هونغ كونغ تفاقم التوترات الصينية الأميركية

21 سبتمبر 2024
خلال اعتقال جيمي لاي في هونغ كونغ، أغسطس 2020 (أنتوني كوان/Getty)
+ الخط -

ما زال الوضع في جزيرة هونغ كونغ محل توترات بين الصين والولايات المتحدة، إذ حثت بكين واشنطن على التوقف عن "تبييض صور المجرمين" والتدخل بعمل القضاء، في المنطقة الإدارية التابعة للصين، والواقعة على ساحلها الجنوبي. وأعرب المتحدث باسم مكتب مفوض وزارة الخارجية الصينية في هونغ كونغ، كوي جيانتشون، أول من أمس الخميس، عن استيائه الشديد ومعارضته الحازمة لـ"التعليقات غير المسؤولة" التي أدلى بها عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بشأن دعم المعارض المعتقل جيمي لاي. وقال إن تصرفات بعض الساسة الأميركيين، والتي تشمل دعم المجرمين بشكل صارخ والتدخل في النظام القضائي لمنطقة هونغ كونغ، تنتهك مبدأ القانون الدولي وتُظهر تجاهلاً صارخاً لروح سيادة القانون.

وكان مشرعون أميركيون قد تعهدوا، الأربعاء الماضي، بمواصلة الضغط لإطلاق سراح لاي، إذ وصفته رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي بأنه "بطل"، فيما قال السناتور الأميركي جيم ريش إنه من الملحّ أكثر من أي وقت مضى أن يدعم المجتمع الدولي لاي بكل الوسائل الممكنة. وألقت شرطة هونغ كونغ القبض على رجل الأعمال والإعلامي البارز جيمي لاي (76 عاماً) في ديسمبر/ كانون الأول 2020، بتهمة التواطؤ مع قوى أجنبية، والتآمر لطباعة وتوزيع مواد تحريضية من خلال صحيفة أبل ديلي الشعبية (في هونغ كونغ) التي أُغلق مكتبها. ليصبح أبرز شخص اعتُقل من قبل السلطات بموجب قانون الأمن القومي الذي فرضته الصين في العام نفسه لإحكام سيطرتها على الجزيرة.

قانون الأمن القومي في هونغ كونغ

ووفق القانون الجديد فإن أي نشاط مناهض للحكومة يعتبر إرهاباً، كما يمنح الرئيس التنفيذي للجزيرة صلاحيات واسعة في مجال اختيار القضاة، وهو ما يتعارض مع القانون الأساسي المعمول به في هونغ كونغ. ودفع القانون، المثير للجدل، في حينه، الولايات المتحدة، إلى الإعلان أن هونغ كونغ لم تعد منطقة إدارية مستقلة، وبالتالي سحب الميزة التنافسية الممنوحة لها، بسبب تآكل نظامها الديمقراطي. وكان من أبرز ثمار قانون الأمن القومي بالنسبة للصين تعيين جون لي المسؤول الأمني السابق الموالي لبكين رئيساً تنفيذياً لهونغ كونغ في عام 2022 خلفاً لكاري لام. في أعقاب إقرار قانون الأمن القومي في هونغ كونغ قبل أربع سنوات، شهدت الجزيرة حملة واسعة من الاعتقالات طاولت عدداً كبيراً من النشطاء ومؤيدي الديمقراطية.

وبحسب تقديرات رسمية فقد أجريت 2320 محاكمة منذ تطبيق قانون الأمن القومي، الأمر الذي دفع قوى غربية وساسة وحقوقيون إلى إدانة هذه المحاكمات واتهام الصين بتقويض القضاء في الجزيرة. وكان ممثلون من خمسة محامين مقيمين في المملكة المتحدة قد قدموا استئنافاً، الأسبوع الماضي، إلى الأمم المتحدة بشأن الاحتجاز المطول لجيمي لاي في الحبس الانفرادي. في المقابل، دحضت حكومة منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة هذه الادعاءات، قائلة إنه لا توجد أي حقيقة على الإطلاق بأن محاكم الجزيرة تخضع لأي ضغوط سياسية من سلطات الحكومة المركزية في بكين، وإنه ليس هناك أي تراجع في سيادة القانون في هونغ كونغ في ظل قانون الأمن القومي.

وانغ تشي يوان: جيمي لاي استغل التدخل الأجنبي  لنشر التصريحات الانفصالية

بين سيادة القانون والتعسف

وتعليقاً على هذا الأمر، قال الباحث في معهد لياونينغ للدراسات السياسية وانغ تشي يوان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه لا ينبغي الخلط بين الديمقراطية وسيادة القانون. ولفت إلى أن "الأشخاص الذين يحاولون الإضرار بسيادة القانون في هونغ كونغ يقتصرون على أولئك الموجودين في بريطانيا والولايات المتحدة، وبعض وسائل الإعلام المعادية للصين، ولديهم دوافع خاصة لتشويه نزاهة القضاء في الجزيرة واتهام بكين بالتدخل في اختيار القضاة وفرض التشريع". وقال إن "جيمي لاي، بصفته مخططاً ومحرضاً للأنشطة التخريبية في هونغ كونغ، ووكيلاً للقوى المناهضة للصين في الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى، استغل التدخل الأجنبي، وعمل على تقويض النظام السياسي من خلال نشر التصريحات الانفصالية، لذلك نال جزاءه". وأضاف أن "الأجهزة القضائية في منطقة هونغ كونغ تعمل بشكل مستقل وفقاً للقانون، واتخذت إجراءات صارمة ضد الأعمال والأنشطة التي تعرض الأمن القومي للخطر".

جين توي: لا معنى للحديث عن استقلال القضاء في ظل فرض التشريعات الصينية

من جهته، رأى أستاذ الدراسات السياسية السابق في جامعة تايبيه الوطنية جين توي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أسوأ ما تسبّب به قانون الأمن القومي الصيني، هو إبطال صيغة "دولة واحدة ونظامان"، والتي "تعني احتفاظ الجزيرة بنظام قانون مستقل تماماً، وإن كانت تتبع جمهورية الصين الشعبية كمنطقة إدارية تتمتع بدرجة عالية من الحكم الذاتي". وأوضح أنه "لا معنى للحديث عن استقلال القضاء في ظل فرض التشريعات الصينية واختيار القضاة والمشرعين وحتى نواب المجالس البلدية، فضلاً عن اختيار الرئيس التنفيذي للجزيرة". وبالتالي، وفق جين توي، فإن جميع الأحكام الصادرة بحق النشطاء، بمن فيهم جيمي لاي الذي يقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة، "هي أحكام تعسفية، وهو الأمر الذي أشار إليه القاضي البريطاني جوناثان سومبشن الذي استقال أخيراً من أعلى محكمة في هونغ كونغ". وكان سومبشن قد استقال في يونيو/ حزيران الماضي من منصبه كقاضٍ غير دائم في محكمة الاستئناف النهائي في المدينة، بسبب ما وصفه بالتدخل السياسي في عمل القضاء. وقال مكتب مفوض وزارة الخارجية الصينية في منطقة هونغ كونغ، في حينه، إن سومبشن تخلّى تماماً عن روحه وأخلاقه المهنية، وخان كرامة وسيادة القانون وأقرانه القضائيين. وأضاف أنه بات واضحاً للعالم أن إجبار القضاة على الاستقالة هو مناورة سياسية حقيرة من قبل الحكومة البريطانية والسياسيين الذين يستهدفون أمن واستقرار الجزيرة.

المساهمون