على وقع جمود المفاوضات اللبنانيةـ الإسرائيلية غير المباشرة، برعاية الولايات المتحدة، بشأن ترسيم الحدود البحرية، عبرت سفينة وحدة إنتاج الغاز الطبيعي المسال وتخزينه "إينرجيان باور" (أف بي أس أو) المنطقة البحرية المتنازع عليها بين الجانبين، للعمل لمصلحة الإسرائيليين في حقل كاريش في مياه فلسطين المحتلة، موضع النزاع بين الطرفين.
يشار إلى أن التفاوض دار حول 4 خطوط: الخط الأول وهو الخط الإسرائيلي، الذي يخرق "البلوك" رقم 9 في لبنان. الخط الثاني وهو خط الوسيط الأميركي السابق، فريديريك هوف، الذي يمنح لبنان 500 كيلومتر مربّع إضافي من مياهه. والخط الثالث هو الخط 23 المسجّل لدى الأمم المتحدة، الذي يمنح لبنان 360 كيلومتراً مربعاً إضافياً. أما الخط الرابع فهو الخط اللبناني المعروف باسم "الخط 29"، الذي حددته خرائط الجيش اللبناني العام الماضي، ويتضمن حقل كاريش، وتسمح بحصول لبنان على 1430 كيلومتراً.
ولم يوقّع رئيس الجمهورية ميشال عون المرسوم 6433 القاضي بتثبيت الخط 29، على الرغم من المطالبات الداخلية بذلك، بل صرّح في حديث لوسائل إعلام محلية، في فبراير/ شباط الماضي، بأن "الخط 23 هي حدودنا البحرية، وأن البعض طرح الخط 29 من دون حجج برهنته".
وكانت شركة "إينرجيان" اليونانية قد أعلنت، في مايو/ أيار الماضي، أن سفينتها، التي بُنيت خصيصاً من أجل كاريش، غادرت ميناء سنغافورة متجهة إلى إسرائيل، بغرض البدء بعملية استخراج الغاز في الحقل في الربع الثالث من العام الحالي (أي أشهر يوليو/ تموز وأغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول المقبلة). وعبرت السفينة قناة السويس، يوم الجمعة الماضي.
وسبق أن ربطت الشركة، في شهر مارس/ آذار الماضي، حقل كاريش بخط الأنابيب الإسرائيلي (أي أن جي أل)، وبالبرّ عند نقطة دور بيتش، شمالي فلسطين المحتلة، ما سيسمح بتدفق الغاز من كاريش إلى السفينة، على أن تتم معالجته وفصله.
وللسفينة قدرة على معالجة 800 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً، وتحتوي على مساحات تخزينية لـ800 ألف برميل.
وأعلنت القناة "12" الإسرائيلية أن بحرية الاحتلال واصلت عملها أمس لـ"حماية السفينة".
في لبنان، أجرى رئيس الجمهورية ميشال عون، اليوم الأحد، اتصالات مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وعدد من المعنيين، للبحث في هذه التطورات.
في المقابل، غاب أي رد فعل عن أوساط "حزب الله" حتى عصر اليوم، علماً أن الموضوع جعل منه الحزب عنواناً رئيسياً لحملته في الانتخابات الماضية، ووضع استرداد حقوق لبنان النفطية في خانة المهمة الأساسية في المرحلة المقبلة.
وذكر موقع الرئاسة اللبنانية على "تويتر" أن عون "طلب من قيادة الجيش تزويده المعطيات الدقيقة والرسمية ليُبنى على الشيء مقتضاه"، لافتاً إلى أن المفاوضات لترسيم الحدود البحرية لا تزال مستمرة، وبالتالي فإن "أي عمل أو نشاط في المنطقة المتنازع عليها يشكل استفزازاً وعملاً عدائياً".
وأضافت الرئاسة: "تجدر الإشارة الى أن لبنان أودع الأمم المتحدة قبل أسابيع رسالة يؤكد فيها تمسكه بحقوقه وثروته البحرية، وأن حقل كاريش يقع ضمن المنطقة المتنازع عليها، وجرى تعميمها في حينه على كل أعضاء مجلس الأمن كوثيقة من وثائق المجلس تحت الرقم S/2022/84 بتاريخ 2 فبراير 2022، وتم نشرها بحسب الأصول. وطلب لبنان في الرسالة من مجلس الأمن عدم قيام إسرائيل بأي أعمال تنقيب في المناطق المتنازع عليها، تجنباً لخطوات قد تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين".
بدوره، اعتبر ميقاتي أن "محاولات العدو الإسرائيلي افتعال أزمة جديدة، من خلال التعدي على ثروة لبنان المائية، وفرض أمر واقع في منطقة متنازع عليها، ويتمسك لبنان بحقوقه فيها، أمر في منتهى الخطورة، ومن شأنه إحداث توترات لا أحد يمكنه التكهن بتداعياتها".
وأضاف في بيان: "من هذا المنطلق، إننا نحذر من تداعيات أي خطوة ناقصة، قبل استكمال مهمة الوسيط الأميركي، التي بات استئنافها أكثر من ضرورة ملحة. وندعو الأمم المتحدة وجميع المعنيين إلى تدارك الوضع وإلزام العدو الإسرائيلي بوقف استفزازاته". وختم: "الحل بعودة التفاوض على قاعدة عدم التنازل عن حقوق لبنان الكاملة في ثرواته ومياهه".
واعتبر وزير الدفاع الوطني، موريس سليم، أن "التحركات التي تقوم بها إسرائيل في المنطقة المتنازع عليها في الجنوب اللبناني، تشكل تحديا واستفزازا للبنان وخرقا فاضحا للاستقرار الذي تنعم به المنطقة الجنوبية من لبنان".
وقال في بيان: "مرة جديدة تتنكر إسرائيل لكل القوانين والأعراف الدولية، وتحاول خلق أمر واقع على الحدود اللبنانية، لا سيما وأنها تطيح بذلك بالجهود التي تبذل لاستئناف المفاوضات لترسيم الحدود البحرية الجنوبية التي تلعب فيها الولايات المتحدة دور الوسيط، والتي تجرى تحت رعاية الأمم المتحدة".
ودعا الوزير سليم المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى "التحرك سريعا لوضع حد للممارسات الإسرائيلية المتجددة، وتطبيق القرارات الدولية لاستباق حصول أي تدهور أمني في جنوب لبنان، ستكون له انعكاسات على الاستقرار في المنطقة".
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2016 تمّ الاتفاق على عمل "إنيرجيان" في حقلي كاريش وتانين.
وفي مارس 2018، وقّعت الشركة عقداً تمويلياً بقيمة 1.275 مليار دولار مع مصارف "هابوعاليم" الإسرائيلي، و"مورغان ستانلي" الأميركي، و"سوسييتيه جنرال" الفرنسي، ومصرف "ناتيكسيس" الفرنسي لتطوير كاريش وتانين.
وفي مارس 2019، بدأت الشركة التنقيب عن الغاز في كاريش، للتأكد من وجود 36 مليار قدم مكعب من الغاز، بعد التأكد من وجود 67 مليار قدم مكعب. وفي يونيو/ حزيران 2019، وقعت الشركة عقداً مع "أي أن جي أل" لربط الأنابيب الإسرائيلية.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أعلنت "إينرجيان" أن تقييمها لاحتياطيات حقل كاريش كشف عن 1.2 تريليون قدم مكعب من موارد الغاز الطبيعي القابلة للاستخراج، بالإضافة إلى 34 مليون برميل من النفط الخفيف، وهي زيادة كبيرة عن تقديراتها الأولية.
يشار إلى أن لبنان بدأ التفاوض غير المباشر مع إسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وامتد إلى خمس جولات حتى مايو/ آيار 2021، وتأجلت بعدها الجولة السادسة، بسبب إصرار الجانب الإسرائيلي على حصر المفاوضات على الخط 23، وليس على الخط 29.