في خضم فصول الاعتراض في ليبيا على طريقة إصدار قانون الانتخابات الليبية، تواصل المفوضية العليا للانتخابات تلقي الترشحات للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لليوم الثالث على التوالي، فيما تجري العواصم المعنية بالملف الليبي اتصالات كثيفة للإعداد لمؤتمر دولي في باريس لحسم عدة ملفات ليبية، وعلى رأسها الانتخابات.
وأعلنت المفوضية، ليل البارحة الثلاثاء، عن ارتفاع عدد المترشحين للانتخابات البرلمانية، التي تجري في يناير/ كانون الثاني المقبل إلى 155، بعدما كانوا 46 مترشحا في اليوم الأول (أربعة منهم استوفوا شروط الترشح). لكن المفوضية لم تعلن عن عدد المترشحين للانتخابات الرئاسية التي تجرى في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، على الرغم من أنها أشارت إلى أنهم كانوا أربعة مترشحين في اليوم الأول.
وحتى الآن اعتمدت المفوضية على الشروط ذاتها التي تضمنها قانون الانتخابات الرئاسية، وهي بأن يكون المترشح مسلما وألا يحمل جنسية أي دولة أخرى "ما لم يؤذن له"، بالإضافة لتقديم المترشح ما يفيد بعدم محاكمته في قضية جنائية.
وفيما يتعلق بموعد ترك شاغلي المناصب العامة لمناصبهم قبل موعد الانتخابات، فقد اعتمدت النص الوارد في القانون وهو أن يكون متوقفا عن عمله "قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر"، دون أن تبين مصير مقترحها الذي ينص على أن يكون متوقفا عن عمله "عند إعلان المفوضية عن البدء في العملية الانتخابية".
مؤتمر باريس
وبالتزامن مع الغموض التي تسير فيه العملية الانتخابية، تستعد العاصمة الفرنسية لاستضافة مؤتمر دولي حول ليبيا، الجمعة المقبل. وتشارك باريس في تنظيمه مع إيطاليا وألمانيا بالإضافة الى الأمم المتحدة، ويتوقع أن يشهد مشاركة نحو 20 رئيسا وممثل دولة إقليمية ودولية، لمناقشة عدة ملفات ليبية، أهمها حسم الموقف الدولي من ملفي الانتخابات الليبية وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية.
"تلك الانقسامات والخلافات الليبية في كل اتجاه"، كما يصفها سليم عنيبة، المتحدث الرسمي باسم "تنسيقية حراك ليبيا الموحدة"، الذي يرى في تصريح لـ"العربي الجديد" أنها "مقدمات لفشل العملية الانتخابية والذهاب إلى المزيد من التعقيد الذي سيفضي الى تشظ أكبر".
ولا يعتقد عنيبة أن "الانتخابات يمكن أن تجري وإن جرت فعوامل عدم القبول بنتائجها متوفرة كلها كالسلاح والجهوية ومنطق المحاصصة وغيرها".
وعلى الرغم من النشاط الذي أبدته المفوضية بفتح باب الترشح للانتخابات ثم إعلان الشروط التي يتعين على المترشحين استيفاؤها، إلا أن عنيبة يرى أن العملية الانتخابية لم تبدأ، وتساءل قائلا "لماذا أخفت المفوضية عدد المترشحين للانتخابات الرئاسية في اليوم الثاني بعد أن قالت إنهم أربعة في اليوم الأول؟".
وتابع قائلا "هذا الموقف الغامض من المفوضية يعني أن هناك جديدا تنتظره من تسويات غير معلنة، فالجميع يدرك أن الخلاف حول انتخاب الرئيس وليس انتخاب برلمان جديد الذي سيكون منزوع الصلاحيات مقابل الصلاحيات غير المحددة لرئيس الدولة"، مشددا على أن "فشل العملية الانتخابية سيكون وشيكا".
في المقابل، يرى الباحث الليبي في الشأن الدولي، مصطفى البرق، أن "حالة الغموض التي تكتنف المسار الانتخابي تعني أن الأطراف الليبية احتكمت للرأي الدولي المنتظر أن يتبلور في باريس"، وقال لـ"العربي الجديد" إنه "لن يحسم في الوقت الحالي ملف القوات الأجنبية لكن ملف الانتخابات لابد من حسمه فالوقت ضيق جدا".
معاقبة المعرقلين
واعتبر البرق مشاركة نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، في مؤتمر باريس الجمعة يعني أن "الملف الليبي ارتفع في سلم أولويات واشنطن"، معتبرا التمثيل الأميركي والأوروبي عالي المستوى في المؤتمر يشير إلى وجود قوى سياسية كبيرة ستضغط على الأطراف المتعارضة في المشهد الليبي، مرجحا أنها ستعلن عن عقوبات وشيكة بحق المعرقلين.
لكنه تساءل "لصالح من ستكون النتيجة؟ هل لصالح إبقاء القوانين الانتخابية على حالها وإقصاء جميع من في المشهد كرئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة ورفقائه الذين لم يحققوا شرط ترك وظائفهم قبل الانتخابات بثلاثة أشهر واللواء المتقاعد خليفة حفتر والكثيرين من حملة جنسيات دول أخرى؟".
وتابع "أم أن الضغط الدولي سيتجه لفتح القوانين الانتخابية لتستوعب الجميع؟ وعندها سيمر أغلب مكونات الطبقة السياسية الحالية للفترة المقبلة ولن يتغير شيء خلافا للإرادة الدولية التي تبحث عن التغيير في ليبيا".
ونشرت السفارة الأميركية في ليبيا، تغريدة على "تويتر"، جاء فيها أن السفير الأميركي ريتشارد نورد لاند وصل إلى باريس ضمن وفد هاريس، وأضافت "نحن ندعم الغالبية العظمى من الليبيين الذين يريدون المشاركة في انتخابات سلمية في 24 ديسمبر، ولهم رأي في مستقبل ليبيا موحدة ومستقرة بدون تدخل أجنبي".
وصل السفير نورلاند إلى باريس اليوم ضمن وفد نائبة الرئيس كاملا هاريس: "نحن ندعم الغالبية العظمى من الليبيين الذين يريدون المشاركة في انتخابات سلمية في 24 ديسمبر، ولهم رأي في مستقبل #ليبيا موحدة ومستقرة بدون تدخل أجنبي." https://t.co/Mt7aYvQhqF
— U.S. Embassy - Libya (@USAEmbassyLibya) November 9, 2021
غموض الموقف الليبي
ولم يتضح الموقف الليبي من المؤتمر الفرنسي، فباستثناء خبر مقتضب، نشره المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي، عن لقاء جمع رئيس المجلس محمد المنفي، والدبيبة، أمس الثلاثاء، لـ"مناقشة الاستعداد للمشاركة في مؤتمر باريس"، لم يتضح مستوى التمثيل الليبي في المؤتمر بعد.
ولا يبدو أن السلطات في طرابلس متحمسة لما يمكن أن يطرحه القادة في مؤتمر باريس بشأن حسم الخلاف في ملف الانتخابات، خصوصا اذا أقر القوانين الصادرة عن مجلس النواب، فقد تجاهل المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي مضمون حديث هاتفي بين المنفي والرئيس المصري، عبد الفتاح السياسي، أمس الثلاثاء، بشأن الانتخابات.
ففيما أشارت الرئاسة المصرية إلى أن السيسي بحث مع المنفي عديد الجوانب المشتركة بين البلدين، من بينها الانتخابات التي أكد السيسي على دعم بلاده لإجرائها في موعدها المحدد في 24 ديسمبر المقبل بناء على القوانين التي أقرها مجلس النواب، اقتصر الخبر الذي نشره المكتب الإعلامي للمجلس الرئاسي على الحديث عن تبادل الطرفين لوجهات النظر حول مؤتمر باريس وآخر المستجدات السياسية، وتثمين المنفي للدور المصري في استضافة اجتماعات لجنة 5 + 5 العسكرية، دون أي إشارة لحديث السيسي عن الانتخابات الليبية.
المادة 12
وحول الخطاب الذي وجهه لها النائب الأول لرئيس مجلس النواب، فوزي النويري، أول من أمس، بشأن عدم التقيد بنص المادة 12 من قانون انتخاب رئيس الدولة الخاص بعدم شغل المناصب العامة لثلاثة أشهر، وطالبها بعدم تفعيل هذه المادة، كونها "تعرقل السير السليم للعملية الانتخابية وتفتح الباب أمام مستقبل غير مأمون الجوانب في بلادنا التي تمر بمرحة حساسة"، فقد أعلنت المفوضية أنها لم تتسلم الخطاب بعد.
وليل البارحة طالب 49 نائبا في مجلس النواب، في بيان مشترك، بمراجعة قانوني الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وتوضيح القاعدة الدستورية للانتخابات الرئاسية، واعتبروا أن إجراء الانتخابات الرئاسية دون قاعدة دستورية "مشروع ديكتاتورية مهما كانت النتائج".
وجاء البيان المشترك للنواب بعد ساعات من بيان لملتقى في طرابلس جمع عددا من أعضاء مجلسي النواب والدولة وعمداء البلديات وممثلي قوى مدنية وسياسية، بمشاركة عدد من سفراء الدول والبعثات الأجنبية في البلاد، عبروا فيه عن رفضهم لإجراء الانتخابات وفقا للقوانين الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب.
22 قياديا في "بركان الغضب" يعلنون رفضهم إجراء الانتخابات
في هذه الأثناء، أعلن 22 قياديا بعملية "بركان الغضب" التابعة للجيش الليبي بقيادة حكومة الوفاق السابقة رفضهم لإجراء الانتخابات وفقا للقوانين الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب، وحملوا المفوضية العليا للانتخابات "العواقب الخطيرة" التي قد تنسف ما تحقق من خطوات نحو استقرار البلاد.
وفيما أكد القادة، في بيان مشترك اليوم الأربعاء، أن القوانين الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب "غير مبنية على أي توافق سياسي"، طالبوا بضرورة "مراجعتها"، مشددين في الوقت نفسه على أن رفض هذه القوانين "لا يعني رفض العملية الانتخابية، بل نؤكد على ضرورة إجرائها في موعدها في 24 ديسمبر". واعتبر البيان إجراء "الانتخابات الرئاسية دون دستور أو قاعدة دستورية.. مشروع دكتاتورية مهما كانت النتائج"، موضحين أنهم لن يسمحوا بعرقلة الانتخابات "أو إفراغها من مضمونها".