اليوم الأربعاء، في الذكرى السنوية الثانية لانفجار مرفأ بيروت، والتي تحلّ يوم غد الخميس في الرابع من أغسطس/آب، في بيان إن "على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته المقبلة في سبتمبر/أيلول 2022، إصدار قرار يقضي بإنشاء بعثة مستقلة ومحايدة لتقصي الحقائق في الانفجار، كي تحدد الحقائق والملابسات، بما في ذلك الأسباب الجذرية، للانفجار، بغية تحديد مسؤولية الدولة والأفراد ودعم تحقيق العدالة للضحايا".
عيوب التحقيق المحلي
ووثقت منظمة هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، وجمعية الحركة القانونية العالمية، والمفكرة القانونية، ولجنة الحقوقيين الدولية، مجموعة من العيوب الإجرائية والمنهجية في التحقيق المحلي، بما في ذلك التدخل السياسي الصارخ، وحصانة مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى، وعدم احترام معايير المحاكمة العادلة، وانتهاكات الإجراءات القانونية الواجبة.
وقالت نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالنيابة في منظمة العفو الدولية ديانا سمعان، إنه "بينما تواصل السلطات اللبنانية عرقلة التحقيق في انفجار المرفأ، وتأخيره بوقاحة، فإن إجراء تحقيق دولي هو السبيل الوحيد للمضي قدماً لضمان تحقيق العدالة"، لافتةً إلى أن "السلطات اللبنانية أخفقت بشكل مأساوي في حماية أرواح شعبها الذي قُتل في انفجار المرفأ، ووقفت منذ ذلك الحين ضد الضحايا في كفاحهم من أجل تحقيق العدالة".
عائقان يعرقلان مجرى العدالة
وتصف الباحثة المتخصصة بالشأن اللبناني في منظمة العفو الدولية سحر مندور، في حديثها مع "العربي الجديد"، مسار التحقيقات المحلية بـ"الكارثي"، إذ يتّسم بالإعاقة المتتالية والمتعمّدة والمستدامة التي تمارسها السلطات اللبنانية بحق التحقيق، وتواصل الوقوف في وجه محاولات القاضي استدعاء المسؤولين السياسيين، وذلك بهدف حمايتهم.
وتقول: "هناك عائقان أساسيان يعرقلان مجرى العدالة، الأول يتمثل بالشكاوى القضائية المضادة التي تجمّد التحقيق كل فترة، وتمسّ كلّ من اقترب من ملف التحقيق، بدءاً بالقاضي الذي كُلَّف أولاً بالتحقيق فادي صوان ثم كفت يده، ومن ثم القاضي طارق البيطار المكفوفة يده منذ 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وطاولت قضاة في محكمة التمييز حكموا ضد شكاوى سابقة كانت تهدف إلى تجميد التحقيق من خلال ردّها".
أما العائق الثاني الذي حال دون تقدّم التحقيق في أوقات سيره، بحسب مندور، فقد اتصل برفض السلطات وتأخيرها طلبات قاضي التحقيق لرفع الحصانة عن أعضاء مجلس النواب، واستجواب كبار المسؤولين الأمنيين الذين كانوا ولا يزالون في مراكز سلطة محورية بعلاقتها مع التفجير.
تبعاً لذلك، تعود الباحثة في "العفو الدولية" إلى التحليل القانوني الذي أصدرته المنظمة بعد أقل من شهر على وقوع الانفجار، ويقول إن المجلس العدلي غير مخوّل التحقيق بجريمة من هذا النوع، المتهم الأول فيها السلطات اللبنانية، فهو غير منفصل عن السلطة التنفيذية والتشريعية في لبنان، وهو محكمة تفتقر إجراءاتها في طبيعتها إلى الاستقلالية والنزاهة، وتتقاعس عن تلبية المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، وتالياً هو غير قادر على التحرّك، ولا يملك سلطة مقاضاة المسؤولين في السلطة، بدليل أن أياً من المدعى عليهم والمطلوبين للتحقيق لم يحضر الجلسات أمام القاضي البيطار، سياسيين أم أمنيين، لا بل عمدوا إلى تقديم طلبات رد ودعاوى جمّدوا خلالها التحقيق.
وتلفت إلى أنه تبعاً لذلك كله، نعيد الطلب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إرسال بعثة تحقيق دولية في انفجار مرفأ بيروت.
بدورها، تقول مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش لمى فقيه لـ"العربي الجديد"، إن "التحقيق المحلي توقف لأسباب سياسية، وحتى اليوم لا نرى للأسف طريق استمراره، لذلك فإن منظمة هيومن رايتس ووتش وعوائل الضحايا والعديد من المنظمات، يطالبون بتحقيق دولي من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وإصدار قرار يقضي بإنشاء وارسال لجنة لتقصي الحقائق، بحيث إنه في حال لم يحصل تحقيق دولي، فإن هذه الجريمة ستلقى مصير كل الجرائم التي ارتُكبت في لبنان ومرّت من دون عدالة ولا محاسبة، ومن دون معرفة الحقيقة".
وتشير فقيه إلى أننا "طلبنا العام الماضي من مجلس حقوق الإنسان إرسال بعثة تحقيق دولية، وقد لاقى ترحيب العديد من الدول، علماً أن غالبيتها تركز على الموقف الفرنسي من هذا الموضوع، لكن عوامل عدة أعاقت ذلك، منها أن الدولة اللبنانية لم تقدم طلباً بذلك"، مضيفة "لحدّ اليوم لم نرَ حتى أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي حضر إلى لبنان غداة الانفجار يترجم أقواله، إذ لم نرَ فرنسا تتخذ الموقف الصحيح لمساعدة الشعب من ناحية معرفة كيف يمكنه أن ينال العدالة من الكارثة التي حصلت، ونحن نضغط لتكون هذه القضية أولوية ويعملوا عليها".
وتشدد مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش" على أن المشكلة الأساسية في البلد، أنه لا وجود لقضاء مستقل، من هنا، على البرلمان سن قوانين تعزز استقلالية القضاء، وتعديل تلك التي أقرها في هذا الإطار، وبها الكثير من الشوائب.