ولا تكمن الخطورة في الخسارة الاشتراكية، بل في تنامي قوة اليمين المتطرف، بقيادة حزب "الجبهة الوطنية"، الذي يدخل الانتخابات باعتباره أقوى حزب سياسي في فرنسا، وقادر على سحق الأحزاب الأخرى، ولو مجتمعة.
ودفعت الثقة القوية للحزب، إلى إعلان قياداته أن "الناخبين الفرنسيين، بمن فيهم أنصار الحزب الاشتراكي، يؤيدون برامج الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبان". كما أن العديد من ممثلي حزب الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، انضموا إلى قوائم حزب مارين.
اقرأ أيضاً: فالس يدعو لمحاربة "الإسلاموفاشية" بفرنسا: فتش عن النفوذ اليهودي
ومع ذلك، وعلى الرغم من أن كتلة مهمة من ناخبي اليمين التقليدي لا يمانعون في تشكيل تحالف في الدورة الثانية من الانتخابات بين الحزبين اليمينيين الفرنسيين، إلا أن ساركوزي، شدد على أنه "لن يكون هناك أي اتفاق في فترة رئاسته للحزب، مع لوبان، لا في الانتخابات المحلية ولا في الانتخابات الوطنية".
وكان فالس قد بدأ المعركة السياسية، عبر التشديد أن "حزب لوبان ليس جمهورياً"، مطالباً الطبقة السياسية بـ"التحرك لوقف حزب يكره الأجانب ويُناصب الاتحاد الأوروبي العداء". لكن الأمور بدأت تتدهور أكثر على صعيد الأخلاقيات السياسية، بعد اعتراف أحد القياديين الاشتراكيين، جان ـ ماري لوغوين، بأن "اليسار الفرنسي استخدم في السابق، خطَرَ الجبهة الوطنية لأغراض سياسية وانتخابية، وأن اليمين التقليدي التزم سياسة الإنكار". ولفت إلى أن "الحلّ الراهن يتمثل في أن يتوقف اليسار عن أن يكون ساذجاً أو مثالياً، وأن يكتشف يسار اليسار أنّ انتقاداته اللاذعة والمتكررة المعادية للاقتصاد، وحقدَه على أوروبا وعلى الرأسمالية ستكون نتيجته هدم أسس الجمهورية".
وللخشية الاشتراكية أسبابها، فالكارثة الانتخابية تُهدّد عقر بيت فالس حتى، في منطقة ليسّون، في ضواحي باريس. وذكر آخر استطلاع لمؤسسة "أودوكسا"، نشرته صحيفة "أوجوردوي"، أمس الأحد، أن "حزب ساركوزي يبدو قادراً على الحصول على 25 في المائة من أصوات المنطقة، بينما لن يكسب اليسار أكثر من 22 في المائة من الأصوات، وسيكون للجبهة الوطنية الدور الأبرز، إذ ستنال نحو 20 في المائة، أما جبهة اليسار والحزب الشيوعي، فلن ينالا معاً أكثر من 16 في المائة".
وإذا سقطت منطقة فالس بيد اليمنيين، فستكون هزيمة قاسية، لأن رئيس الوزراء كان عمدة ليسون لسنوات طويلة، وبنى فيها مجده السياسي، وأقام علاقات متينة مع إمام مسجد إيفري، المغربي خليل مرون. ومن المتوقع أن يكون الردّ على الهزيمة العتيدة، على شاكلة تعديل حكومي رابع، يفكّر فيه الإليزيه جدياً، حتى أن هولاند أشار إليه أخيراً بوضوح، معبّراً عن استعداده لاستقبال "الخضر" في حكومته من جديد.
وترى مصادر مُطّلعة أن "الرئيس يُعوّل على إشراك إيمانويل كوس، الرئيسة الحالية للخضر، وأيضاً فرانسوا لامي، المُقرَّب من القيادية الاشتراكية مارتين أوبري، في الحكومة المقبلة". وهو ما يعني "توسيع قاعدة الحكومة"، وفقاً لما عبّر عنه فالس سابقاً، حين أبدى عدم معارضته عودة الخضر إلى الحكومة.
وتنحصر مشكلة العودة في التفاصيل، ففالس مصرٌّ على أن "قواعد العمل الحكومي مُحدَّدَة سلفاً"، في وقتٍ تشير فيه كوس إلى أنه "لا توجد محرَّمات، فنحن لسنا مع أو ضد المشاركة في الحكومة، لكن الأمر يتعلق بالظروف والمقترحات".
أمّا نواب الحزب الاشتراكي "المتمردون"، الذين أرغموا الحكومة على فرض إصلاحها الأخير بالقوة، لا بالتصويت، فقد قرر هولاند استقبالهم قريباً، من أجل إجراء نقاش "حقيقي". ولكن ظروف نجاح اللقاء تبقى رهينة بموقف فالس، الذي بدأ ينتبه لنهضة بارزة في الاقتصاد الفرنسي، ما جعله يشدّد على أنه "لن يكون ثمة تغييرٌ في السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة، خصوصاً أنها بدأت تعطي بعض النتائج". صحيح أن الانتخابات محلية فقط، لكن نتائجها لن تكون كذلك.
اقرأ أيضاً: فرنسا تترقّب اليسار الأوروبي من "سيريزا" إلى "بوديموس"