بعد تكثيف إيران لتخصيب اليورانيوم: هل تُفعّل ألمانيا دبلوماسيتها لإنقاذ الاتفاق النووي؟
بدأت طهران، بعد أن أبلغت مطلع هذا العام الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، زيادة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، أي إنتاج وتخزين 120 كيلوغراماً منه سنوياً، وذلك تطبيقاً لقانون الطاقة الذرية الإيراني الجديد الذي ينتهك الاتفاقية النووية من جميع النواحي، الأمر الذي سيحتم تلقائياً تقييد أو حظر مراقبة المنشآت النووية من قبل مفتشي الوكالة الذرية.
هذا التطور الاستفزازي قبل أيام من تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، وضع الاتفاقية أمام خطر جسيم في ظل السلوك المستجد لطهران، وهو الذي أعلن عن نيته تصحيح المسار وإنقاذ الاتفاق، وهي الخطوة التي أقلقت أيضاً الشركاء الأوروبيين المشاركين في التوقيع على الاتفاقية عام 2015، والذين تواصلوا قبل نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، للحض على عدم انتهاك الشروط.
وأمام هذا الواقع، أُثيرت أسئلة حول ما إذا كان الهدف من القرار الإيراني إضعاف مصداقية وسلطة جميع مؤسسات المجتمع الدولي عمداً، وما هو الأمل في إمكانية تعويم دور الدبلوماسية الألمانية، لما تتمتع به من مصداقية أمام الأطراف المتنازعة، لتنقيح الاتفاق والتخفيف من تهديدات الحرب، ولتتوصل مع شركائها إلى سياسة واقعية في الشرق الأوسط تساهم في حماية أوروبا من تداعيات الصراع، وما سيُترجم بتخفيف العقوبات عن طهران لتجنيبها الانهيار الاقتصادي.
وعن هذه الإمكانية وشروع ألمانيا في عملية إنقاذ الاتفاق، قال المتحدث باسم السياسة الخارجية عن حزب الخضر أوميد نوريبور أخيراً مع موقع "بزنس إنسايدر"، إن تطورات العامين الماضيين، خلقت وضعاً لا مكان واقعياً فيه للاسترخاء، وهناك عقبات للدخول في محادثات جديدة مع الإيرانيين، لافتاً إلى أن التيار المتشدد في الداخل الإيراني في صعود، وأي تقارب مع الغرب سيُفسر على أنه ضعف خلال حملتهم الانتخابية الرئاسية.
وشدد على أنه من الخطأ أن يعمد وزير الخارجية هيكو ماس إلى تجميع كل القضايا دفعة واحدة، وخطة العمل المشتركة مثقلة بالفعل، من برنامج الصواريخ وتهديدات إيران ضد إسرائيل، وسياسة طهران الإقليمية وانتهاكات نظام الملالي لحقوق الإنسان، ومن المستحيل إنقاذ الاتفاق في غضون ستة أشهر حتى مع وجود بايدن.
ومع بدء إيران رفع نسبة التخصيب، برزت تعليقات تفيد أن طهران ترسل إشارة ثقة بالنفس لشعبها، غير الراضي عن المعاهدة لأن العقوبات لم تُرفع بالقدر المأمول، والأخيرة تعرف أن شركاء المعاهدة الأوروبيين، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا لا يريدون الانسحاب من الاتفاقية.
وبالتالي، فإن خطوة إيران تُوجه لاستدراج عروض من القيادة المنتخبة في الولايات المتحدة، مع رهانها على أن ترامب لن يشن حرباً قبل نهاية ولايته يوم 20 من يناير/كانون الثاني الحالي، مع العلم، أن وسائل إعلام إيرانية ذكرت أن ظريف التقى سراً وفداً من فريق السياسة الخارجية لبايدن.
وأشارت شبكة "إيه آر دي" الإخبارية، إلى أن التعنت الإيراني يزيد من صعوبة تبرير الأوروبيين للالتزام بالاتفاق مع الشركاء الأميركيين، هذا عدا عن أنهم في موقف ضعيف بعدما بقي نظام التعويض المقترح من قبل الأوروبيين لمواصلة التجارة مع إيران "انستكس" حبراً على ورق، وثبت أنه غير فعال من حيث التجارة الفعلية معها.
وفي ذات السياق، قال عضو لجنة الشؤون الخارجية في "البوندستاغ" والمنتمي إلى المسيحي الديمقراطي نيكولاس لوبل، بأن وقت إنقاذ الاتفاق ينفد، ويعود الأمر لكون طهران أمام انتخابات رئاسية يوم 18 يونيو/حزيران المقبل، والمرشح الأوفر حظاً متشدد سياسياً ومقرب من آيه الله وهو الجنرال السابق حسين دهقان.
وحسب لوبل، هناك انطباع لدى ألمانيا بأن الرئيس روحاني لديه مصلحة حقيقية بالعودة إلى الاتفاق، وعلى عكس المتشددين في إيران، لديه مصلحة حقيقية بالعودة لاعتماد خطة عمل مشتركة مع الإدارة الأميركية الجديدة. وأكد على أن الحل يجب أن يحتوي المتطلبات الواضحة بما يخص برنامج إيران النووي، وكذلك المطالب السياسية والحقوقية، فضلاً عن الحد من التسلح، وإذا ما قدمت طهران التنازلات، فيجب أن تكافأ اقتصادياً، وإذا ما استمرت بالمواجهة، فيجب علينا كأوروبيين مع شركائنا اعتماد مسار مغاير كلياً.
ومن المعلوم، أن العودة إلى الاتفاق ستكون بمثابة تأمين على الحياة لطهران التي تعاني اقتصادياً، وهناك خوف من انفجار اجتماعي داخلي، وهي التي لم تتمكن منذ العام 2018 من بيع النفط لأوروبا.
وفي الموازاة، أشار الكاتب جوش غرونفلفيد إلى أن إيران تعتبر أن لها أسبابها لرفع نسبة التخصيب من جديد، بينها العقوبات القاسية التي فرضتها أميركا خلال العامين المنصرمين، والتي أسهمت في زيادة المتاعب الاقتصادية عليها، وأنتجت ركوداً عميقا وانخفض فيه الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6,8% خلال 2019/ 2020 وانكمشت صناعة النفط الإيرانية بنسبة 40%، فضلاً عن اغتيال شخصية بحجم قاسم سليماني، ثاني أقوى رجل في البلاد بعد آية الله علي خامنئي، إضافة إلى رئيس البرنامج النووي محسن فخري زاده خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يُضاف إلى ذلك أن نهاية العام 2020 شهدت، وبمبادرة من إدارة ترامب، تطبيع عدد من الدول العربية علاقتها مع إسرائيل، ووجدت فيه بداية طريق لتوحيد الصفوف ضد عدوهم المشترك إيران.
ولفت غرونفلفيد إلى أن المشكلة لدى الإيرانيين أنهم يريدون العودة إلى شروط اتفاق العام 2015، والتزامهم بتصميم برنامجهم بطريقة لا تمكنهم من صنع قنبلة ذرية فقط، فيما يريد بايدن والحكومة الاتحادية إعادة التفاوض، ليس فقط على برنامج إيران النووي، وإنما أيضاً الصواريخ البالستية وحول دعم إيران للجماعات والمليشيات الإرهابية في المنطقة وانتهاكات حقوق الإنسان الداخل الإيراني، وإعدام الصحافي روح الله زام أخيراً، أكبر مثال على ذلك.
وأبرزت "فوكوس أونلاين" أن السيناريو الأكثر احتمالاً، هو أن يتعهد الجانبان الأميركي والإيراني، ومع وصول بايدن برغبتهم في تهدئة الوضع في المنطقة، على أن يتخذ الساكن الجديد للبيت الأبيض الخطوة الأولى، ويقوم برفع حظر السفر الذي فرضه ترامب على إيران ويخفف العقوبات الرمزية ويقدم المساعدة لإيران لمواجهة وباء كورونا، وهذا ما قد يمهد لبدء مباحثات جديدة، على أن تعلق إيران برنامجها النووي مع تمسك بايدن بالعقوبات الاقتصادية، حتى يتمكن من الحصول على ظروف أفضل في مرحلة إعادة التفاوض، سيما وأن الأمر قد يستغرق وقتاً لاستعادة الثقة.