يكشف مسؤولون ومحللون غربيون عن احتمالية فشل الهجوم الأوكراني المضاد في استعادة الأراضي التي احتلتها روسيا في الشرق والجنوب، وتضاؤل فرص تحقيق مكاسب ملموسة.
وحذر المحللون، في تقرير نشرته شبكة "إن بي سي" الأميركية، من أن "نافذة الفرصة لاختراق الدفاعات الروسية وتحقيق مكاسب إقليمية قد تغلق قريبًا".
وبينما توقع الأوكرانيون حشد الزخم الكافي في الهجوم المضاد للسماح لهم بمواصلة التقدم جنوباً بمعدل أسرع بكثير، قال أحد خبراء المخابرات العسكرية: "لسوء الحظ لم يحدث هذا".
وشنت أوكرانيا هجومها المضاد في يونيو/حزيران، بعد أشهر من الاستعدادات، لكن تقدمه البطيء خيب الآمال، وفقاً للشبكة.
وقالت الشبكة إنه "بينما خططت أوكرانيا للهجوم المضاد خلال الشتاء وانتظرت المزيد من المعدات العسكرية من حلفائها الدوليين، كانت القوات الروسية تحصن مواقعها بشدة على طول خط أمامي بطول 900 كيلومتر، يمتد من حدود خاركيف ولوغانسك في الشمال الشرقي من أوكرانيا، باتجاه خيرسون في الجنوب الغربي".
وقال المحللون العسكريون إن أوكرانيا تواجه الآن خطوطًا متتالية من الدفاعات الروسية التي يبلغ عمقها في بعض الحالات 30 كيلومترًا، وتتألف من حقول ألغام وعوائق مضادة للدبابات وشبكات واسعة من الخنادق والمخابئ التي تغطيها الطائرات الروسية من دون طيار والمدفعية والمروحيات.
إطار زمني محدود للنجاح
مرور الأيام لا يخدم الأوكرانيين، ويبدد الفرص في إحداث تحول في الهجوم المضاد وتحقيق إنجازات ملموسة، بسبب الطقس.
وقالت الشبكة إن أكبر المشاكل التي تواجه أوكرانيا هي أن الإطار الزمني لاختراق الدفاعات الروسية محدود، إذ لم يتبق سوى بضعة أشهر في الصيف لتحقيق مكاسب جادة.
ونقلت الشبكة عن المحلل الدفاعي مايكل كلارك قوله: "هناك خطر يتمثل في أن المرحلة الأولى من الهجوم المضاد، المصممة لفحص دفاعات روسيا، تستغرق وقتًا طويلاً".
وأضاف: "كان القصد دائمًا أن يكون الهجوم على مرحلتين، مع نوع من التقدم في المرحلة الأولى لمحاولة تحديد نقاط الضعف في خط المواجهة الروسي، تليها مرحلة الثانية التي تشمل وضع العدد الأكبر من القوات فيها"، مبيناً: "ما زلنا في المرحلة الأولى التي استمرت مدة أطول مما توقعنا".
وقال كلارك: "إذا استمرت هذه المرحلة الأولى مدة طويلة، فإنهم لا يتركون لأنفسهم وقتاً كافياً قبل أن يتغير الطقس".
وعلى الرغم من أنه سيناريو غير محتمل، إلا أن كلارك أشار إلى أن "ضغوط الوقت قد تدفع أوكرانيا إلى نشر وحدات عسكرية مخصصة للاستخدام في المرحلة الثانية من الهجوم المضاد في وقت أقرب مما هو مخطط له، وهو أمر تريده روسيا"، وفقاً للخبير.
وأضاف: "الخطر إذن هو أنهم لن يكونوا قادرين على استخدام الجزء الأكبر من قواتهم بكتلة كافية لإحداث فرق ولخلق ضربة حقيقية عندما يقررون البدء حقًا". وقال: "لست متشائماً بشأن هذا الهجوم، ولكن المخاطر تتزايد مع اقتراب الأيام".
الغرق في الوحل
ومن بين التحديات التي تجعل من مسألة التقدم البطيء في الهجوم خطراً على العملية برمتها، التغير الحتمي في الطقس، حيث من المتوقع أن يجعل الوحل "سيئ السمعة في أوكرانيا" الهجوم أكثر صعوبة، وربما مستحيلا عملياً في بعض المناطق، وفقاً للشبكة.
وقال كونراد موزيكا، المتخصص في المخابرات العسكرية ورئيس شركة روشان للاستشارات: "لطالما كان الطقس هو العامل الرئيسي في كييف". وأضاف: "أعتقد أنه من العدل أن نقول إن الأوكرانيين أمامهم ما يصل إلى ثلاثة أشهر الآن قبل أن تنفد ذخيرة المدفعية لديهم وبراميل أسلحتهم، وثلاثة أشهر حتى تصبح التضاريس موحلة مرة أخرى".
الزخم المفقود
الزخم المحدود الذي اكتسبه الهجوم في البداية وتخللته استعادة عدد من القرى المحتلة، سرعان ما فقدته القوات الأوكرانية التي سارت ببطء فيما بعد، وفتحت نيران التشكيك بشأن نجاح الهجوم.
ورغم قول وزارة الدفاع الأوكرانية إن قواتها قد حررت حوالي 210 كيلومترات مربعة من الأراضي التي احتلتها روسيا منذ يونيو/ حزيران، إلا "الطبيعة الاستنزافية للهجوم المضاد واضحة بشكل متزايد"، وفقاً للشبكة.
وقال موزيكا: "يميل الأوكرانيون إلى القول لقد سيطرنا على خندق أو تقدمنا لمسافة 500 متر للأمام، وهكذا دواليك، لكن ما نراه أساسًا هو معركة شاقة للغاية على الجانب الأوكراني".
وأضاف: "هذا يذكرني بالمعارك التي شهدناها منذ منتصف العام الماضي، عندما يحاول أحد الجانبين دفع خط المواجهة، والجانب الآخر متحصن جيدًا ويحاول منع حدوث أي اختراقات"، في إشارة إلى الخسائر التي تكبدها الجيش الروسي على حدود العاصمة كييف وعدد من المدن الأوكرانية الكبيرة، أبرزها خاركيف.
وأشار إلى أن الهدف هو الاستمرار في الدفع قدماً، لافتاً إلى أن "استخدام المركبات المدرعة محدود للغاية بسبب كثافة أنظمة الصواريخ الروسية الموجهة المضادة للدبابات".
ولفت موزيكا إلى أن "الأوكرانيين سيضطرون فقط إلى التقدم ببطء ومواصلة ضرب العمق الروسي على أمل أن تتدهور القدرة الروسية على الحفاظ على قواتها بما يكفي للسماح بإيقاع متزايد للهجمات البرية على الجانب الأوكراني".
وردا على سؤال عما إذا كان يعتبر أن الهجوم المضاد فشل حتى الآن، قال الجنرال الأميركي مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، في وقت سابق: "إنه أبعد ما يكون عن الفشل. أظن أنه من السابق لأوانه إجراء هذا النوع من المكالمات". وأضاف: "أعتقد أن هناك الكثير من القتال المتبقي وسأبقى مع ما قلناه من قبل: هذا سيكون طويلاً. سيكون الأمر صعبًا. سيكون دموياً".