اقرأ أيضاً: تنافس على زعامة "العمال" البريطاني... وعلى رضى إسرائيل
وإن كان بعض المراقبين يعتبرون أنّ صعود كوربن يضفي الكثير من الحيوية على الساحة السياسية البريطانية، فإنّ هناك من يرى أنّ كوربن سيكون شخصية جدلية داخل الحزب وخارجه، لأنه يحمل برنامجاً سياسياً واقتصادياً راديكاليّاً لا يتماشى مع السياسات البريطانية، ولا حتى مع إيديولوجيا الحزب الذي تبنى الديمقراطية الاجتماعية منذ هيمنة تيار طوني بلير عليه في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ولا سيما بعدما اعتبرت القيادات النافذة داخل الحزب وفي مقدّمتها بلير وغوردون براون وبيتر مندلسون، أنّ الرجل يقود حزب "العمال" إلى حتفه.
وعلى مستوى السياسات الخارجية، فغالباً ما يغرد جيرمي كوربن خارج السياسات السائدة في بريطانيا وفي أوساط النخبة الحاكمة، بل إنه غالباً ما عارض سياسات حزب "العمال"، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط أو العلاقة مع الولايات المتحدة. ويرى الرجل المعروف بـ"صديق فلسطين" أن "للمملكة المتحدة علاقات وثيقة جداً بإسرائيل، بما في ذلك بيع وشراء الأسلحة، وقد حان الوقت لتغيير هذه العلاقة ووضع حد لإسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب خلال عدوان غزة الأخير"، وهذا ما دفع صحيفة "يديعوت أحرونوت" الى شنّ هجوم ضده مع وصفه بالمؤمن بالقضية الفلسطينية والمتطرف اليساري المعارض لكيان الدولة الإسرائيلية. أما صحيفة "معاريف" فاعتبرت فوزه بـ"هزة أرضية"، في حين أعربت مصادر دبلوماسية إسرائيلية صراحة عن خيبة أملها من هذه النتيجة. وقالت أوساط إسرائيلية عن كوربن الذي فاز بزعامة حزب "العمال" البريطاني بنسبة فاقت الـ60 في المائة متقدماً بشوط كبير على منافسيه بأنه صديق للتنظيمات التى وصفتها بـ"الإرهابية" مثل حركة "حماس" وحزب الله، كما أنّه دائم الانتقاد لإسرائيل وسياسة بناء المستوطنات. ولا يخفي كوربن مواقفه من عملية السلام في الشرق الأوسط، وقد صوَّت كوربن سابقاً في البرلمان البريطاني لمصلحة الاعتراف بدولة فلسطين. كما صرَّح بأنّ "حماس" قد وصلت للسلطة وفقاً لانتخابات شرعيَّة، وبالتالي لا يمكن الحديث عن أي عمليَّات سلام مرتقبة دون الحديث مع "حماس" وجعلها طرفاً في المفاوضات.
كما لا يخفي كوربن موقفه المعارض بشدة للمشاركة البريطانية في غزو العراق في عام 2003، وقد صرح في أكثر من مناسبة أن "الوقت قد حان ليقدّم حزب "العمّال" اعتذاره للشعب البريطاني لجرِّه إلى الحرب في العراق على أساس كذبة، وإلى الشَّعب العراقي على المعاناة التي ساهمنا في التسبّب بها". بل إنه دعا، أخيراً، الى وجوب محاكمة بلير إذا ما ثبت تورطه في تضليل البرلمان البريطاني للحصول على تفويض للمشاركة في غزو العراق.
اقرأ أيضاً: مسلسل كذب بلير في العراق ينعكس على قتال "داعش"
ويعارض كوربن تدخل القوات البريطانية في العراق وسورية، وقد سبق له أن وصف "الغارات التي تنفذها القوات الأميركية في العراق، بأنّها ليست أقل بشاعة من الجرائم التي يرتكبها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق وسورية". ولا يخفي كوربن معارضته خط الولايات المتحدة، ومعارضته مبيعات الأسلحة للأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان، ومعارضته التدخل الغربي في أوكرانيا، ويرى أنّ "محاولة حلف شمال الأطلسي (ناتو) تطويق روسيا هي واحدة من التهديدات الكبرى في عصرنا"، ويدعو إلى خروج بريطانيا من حلف الأطلسي، والتخلي عن الترسانة النووية. وفي المقابل يدعو إلى التسامح العالمي ونزع السلاح النووي.
ومهما بدت مواقف كوربن مثالية وبعيدة عن الواقع، على حد تعبير بلير، إلا أنها جديرة بالاهتمام وفق المحلل السياسي في صحيفة "واشنطن بوست"، آدم تايلور، خصوصاً أنها تُنذر بخمس سنوات ساخنة بين حكومة المحافظين وحزب "العمال" المعارض في نسخته الأكثر يسارية. ويُعدّ موقف كوربن من قضية الصحراء الغربية الأكثر إثارة للجدل، إذ يدعم كوربن ما يسميه "نضال الشعب الصحراوي من أجل تقرير المصير والاستقلال". وكان زعيم "العمال" الجديد قد احتج مرات عدة داخل حزبه وداخل البرلمان البريطاني ضد ما يطلق عليه "الاحتلال المغربي غير الشرعي للصحراء الغربية".
وجيرمي كوربن من مواليد 1949، وهو عضو منتخب في مجلس العموم منذ عام 1983 وهو نائب برلماني. لا يتناول الكحول، ويستخدم دراجة هوائية للتنقل. يعارض سياسات التقشف ويؤيد زيادة الضرائب على الأغنياء والشركات، ويسعى لتأميم قطاعي الطاقة والقطارات.
كما يعتبر حزب "العمال" ثاني أكبر حزب في بريطانيا، إذ كان يتقاسم تشكيل الحكومات بينه وبين حزب المحافظين الحاكم حالياً. يصنَّف الحزب ضمن يسار الوسط، ويرجع تاريخ تأسيسه لعام 1900، حين تم تكوين لجنة حزب "العمال" في البرلمان.