اختتم رئيس الحكومة اللبناني المكلَّف نجيب ميقاتي، اليوم الثلاثاء، استشارات تأليف الحكومة مع النواب والكتل البرلمانية، التي جرت في المجلس النيابي، حيث خرجت تصريحات وُضِعت في خانة "الفلكلورية" لناحية تأكيد ضرورة تسهيل عملية التأليف، والتنبيه إلى خطورة المرحلة، وواجب التعاون والتنازل "بما تقتضيه المصلحة الوطنية"، في وقتٍ تُتَّهم القوى السياسية المُدَّعية الحرص على المرونة وعدم رغبتها في أي حقيبة وزارية بفرض التعطيل من بوابة الشروط وتقاسم الحصص "الوازنة".
ومع انتهاء الاستشارات غير الملزمة التي استمرّت يومَين في مجلس النواب، لم يتطرّق ميقاتي في تصريحٍ أدلى به من المقرّ البرلماني، إلى تفاصيل المشاورات أو المسودة الحكومية التي سيقدّمها إلى رئيس الجمهورية ميشال عون وموعدها، وما إذا كانت ستضمّ تشكيلة وزارية جديدة بالكامل، أو مطعّمة بوزراءٍ جُدد وقدامى من حكومته الحالية، لكنه أكد أنه استمع إلى النواب و"استأنس" برأيهم، وسيأخذ بقسم كبير من الحديث الذي قيل، مضيفاً: "الأهم أننا جميعاً نعرف الوضع السائد في البلد، ونعرف أن النصائح والآراء التي أعطيَت خلال المناقشات تصبّ في المصلحة الوطنية، ولو من زوايا مختلفة".
وأكد رئيس الحكومة المكلّف أنه "في النهاية المصلحة الوطنية ستتغلّب على كل شيء، وسنُشكِّل حكومة تستطيع أن تقوم بواجبها، وتستكمل ما بدأته حكومتنا الماضية، خصوصاً مع صندوق النقد الدولي، وفي ما يتعلق بخطة الكهرباء، وملف ترسيم الحدود البحرية وغيرها"، خاتماً: "هذا كان مجمل المشاورات. إن شاء الله ترى الأمور النور بطريقة سليمة".
ويؤكد مصدرٌ مقربٌ من ميقاتي، لـ"العربي الجديد"، أن مسودة التشكيلة الوزارية لن تطول، وسينتهي منها الرئيس المكلّف قريباً، ويقدمها إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، و"هناك حرص منه على تكثيف المشاورات واللقاءات مع عون لإتمام التشكيل سريعاً".
وتفاوتت المواقف على مدى يومين استشاريَّين غير ملزمَين في نتائجهما ومضمونهما لرئيس الوزراء المكلّف، حول شكل الحكومة ومواصفاتها، والمطالب والبرامج التي يفترض أن تترأس الأولويات في الأشهر القليلة الباقية على نهاية ولاية الرئيس عون أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بحيث أيّد نوابٌ فكرة تطعيم الحكومة الجديدة ببعض الوجوه القديمة، مع الإبقاء على عددٍ من الوزراء الموجودين في حكومة تصريف الأعمال، ولا سيما المستقلون، فيما أيّد "التغييريون" الحكومة المصغّرة، مع منحها صلاحيات استثنائية، بينما صبّت أحزاب السلطة بالدرجة الأولى في مسار حكومة السياسيين أو الوحدة الوطنية، وهو "شكلٌ" ترفضه الكتل المعارِضة، على رأسها "القوات اللبنانية" (بقيادة سمير جعجع) و"الكتائب اللبنانية" برئاسة النائب سامي الجميّل.
الموقف الأبرز اليوم كان من رئيس "تكتل لبنان القوي" النائب جبران باسيل (صهر عون)، الذي التقى ميقاتي بعد قطيعة طويلة نسبياً، إذ حدّد مسار مشاركته في الحكومة ربطاً بملفات عدّة، أبرزها النقاط التي يرتكز عليها الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، أي موازنة عام 2022، الكابيتال كونترول، إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإلغاء السرية المصرفية، وهي نقاط لازمة لإقرار خطة التعافي، إلى جانب موضوع حاكمية مصرف لبنان، وانفجار مرفأ بيروت، الذي اعتبر أن "هناك تعطيلاً متعمداً فيه للعدالة والحقيقة".
ومعلومٌ أن المسؤولين عن كفّ يد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار مؤقتاً منذ أشهر وعرقلة التحقيقات حليفاه، حزب الله وحركة أمل بالدرجة الأولى، سواء من خلال دعاوى الردّ التي تقدّم بها المدعى عليهما المنتميان إليهما، النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر، أو عرقلة وزير المال المحسوب عليهما يوسف خليل تعيينات رؤساء غرف محاكم التمييز.
كذلك، أثار باسيل ملف ترسيم الحدود البحرية جنوباً، بحيث عاد ولوّح باستخدام الخط 29 في حال فشل المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، التي تجري برعاية الأمم المتحدة ووساطة أميركية، علماً أن المسؤولين اللبنانيين طرحوا أخيراً الخط 23 أمام الوسيط الأميركي آموس هوكستين، وقد اتُّهموا بالتنازل عن الخط 29 وثروة لبنان المائية النفطية لقاء تسويات وصفقات من بوابة رفع العقوبات الأميركية عن باسيل، وكذلك السير بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، والحصول على الدعم اللازم في قطاع الكهرباء.
وطرح باسيل أيضاً ملف اللاجئين السوريين (تصرّ السلطات اللبنانية على توصيفهم بالنازحين) ضمن البرامج التي على الحكومة العمل عليها حتى يشارك بها، مشدداً في المقابل على "أننا لا نضع مطالب أو شروطاً على صعيد حقائب أو أسماء"، لكنه لوّح في المقابل بـ"أهمية المداورة الشاملة وإلا فالجزئية"، رافضاً أن تبقى حقيبة بحيازة طائفة أو مذهب أو فريق سياسي، غامزاً بطريقة غير مباشرة من قناة وزارة المال، التي ترفض حركة أمل التخلي عنها، وهو ما يتذرع به باسيل عند تمسكه بحقائب مثل الطاقة والخارجية والعدل، وقبوله التخلي عنها في حال المداورة الشاملة.
وشهر باسيل ورقة الميثاقية لإيصال رسالة إلى ميقاتي بأنه كُلِّفَ من دون الأصوات المسيحية بالدرجة الأولى، مع عدم تسميته من قبل "القوات اللبنانية" وتكتله النيابي، بمعنى أنه غير حائز للميثاقية، "لكن وضع البلد حتَّم عدم التوقف عند الأمر".
كذلك دعا باسيل إلى عدم التذرع بأن الوقت قليل، ويقتصر على 4 أشهر، فتبقى الحكومة قائمة مع بعض التعديلات، فـ"هذا رهان خاطئ والوقت لا يسمح بالترف هذا"، على حدّ تعبيره، كما "عدم التذرع بالفراغ الرئاسي"، مؤكداً بقوله: "سنفعل كل شيء لمنع حصوله".
وفي معرض ردّه على تمسك حركة أمل بوزارة المال، يقول النائب قاسم هاشم، لـ"العربي الجديد"، إن "لبنان محكوم بصيغ معينة نتيجة تركيبته ونظامه وتنوعه، وطبعاً ضرورة متطلبات المرحلة تقضي الحفاظ على التوازن والاستقرار الوطني، وهذه المتطلبات معروفة ويدركها الرئيس المكلف، ونحن بغنى اليوم عن أي خلل في التوازن قواعده معروفة".
في المقابل، يشير هاشم إلى "أننا لم نقف في مشاوراتنا مع ميقاتي يوم الاثنين عند أي توصيف، وركزنا على أهمية أن تكون أي حكومة تشكَّل قادرة على طرح الأفكار والرؤى التي تساهم في مسيرة الإنقاذ. أما موضوع الأسماء، فإن الرئيس ميقاتي معنيّ به وفق ما يرتئيه، وهو من سيضع مسودة التشكيلة الوزارية ويطرحها على الرئيس عون، ونأمل التوافق عليها سريعاً".
على صعيدٍ معارضٍ، يقول النائب في كتلة "القوات اللبنانية"، أي "الجمهورية القوية"، رازي الحاج، لـ"العربي الجديد"، إن "الرئيس ميقاتي لم يعطِ رأياً واضحاً خلال الاستشارات بشكل الحكومة المنوي تشكيلها، لكننا أكدنا عدم مشاركتنا بأي حكومة، وسنقوم خلال هذه الفترة بالدور التشريعي كما الرقابي لمحاسبة السلطة التنفيذية تبعاً لأدائها".
ويرى الحاج أن "حكومة الوحدة الوطنية تختصر مجلس النواب داخل السلطة التنفيذية، وبهذه الحالة تغيب حتماً المحاسبة والمساءلة"، لافتاً إلى أن "المعركة الفاصلة ستكون في انتخابات رئاسة الجمهورية، ولها وحدها أن تحدد وتؤسس الوجهة التي سيتخذها لبنان للسنوات الست المقبلة".
ومن الأحزاب التي عبّرت علناً عن رفضها المشاركة في الحكومة، "الحزب التقدمي الاشتراكي" بقيادة وليد جنبلاط، علماً أنه موقف دائماً ما يعبّر عنه الحزب قبل أن تخصص له حصة حكومية، و"حزب الكتائب اللبنانية"، والنواب التغييريون، فيما أعلنت كتلة "النواب الأرمن" اليوم رغبتها في المشاركة بالحكومة، كذلك طالب عددٌ من النواب المستقلين بمنح مناطقهم حصصاً وزارية، خصوصاً شماليّ لبنان، وأخرى طائفية.
في سياق آخر، وربطاً بملف ترسيم الحدود، قالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان إنه "بعد مباحثات مع النظراء اللبنانيين في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، أجرى كبير مستشاري أمن الطاقة آموس هوكستين محادثات الأسبوع الماضي مع النظراء الإسرائيليين حول حدودهم البحرية، كانت المباحثات المتبادلة مثمرة، ودفعت قدماً باتجاه هدف تضييق الخلافات بين الجانبين".
وأكدت الخارجية الأميركية أن "الولايات المتحدة ستستمر بالعمل مع الأطراف المعنية خلال الأيام والأسابيع المقبلة".
وعلّق نائب رئيس البرلمان إلياس بو صعب، الذي يلعب دوراً بارزاً في الملف من الجانب اللبناني، وخصوصاً ممثلاً الرئيس عون، على البيان الأميركي الذي وصف المباحثات بالمثمرة، معتبراً إياه "أمراً إيجابياً"، معرباً عن تقديره لتعهد الإدارة الأميركية بالتواصل في الأيام المقبلة، "الذي نأمل أن يؤدي إلى استئناف المفاوضات غير المباشرة في الناقورة جنوباً"، على حدّ قوله.
بيان وزارة الخارجية الأمريكية عن المحادثات التي أجراها @amoshochstein مع الاسرائيليين بملف ترسيم الحدود البحرية والتي وصفها بالمثمرة امر ايجابي ونقدّر تعهد الادارة الاميركية بالتواصل في الأيام المقبلة الذي نأمل منه ان يؤدي لاستئناف المفاوضات غير المباشرة في الناقورة
— Elias Bou Saab (@EliasBouSaab) June 28, 2022