تكبد الاحتلال هزيمةً مدوّيةً في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، على خلفية العملية الفدائية التي قامت بها فصائل المقاومة، وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، حاول الاحتلال بعدها تجريم الفعل المقاوم، وحركة حماس ذاتها، عبر وصمه بالإرهاب، إذ جند الاحتلال في سبيل ذلك كلّ إمكانياته المتاحة التقنيّة، والمالية، والإعلامية، والسياسية، من أجل نشر وقائعَ محرفةٍ، تصف جرائم مدانةً لا نقاش فيها، متهمًا الفدائيين بارتكابها.
انضمّت الولايات المتّحدة إلى تلك الحملة الشعواء، بقيادة رئيسها جو بايدن، الذي قال بعد نحو أربعة أيّام عن انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، خلال اجتماعٍ لقادة الطائفة اليهودية في أميركا، أنه "لم يتخيل رؤية إرهابيين يقطعون رؤوس أطفال"، في إشارةٍ إلى مقاتلي حركة حماس، وهو ما نفاه البيت الأبيض لاحقًا في اليوم ذاته، إذ قال أحد مسؤوليه إن تصريحات بايدن مبنيةٌ على مزاعم مسؤولي الاحتلال وتقاريره الإعلامية، قائلاً إنهم؛ أي مسؤولي البيت الأبيض، "لم يروا هذه الصور، ولم يتحققوا بشكلٍ مستقلٍ من أنّ حماس تقف خلف هذه المزاعم".
لم تقتصر حملة الاحتلال التحريفية على تصريحات بايدن ومسؤولي الاحتلال المفبركة، بل انضمت عشرات القنوات الإعلامية العالمية إليها، ونشرت عشرات الأكاذيب، التي تراجع عنها صحافيو تلك المحطّات لاحقًا، وأهمّها قناتا الـ CNN والـ BBC. لكن وعلى الرغم من تراجع البيت الأبيض، ومحطّاتٍ إعلاميةٍ عديدةٍ عن الأكاذيب التي نشروها منذ اليوم الأوّل، إلّا أنّهم مستمرون في البناء عليها، وعلى تحميل المقاومة جرائم لم يثبت حدوثها، وفي الدفاع عن إرهاب الاحتلال المنظّم والمستمر منذ بداية احتلاله أرض فلسطين وشعبها، وأخرها إرهابه وجرائمه المرتكبة الآن على أرض فلسطين، في قطاع غزّة، وفي سائر مدن فلسطين المحتلة.
تتراكب ملامح هزيمة الاحتلال تباعًا يومًيا، على الرغم من محاولاته احتوائها بحملته الإعلامية المضللة
لكن وعلى الرغم من سعار الاحتلال وداعميه الغربيين، ومحاولتهم المستمرّة تجريم التضامن مع قضية فلسطين العادلة، وشعبها، ومقاومته المشروعة، التي وصلت بداعميه إلى حدّ مطالبة وزيرة الداخلية البريطانية جهاز الشرطة البريطانية بـ "تجريم رفع العلم الفلسطيني في الوقت الراهن"، إلّا أنّ أصوات دعم القضية الفلسطينية وشعبها ومقاومته، قد تصاعدت تصاعدًا متسارعًا في الأيّام الأخيرة، على وقع افتضاح جزءٍ يسيرٍ من رواية الاحتلال الملفقة، وعلى وقع جهود الناشطين الإعلامية والحقوقية، وعلى وقع فداحة جرائم الاحتلال المرتكبة اليوم في قطاع غزّة وسائر الأراضي الفلسطينية.
إذ حاول الاحتلال وسم المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، بغرض نزع حقّها في مقاومة الاحتلال أوّلاً، وبغرض حماية آلة الاحتلال الإرهابية؛ متمثّلةً في جيش الاحتلال ومستوطنيه، من أيّ ملاحقة قانونية ثانيًا، وهو ما ظن الاحتلال أنّه قد نجح به، لذا أوغل في إجرامه وقطع الماء والكهرباء والوقود عن قطاع غزّة، وعمل على ممارسة تطهيرٍ عرقيٍ جديدٍ في قطاع غزّة، لكنه فوجئ بصمودٍ فلسطينيٍ شعبيٍ وفصائليٍ، كما فوجئ بسرعة الكشف عن أكاذيبه بشأن المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي انعكس سريعًا على تصاعد الأصوات الدولية التي تدين الاحتلال، من قبل الأمم المتّحدة، والفاتيكان، ومنظّماتٍ دوليةٍ عديدةٍ، منها منظمة العفو الدولية "أمنيستي"، إلى جانب غضبٍ شعبيٍ عالميٍ من ممارسات الاحتلال، وأكاذيبه.
كلّ ذلك مثل بدايةً لتقويض حملة الاحتلال الملفقة، ما يمثّل هزيمةً إضافيةً له تضعه أمام خياراتٍ محدودةٍ اليوم، أوّلها الإسراع في اتخاذ قرار الاجتياح البري من عدمه، قبل انقلاب موقف المجتمع الدولي كلّيًا، ، لكن ذلك يعني البدء في حملةٍ عسكريةٍ سريعًا، قبل استكمال مخططات الاحتلال العسكرية الممهدة لها، وأهمّها استكمال السيطرة العسكرية على محيط قطاع غزّة، ومعالجة اختراقات المقاومة لجدار الاحتلال الأمني، الذي كان يصفه بـ "الجدار الذكي"، فضلاً عن الموقف الأميركي المتردد، إن لم نقل الرافض، للاجتياح البري، نظرًا لأولويّة الحرب الأوكرانية الروسية في الحسابات الأميركية الراهنة.
كما سوف تضطر حكومة الاحتلال قريبًا إلى مواجهة تداعيات نجاح المقاومة في أسر جنود وضباط الاحتلال، تحت ضغط حاضنتها الاجتماعية، التي تطالب بالإسراع في إطلاق سراحهم بأيّ وسيلةٍ كانت، وهو ما يعزز احتمال خضوع الاحتلال للكثير من مطالب المقاومة المشروعة، من إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، إلى فكّ حصار قطاع غزّة، ولو جزئيًا.
أخيرًا لا بدّ من الإشارة إلى احتدام الصراع الدولي، بين كلّ من أميركا والاتّحاد الأوروبي من ناحية، والصين وروسيا من ناحية ثانية، وانعكاسه على المواقف من الاحتلال وممارساته، فعلى الرغم من علاقات كلٍّ من روسيا والصين الاستراتيجية مع الاحتلال، إلّا أنّ مسارعة الولايات المتّحدة إلى دعم الاحتلال دعمًا مطلقًا وغير محدودٍ، بل وأعمى، دفعهما إلى إدانة الاحتلال وتحميل سياسات أميركا المسؤولية عن الوضع الحالي، كما دفعهما إلى رفض تمادي الاحتلال في جرائمه بحقّ شعب فلسطين وأرضه؛ كما أدانوا المقاومة الفلسطينية، وهو ما يمثّل اختراقًا دوليًا مهمًّا، يهز حصون الاحتلال الدولية، التي حمته من المحاسبة، والملاحقة القانونية والقضائية، والسياسية، والشعبية على مدار سنواته الطويلة.
في الختام، تتراكب ملامح هزيمة الاحتلال تباعًا يومًيا، على الرغم من محاولاته احتوائها بحملته الإعلامية المضللة، إذ يصعب على الاحتلال إخفاء جرائمه الفادحة في ظلّ الثورة التكنولوجية، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي لعبت دورًا حاسمًا في فضح كذب الاحتلال وألاعيبه، وفي الكشف عن جرائمه المستمرّة، وعن إرهابه المتواصل بحقّ شعب فلسطين وأرضه، وأهمّها جرائم التطهير العرقي والتهجير القسري والفصل العنصري والعقاب الجماعي، وذلك على الرغم من محاربة المحتوى الفلسطيني، والتضييق عليه. وهو ما يدفع الكاتب إلى الاعتقاد بأنّ حركة مناصرة فلسطين وقضيتها، وشعبها، ومقاومتها في تصاعدٍ دائمٍ حتّى زوال الاحتلال، وتحرير فلسطين، وعودة شعب فلسطين الأصلي إلى مدنه التي شرد منها قسرًا، وحتّى يتمكّن شعب فلسطين الأصلي من تقرير مصيره، ومن إقامة دولته الحرة والمستقلة، دولةً لجميع مواطنيها الأصليين، والحاليين المتحررين من العنصرية الصهيونية وإرهابها.