"المركز الدولي للعدالة الانتقالية" في تونس يبحث تعزيز المساءلة وكشف الانتهاكات
وقال مسؤول الشؤون القانونية بالمركز محمد آزر الزواري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "لفهم توصيات ومخرجات عمل (هيئة الحقيقة والكرامة) ينبغي تبويب الملفات والنظر في المنهجية التي اعتمدتها الهيئة في التقصي والبحث في الملفات"، مؤكداً أنّ "تعزيز المساءلة يتم من خلال دعم الدوائر القضائية وتوفير أفضل الظروف لعملها".
ولفت إلى أنّ الهيئة أحالت عديد الملفات للبت فيها والنظر في الانتهاكات التي طاولت حقوق الإنسان وكذلك ملفات الفساد، مؤكداً أنّ "المصالحة وجبر الضرر لا يكون إلا بعد كشف الحقائق".
وأضاف الزواري أنّ "من شروط الصفح والتحكيم والمصالحة أنّ على المنتهك الاعتراف بما قام به وطلب الاعتذار"، موضحاً في السياق، أنّ "منهجية التعامل مع بعض المنتهكين لم تكن واضحة من حيث مَن شارك المنتهك ومَن تعامل معه، إلى جانب التثبت من صحة بعض الملفات وكيفية التثبت منها".
وبحسب الزواري، فقد "كانت بعض المبادئ غامضة، لا سيما في الجدول الذي وضعته الهيئة في عملها".
وهيئة "الحقيقة والكرامة"، هي هيئة حكومية تونسية مستقلة، تأسست في عام 2014، ومهمتها الرئيسية الإشراف على مسار العدالة الانتقالية في تونس بعد ثورة 2011، والكشف عن مختلف الانتهاكات في الفترة بين 1955 و2013، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها، لتحقيق المصالحة الوطنية.
وتشمل هذه المرحلة فترات حكم الرئيس التونسي الأول الحبيب بورقيبة، والرئيس زين العابدين بن علي، وكذلك بعض الحكومات بعد ثورة 2011 التي أطاحت ببن علي. وتلقت الهيئة منذ بدء عملها، أكثر من 62 ألف ملف بانتهاكات مفترضة لحقوق الإنسان، واستمعت إلى نحو 50 ألف شخص.
وكان رئيس الحكومة التونسية السابق يوسف الشاهد قد اعتبر أنّ الهيئة فشلت في مهمتها، وانتقد المحاكمات الجارية في الدوائر المتخصصة، ووعد بتمرير قانون جديد للعدالة الانتقالية. وينص قانون العدالة الانتقالية على أن يُنشئ البرلمان لجنة خاصة مهمتها مراقبة تنفيذ التوصيات ومدى فاعليتها، لكن هذه اللجنة لم تر النور بعد.
أما المسؤول عن النوع الاجتماعي وجبر الضرر بالمركز الدولي للعدالة الانتقالية هيثم القاسمي، فشرح لـ"العربي الجديد"، أنّ مداخلته "ركزت على النساء ضحايا النظام السابق وطرق جبر الضرر والقضايا التي أحيلت على الدوائر المتخصصة".
ولفت إلى أنّ "العديد من الانتهاكات بعضها جسدية وأخرى جنسية، مارسها النظام السابق على الضحايا فضلاً عن معاناتهم من الوصم الاجتماعي".
من جهتها، قالت مسؤولة عن "قطب دولة القانون" (سوليدار) إشراق غديري، إنّ "قراءة في التوصيات المتعلقة بمكافحة الفساد، والتي ذكرتها (هيئة الحقيقة والكرامة) كانت ضعيفة"، موضحةً أنه "لم يتم إبراز الطريقة التي تمت بها دراسة تلك الملفات، الأمر الذي أضعفها، ولم يقد إلى استيفاء عملية كشف الحقيقة".
ولفتت إلى أنّ "العديد من التوصيات في ما يتعلق بجبر الضرر والمحاسبة وردت متفرقة، وكان لا بد من تجميعها لتسهيل المحاسبة ومتابعة تنفيذ التوصيات ويفترض أن تلتزم السلطة لاحقاً بتنفيذها"، مذكرةً بأنّ "الفصل 70 يحمل الحكومة مسؤولية تنفيذ التوصيات ويكون ذلك بوضع خطة زمنية تضع الأولويات في الصدارة، وحصر الخسائر التي تضررت وتسببت في هدر المال العام".
وأوضحت غديري أنّ "مجلس نواب الشعب يتحمل مسؤولية رقابية تتمثل في متابعة تنفيذ التوصيات، من خلال إحداث لجنة تسهر على سن القوانين اللازمة، وتأمين انفتاحها على المتابعين لملف العدالة الانتقالية لاستكمال الصورة، والتي تبين التزام السلط بتنفيذ التوصيات".
وأضافت أنّ "بعض التوصيات تحدثت عن تجميع آليات الرقابة وتوحيدها، ولكن هذا الأمر خلق لبساً، وقد يخلق إشكاليات عديدة في تحويلها إلى واقع، ومختلف التوصيات تحدثت عن عدم التكرار وركزت على دور الأجهزة المعنية في الرقابة، وشددت الهيئة على أن ذلك مرتبط بالإرادة السياسية".
ورأى الخبير في العدالة الانتقالية روبن كارنزا أنه "يصعب متابعة تنفيذ بعض التوصيات"، معتبراً أن "هيئة الحقيقة والكرامة كانت معنية بذكر بعض التفاصيل ووضع مقاربات لبعض المسائل، ولكن لدى الهيئات إشكاليات داخلية وخارجية وحصل أن عرفت الهيئة عدة تجاذبات داخلية أعاقت عملها".
وأكد أنه "يجب عدم إلقاء كل الأعباء والمسؤولية على عاتق هيئة واحدة في تونس"، مشيراً إلى أنّ "تنفيذ التوصيات لا يخضع فقط إلى القوانين لتطبيقها بل لا بد من تظافر عديد الجهود من أجل ذلك".