في هذا السياق، يقول رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان، فؤاد حسين، لـ"العربي الجديد"، إن "ملفات الحرب ضد داعش، والعلاقات الاقتصادية، والعلاقات التركية العراقية، وحادثة تمركز قوة من الجيش التركي بشمال العراق، من أبرز ملفات لقاءي البرزاني مع أردوغان ومع داود أوغلو".
مع العلم أن الحكومة التركية تُقدّم مساعدات لوجستية للمقاتلين الأكراد في كردستان العراق، والذين يقاتلون "داعش"، وتشرف من خلال قواتها قرب بعشيقة، على عمليات تدريب لـ"البشمركة" والمقاتلين العرب، في معسكر تحرير الموصل من "داعش". ويرفض البرزاني، تصنيف "تواجد القوات التركية بالعراق، بمثابة تدخّل خارجي"، مبيّناً أنها "دخلت بموافقة بغداد العام الماضي".
ووفقاً لمصادر سياسية في أربيل، فمن المتوقع أن ينتج عن المحادثات، اتفاق على "بقاء طويل الأمد للقوات التركية في الشمال العراقي، ضمن حدود كردستان العراق، أسوة بالقوات البريطانية والأميركية والألمانية والإيطالية والفرنسية والكندية، المتواجدة ضمن معسكرات ثابتة، بقوات متفاوتة، لتقديم الدعم والتدريب ضمن جهود التحالف". وتؤكد المصادر أنه "من الممكن أن تتحرك القوات التركية لمسافة 18 كيلومتراً فقط، لتصبح ضمن حدود الإقليم، من دون أن تتمكن بغداد من الاعتراض عليها".
ويصف مراقبون أكراد زيارة البرزاني بـ"الاستثنائية" في توقيتها والملفات التي تتناولها، كما تُعدّ الأولى للزعيم الكردي بعد دخول "داعش" إلى العراق، وسيطرته على مناطق واسعة فيها، بدءاً من يونيو/ حزيران 2014. كما تأتي الزيارة بعد أيامٍ من جولته في الإمارات والسعودية، واللتين عُدّتا ناجحتين، خصوصاً في الرياض، والتي حظِيَ فيها البرزاني باستقبال واهتمام غير مسبوق، على أعلى مستويات القيادة، بشكل لم يُقدّم لأي مسؤول عراقي منذ عام 2003.
اقرأ أيضاً: 3 أهداف للتحرّك التركي في شمال العراق
ويعتبر المراقبون نجاح البرزاني في تحقيق تفاهمات في الملفات التي يقوم ببحثها مع القيادة التركية، مدخلاً لنيل إقليم كردستان المزيد من الاهتمام والدعم، من عدد من العواصم المؤثرة في المنطقة، وفي الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، كما يرسم التفاهم مع تركيا في هذا الوقت ملامح العلاقات المستقبلية بين أنقرة وأربيل.
وتأتي زيارة البرزاني بعد فتور في العلاقات الثنائية دام بضعة أشهر، بفعل تمدّد "داعش" بعد السيطرة على مدينة الموصل ومحافظة نينوى وأراضٍ تابعة لإقليم كردستان وتهديدهم العاصمة أربيل، وعدم تقديم الدعم المسلح للإقليم. ورأت القيادة الكردية في ذلك نوعاً من "الخذلان" من دولة حليفة لإقليم كردستان. لكن أنقرة التي تحركت بعد ذلك وقامت بتقديم مساعدات عسكرية للإقليم، ثم سمحت بمرور قوات "البشمركة" من أراضيها للوصول إلى مدينة عين العرب، شمالي سورية، لمنع سقوطها بيد داعش، ما أدى إلى زوال الفتور وعودة الدفء للعلاقة.
وتبرز أهمية إضافية لإقليم كردستان بالنسبة لأنقرة أخيراً، لتراجع العلاقات بين تركيا وروسيا، والتي تُعدّ المزوّد الرئيسي للأولى بالغاز الطبيعي، ما يفتح الباب أمام إمكانية اعتماد تركيا في الحصول على قسم من احتياجاتها من الغاز على إقليم كردستان، بالإضافة إلى النفط الخام.
عموماً، ينظر الأكراد في إقليم كردستان إلى تركيا باعتبارها بوابتهم للوصول إلى العالم الغربي في أوروبا والولايات المتحدة، وتسجيل معدلات طموحة من النمو لتحقيق وضع اقتصادي أفضل، أما الاتراك فنظرتهم إلى إقليم كردستان تقتصر على اعتباره مصدراً مهماً للطاقة وسوقاً لبضائعها وبوابة للولوج للسوق العراقية. وينعكس التفاهم مع الإقليم على الوضع الداخلي في تركيا ويدفع بالعملية السلمية نحو الأمام، فالإقليم، والبرزاني تحديداً، أديا دوراً في الفترة الماضية، عبر تشجيع أنقرة على إقرار بعض التشريعات لصالح منح الأكراد هناك حقوقاً في مجالات مختلفة، كما ساعد على تحريك مفاوضات السلام بين الجانبين.
وينقل موقع إخباري كردي، يموّله الحزب "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة البرزاني، عن مصادر خاصة، أن "رئيس إقليم كردستان يبحث مع المسؤولين الأتراك استئناف عملية السلام المتوقفة بين الأكراد والحكومة التركية، داعياً المسؤولين الأتراك لفتح المنافذ الحدودية بوجه مدينتي عين العرب وعفرين ذات الأغلبية الكردية، شمالي سورية وتقديم المساعدات لسكان المدينتين، والذين يعيشون أوضاعاً معيشية صعبة".
عن ذلك، يقول السياسي الكردي المقرّب من حزب "العمال الكردستاني"، محمد أمين، إن "خطوة البرزاني لبحث استئناف عملية السلام في تركيا جيدة للأكراد ولتركيا، لحاجتهما حالياً إلى السلام أكثر من أي وقت مضى". ويبيّن أن "البرزاني أدى في الماضي دوراً إيجابياً في الدفع بعملية السلام إلى الأمام، ونأمل أن تخدم زيارته الحالية وتؤثر على هذا الموضوع". ويوضح أنه "إذا استطاع البرزاني إقناع تركيا باستئناف مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان (مسجون بتركيا) لقاءاته مع السياسيين الأكراد الأتراك، فإن ذلك سيُحيي العملية السلمية هناك". وكانت السلطات التركية قد أوقفت منذ أشهر اللقاءات بين أوجلان ومؤيديه، وهو ما أدى إلى تفرّد قادة في الجناح المسلّح لـ"الكردستاني" بقرار قيادة الحزب وإعلان استئناف القتال ضد تركيا.
بدوره، يشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة صلاح الدين، عبد الحكيم خسرو، إلى أن "الجانبين، إقليم كردستان وتركيا، في حاجة إلى تعزيز علاقاتهما في هذا الوقت مع وجود الحرب ضد داعش، والتطورات الإقليمية الأخيرة إثر دخول روسيا إلى المنطقة، ومشكلة الطاقة التي باتت تهدد تركيا". ويرى خسرو أن "البرزاني يقود عملية توجّه إقليم كردستان نحو الحصول على حقوقه، وزيارته إلى تركيا ضمن هذه الجهود". وعلى الرغم من أن البرزاني قد أعلن أخيراً أن الإقليم لن يكون طرفاً في الصراعات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، كما ولن ينضم لأي معسكر ضد غيره، إلا أن زيارته الحالية لتركيا ستنقل رسالة مهمة مفادها أن إقليم كردستان العراق حليف لتركيا في الملفات السياسية والأمنية.
اقرأ أيضاً: حروب الأعلام وطوزخورماتو في العراق... هل ينتهي "التحالف المقدس"؟