عادت المواجهة بين السعودية وحزب الله اللبناني إلى الواجهة من جديد، مع فرض السعودية عقوبات على 12 شخصاً اتهمتهم بأنهم قياديون ومسؤولون في الحزب، وبأنهم يعملون كأذرع استثمارية للحزب، ومسؤولون عن عمليات للحزب في الشرق الأوسط. وقالت وزارة الداخلية السعودية، في بيان أمس الخميس، إن حزب الله "طالما قام بنشر الفوضى وعدم الاستقرار، وشنّ هجمات إرهابية وممارسة أنشطة إجرامية وغير مشروعة في أنحاء العالم"، وأن السعودية "ستواصل تصنيف نشطاء وقيادات وكيانات تابعة لحزب الله، وفرض عقوبات عليها".
وأعلنت أسماء اثني عشر شخصاً فرضت عليهم عقوبات وحظر أي تعامل معهم، باعتبارهم قيادات ومسؤولين في حزب الله، وهم: علي موسى دقدوق الموسوي، ومحمد كوثراني، ومحمد يوسف منصور، وأدهم طباجه (صاحب مجموعة الإنماء لأعمال السياحة وفروعها)، وقاسم حجيج، وحسين علي فاعور (مركز العناية بالسيارات)، ومصطفى بدر الدين، وإبراهيم عقيل، وفؤاد شكر، وعبدالنور الشعلان، ومحمد نجيب كريم، ومحمد سلمان فواز.
وذكرت الداخلية أن تصنيف هذه الأسماء على قوائم الإرهاب يأتي استناداً لنظام "جرائم الإرهاب وتمويله" والذي "يستهدف الإرهابيين وداعميهم ومن يعمل معهم أو نيابة عنهم". وبحسب النظام، فسيتم "تجميد أي أصول تابعة لتلك الأسماء المصنفة وفقاً للأنظمة في المملكة، ويحظر على المواطنين السعوديين القيام بأي تعاملات معهم".
ومرّت العلاقات السعودية مع حزب الله بالكثير من الاضطرابات، لا سيما بعد هيمنة الحزب على القرار في لبنان، وتدخّل الحزب العسكري المباشر في سورية للقتال إلى جانب النظام منذ 2012، وتقديم الحزب دعماً لوجستياً لـ"الحشد الشعبي" في العراق، قيل إنه توقف مع اشتداد القتال في سورية.
وتعتبر السعودية رحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد، بمفاوضات سياسية أو بالقوة العسكرية، أولوية قصوى لها في سورية، وتقوم بتقديم الدعم العسكري لفصائل المعارضة المقاتلة لهذا الغرض، ومن هذه الفصائل من يدخل في قتال مباشر مع حزب الله على الأراضي السورية. كما أنها تدعو بشكل مستمر إلى أهمية تقوية الدولة في لبنان، وأن تكون هي الفاعل الوحيد على الأرض. وهذا ما دفع الحزب إلى اتهام السعودية "بدعم الإرهاب".
وكانت علاقات السعودية مع حزب الله جيدة نسبياً، وخطوط الحوار مفتوحة بين الطرفين، على الرغم من ارتباط الحزب المباشر بالنظام الإيراني، والذي تعتبر السعودية نفسها في عداء معه منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. إلا أن اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الراحل رفيق الحريري في 2005، فجّر كل الخصومات التاريخية بين الحزب والسعودية، خصوصاً بعد هيمنة حزب الله على الوضع السياسي في لبنان، وما يُعرف باجتياح بيروت في 7 مايو/أيار 2008، حيث اعتبرت السعودية أن الحزب يريد أن يهيمن على الدولة اللبنانية بقوة السلاح، الذي وعد طويلاً بأنه لن يستخدمه في الصراعات الداخلية اللبنانية.
اقرأ أيضاً: السعودية تطرح مشروع قرار لإدانة التدخل الإيراني والروسي بسورية
بعد عام 2011، واندلاع ثورات الربيع العربي، أصبح الاشتباك السياسي، ومن ثم العسكري، بين السعودية والحزب في ذروته. فالسعودية تدخّلت في البحرين، ولاحقاً في اليمن ضد مليشيات الحوثيين وحلفائهم، في خطوتين اعتبرها الحزب بمثابة حرب مباشرة عليه، وهاجم السعودية جراء هذا، كما هاجمها مع حادثة سقوط الرافعة في الحرم المكي قبيل موسم الحج الماضي، وهاجمها لاحقاً على خلفية حادثة التدافع في منى، في سلوك اعتبرته السعودية "تسييساً" للشعائر المقدسة.
ودائماً ما كان هجوم حزب الله على السعودية، يُفهم بأنه هجوم إيراني غير رسمي. ويتهم حزب الله السعودية بأنها تقوم بدعم "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق وسورية، وبأنها تقف ضد تطلعات الشعوب في المنطقة، خصوصاً في اليمن والبحرين، لذا انتقد باستمرار تدخّل قوات "درع الجزيرة" في البحرين، وعمليات التحالف العربي ضد مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في اليمن.
بينما تستند السعودية في مواجهة "حزب الله" إلى تاريخه في المنطقة، والاتهامات التي وُجّهت إليه بالمسؤولية عن هجمات ضد الكويت في الثمانينيات، خصوصاً استهداف "طائرة الجابرية" الخاصة بأمير الكويت الراحل جابر الصباح، والذي يُتهم بها عماد مغنية، القيادي الراحل في حزب الله، لتأتي عمليات القبض على خلايا تابعة للحزب في الكويت أخيراً، كعلامة فارقة لتعامل السعودية مع نشاطات الحزب في الخليج، باعتبارها تمثّل تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي.
في السياق ذاته، تتوتر علاقات السعودية مع الحزب، بفعل علاقته غير الواضحة المعالم مع ما يُعرف بـ"حزب الله الحجاز" والذي تلقى تدريبات من الحرس الثوري الإيراني، وقام بارتكاب أعمال إرهابية في المملكة، كان أبرزها اتهام السلطات السعودية للحزب بالمسؤولية عن تفجيرات الخبر في 1996، حيث استهدف سكن البعثة الأميركية في شرقي البلاد. ويُتهم حزب الله اللبناني بتدريب "حزب الله الحجاز"، مع الحرس الثوري، لشن هجمات في الخليج، وربما تقديم دعم لوجستي لـ"حزب الله الحجاز"، في تفجيرات الخبر.
وقد ألقي أخيراً القبض على أحمد المغسل، المتهم بأنه العقل المدبر لتفجيرات الخبر في لبنان، في أغسطس/آب الماضي، في عملية وُصفت بالنوعية، حيث كان المغسل قادماً من طهران إلى بيروت، ليتم القبض عليه بالتعاون مع السلطات الأمنية اللبنانية، ويتم نقله إلى الرياض.
اقرأ أيضاً: بعد 19 عاماً… قائد "حزب الله الحجاز" بقبضة السعودية