في رد ساخر على كشف صحيفة "لوموند" الفرنسية، أمس الثلاثاء، عن أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طرح فرضية أن يكون المعارض الروسي أليكسي نافالني عمد إلى تسميم نفسه، قال "مشاكس الإنترنت"، الذي خرج من المستشفى اليوم الأربعاء بعد 32 يوماً من تلقّيه الرعاية الصحية في برلين، إنه حضّر الغاز العسكري السامّ المميت في مطبخ بيته، فيما أعلن الكرملين أنّ نافالني "في ما يتعلق بعودته إلى موسكو، فهو حر كأي مواطن روسي في العودة وفي أي وقت يشاء".
ونقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية عن مصدر وصفه للمكالمة بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والروسي فلاديمير بوتين، في 14 سبتمبر/أيلول الحالي، كان مثل "حوار الطرشان".
وذكر المصدر أن الرئيس الروسي نفى بشدة ادعاءات تسميم المعارض الليبرالي نافالني، ولم يستبعد بوتين أن يكون نافالني ذاته عمد إلى تسميم نفسه، لأنّ تحضير غاز "نوفيتشوك" ليس معقداً كما يسود الاعتقاد، وذهب إلى أنّ "نافالني اصطنع في الماضي إصابته بأمراض عدة".
ووصف بوتين نافالني بأنه "مثير للمشاكل على الإنترنت... سبق له محاكاة العديد من الأمراض، وارتكب أيضًا أعمالًا غير قانونية، واستخدم صندوق مكافحة الفساد لابتزاز بعض البرلمانيين والمسؤولين".
وحسب المصدر، فإنّ بوتين عرض أيضاً فرضية تورط أحد مبتكري غاز الأعصاب السام الموجود حالياً في لاتفيا في عملية تسميم نافالني، الأمر الذي نفاه ماكرون بشدة.
وصف بوتين نافالني بأنه "مثير للمشاكل على الإنترنت... سبق له محاكاة العديد من الأمراض
وخلصت الصحيفة إلى أنّ الخلافات في المكالمة انعكست بوضوح على بياني الكرملين والإليزيه حول فحوى المكالمة.
وكتب نافالني، في صفحته على "فيسبوك"، فجر الأربعاء، في تعليق على ما تداولته المواقع الروسية نقلاً عن الصحيفة الفرنسية: "فلاديمير بوتين يقول لنظيره الفرنسي إنّ نافالني ابتلع السم من تلقاء نفسه... فرضية جيدة، لقد قمت بطهي نوفيتشوك في المطبخ. أخذت رشفة منه بهدوء من قارورة على متن الطائرة. ودخلت في غيبوبة. قبل ذلك، اتفقت مع زوجتي وأصدقائي وزملائي على أنه إذا أصرت وزارة الصحة على نقلي إلى ألمانيا لتلقي العلاج، فلن يسمحوا بذلك تحت أي ظرف. فيجب أن أموت في مستشفى أومسك وينتهي الأمر في مشرحة الموتى، حيث كان يمكن أن يكون سبب الوفاة: "عاش بما يكفي"".
وزاد ساخراً: "هذا هو الهدف النهائي لخطتي الماكرة، لكن بوتين تفوق عليّ... لا يمكنك خداعه... نتيجة لذلك (الخطة)، أنا، مثل الأحمق، بقيت في غيبوبة لمدة 18 يومًا، لكنني لم أحقق هدفي... الاستفزاز فشل!".
ملابس نافالني والتحقيقات
ويرى خبراء أنّ حديث بوتين مع نظيره الفرنسي يندرج في إطار محاولة الكرملين عرض فرضيات كثيرة لتشتيت الانتباه، ويشيرون إلى أنّ وسائل الإعلام الرسمية وصانعي "البروباغندا" الحكومية سعوا منذ البداية للترويج إلى أنّ ما حدث هو مجرد انخفاض في تركيز السكر، أو خلل في الاستقلاب الأيضي في الجسم، وحمّل بعضهم المعارض المسؤولية وقالوا إنه استخدم في الفترة الأخيرة أدوية لتخفيف الوزن، وذهب آخرون إلى أنه كان يتناول أدوية من أجل رفع التركيز وتقوية الذاكرة، ما أدى إلى دخوله في غيبوبة.
وينفي الكرملين الاتهامات بأنه سمّم نافالني، وترفض السلطات فتح تحقيق جنائي في الحادث، وتطالب ألمانيا بالتعاون مع الأجهزة الروسية وتقديم الأدلة على واقعة التسميم.
وطالب نافالني الكرملين بإعادة ملابسه، لأنها تعد "أدلة مادية دامغة" لكشف ما حصل معه، وحذّر من تعرّضها للتلف المتعمد لإخفاء الأدلة، واتهم أطرافاً في روسيا بالسعي إلى عدم فتح تحقيق جنائي بشأن دخوله المشفى، وفسر عدم فتح التحقيق ساخراً بأن "هناك شعورا بأني لم أدخل في غيبوبة أثناء رحلتي في الطائرة، ولكن تزحلقت في محل تجاري وكسرت قدمي".
ورداً على مطالب نافالني بإعادة ملابسه بعد ثلاثين يوماً على احتجازها، قال الناطق باسم الكرملين أليكسي بيسكوف: "مع كل الاحترام للمريض، الملابس ليست ضمن اختصاص عملنا"، مشيراً إلى أنّ معرفة ملابسات الحادث تتولاها السلطات الأمنية، مشدداً على أنّ الأجهزة تلتزم القوانين الروسية.
وحمّل بيسكوف فريق نافالني والمحيطين به المسؤولية عن تأخر التحقيقات، وقال إنّ "موظفي نافالني أخفوا الكثير من الأدلة، ما صعّب من عمليات التحقيق". وزاد "أزالوا كمية كبيرة من الأدلة... لا نعرف ماذا أخذوا معهم، لكننا نعلم بوضوح أنهم أخذوا معهم شيئاً مهماً".
وزاد بيكسوف قوله "في ما يتعلق بعودته إلى موسكو فهو حر كأي مواطن روسي في العودة وفي أي وقت يشاء". وأضاف بيسكوف من غير أن يذكر نافالني باسمه التزاما بموقف الكرملين "على أي حال، من الجيد جداً أن تتحسن حالة المريض. نتمنى له الشفاء العاجل".
وعلق الناطق باسم الكرملين على مقال "لوموند" الفرنسية، قائلاً إنّه "لا يمكن للصحيفة الحصول على معلومات موثوقة" حول هذه المحادثة، وهناك "الكثير من عدم الدقة في صياغة" تصريحات بوتين. وتابع "لا يمكننا أن نصدق أن قصر الإليزيه كشف عمداً عن محادثة بين الرئيسين للصحافة. فرنسا لا تستطيع فعل ذلك ولا نريد حتى تصديق ذلك".
ومعلوم أنّ ثلاثة مختبرات في ألمانيا وفرنسا والسويد أكدت أنّ نافالني تعرّض للتسميم بغاز "نوفيتشوك" للأعصاب، ما ينذر بأزمة كبيرة بين روسيا والغرب على خلفية استخدام غازات محظورة في تصفية المعارضين السياسيين.
وأصيب نافالني، البالغ من العمر 44 عاماً، بوعكة صحية أثناء رحلة جوية من تومسك إلى موسكو، يوم 20 أغسطس/ آب الماضي، مما أدى إلى هبوط الطائرة اضطرارياً في مدينة أومسك، وإيداع المعارض السياسي في مستشفى محلي بحالة حرجة، ووضعه على جهاز التنفس الاصطناعي، قبل أن يتم نقله إلى برلين لتلقي العلاج.